رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المحافظة على «الهارد ديسك»


ها هو التشكيل الوزارى الجديد يجرى التوصل إليه، وما لا شك فيه أن هذا التشكيل سيأتى بمسئولين على المستوى الوزارى لم يسبق لهم أن شاركوا فيه، كما أن التشكيل السابق اشتمل على من لم يكونوا قد تولوا مناصب وزارية، وهكذا هى سنة الحياة، فالمؤكد أن قدرة الإنسان على الاستمرار لها حدود، وأن الحالة الصحية للإنسان تتغير مع تقدم العمر، ويصبح على من هو أقدر صحة أن يتقدم لتحمل المسئولية.

بينما يؤدى التغير الطبيعى إلى أن تتوارى أجيال عن المسرح لتتيح الفرصة لغيرها لتولى المسئولية بقوة أكبر، كما أن الأجيال الجديدة تتحصل على معلومات ومهارات جديدة تمكن الجيل الجديد من القيام بأعمال قائمة على التطور العلمى والتكنولوجى، ما لم يتوفر للأجيال السابقة.

من جهة أخرى فإن الأجيال السابقة قد اكتسبت خبرة يصعب القول بإمكان نقلها دفعة واحدة أو على دفعات إلى الأجيال التالية، بينما هذه الخبرة هى ملك للدولة والشعب حيث دفعت ثمنها من خلال التجربة والخطأ والمحاولة والتصحيح، ومن الضرورى أن تجرى الاستفادة بها، ولتحقيق ذلك يجب أن تكون هناك آليات لنقل الخبرة، ولقد رأينا كيف تشكل بعض ما يسمى مجالس الخبراء أو ما شابه ذلك، لكن أظن أن النتيجة ما زالت غير كافية، وهناك ما يمكن تسميته صراع أو نزاع الأجيال، فرغم أنه تشكل مجلس من خبراء مصريين عالميين، إلا أن النتيجة حتى الآن ليست كافية. وفى هذا الصدد، أذكر أنى التقيت زميلًا متقاعدًا من قطاع البترول وسألته عن رأيه فى ما يدور فى القطاع الآن، وكان رأيه أنه يؤيد ما يجرى فى القطاع، لكنه يرى أنه ليس لديهم الخبرة الكافية، وأنه يتمنى أن تكون هناك وسيلة وآلية لتحقيق الاستفادة من الخبرات المكتسبة السابقة.

خاصة أننا دفعنا ثمنها عدًا ونقدًا، كما دفعنا ثمنها من صحة وجهد وأحيانا أعصاب وأرواح أبنائنا. يذكرنى هذا فى نفس الوقت بمصطلح استخدمه اللواء ناجى شهود عن الجيل السابق حيث شبهه بأنه الـ«هارد ديسك» أو القرص الصلب الذى يحتفظ فى ذاكرته بالمعلومات والخبرات التى سجلت وربما حفرت فى تاريخ البلد والذى لا غنى عنه لأى جهاز حاسب آلى، وبالنسبة للأجيال السابقة كان هناك الأرشيف الذى اختزن المعلومات والخبرات السابقة والتى عادة ما يرجع إليها لاسترجاع ما يمكن أن يكون قد جرى طمسه، ولكن القرص الصلب أقدر على المحافظة على المعلومات والخبرات المسجلة على سطحه.

كيف نحافظ على خبرة التجارب، ونستفيد من أجيال سابقة؟، هنا ربما يكون من المفيد أن نتذكر أننا بتحسن المستوى الصحى للمواطن المصرى فقد أصبح متوسط عمر المواطن أكبر مما كان فى السابق، وغالبا ما تبين المراجع العالمية ذلك، وبالتالى فإن نسبة كبار السن إلى المجتمع قد زادت وتزيد والحمد لله، وبالتالى يزداد أعداد المواطنين أرباب المعاشات والذين تجاوزوا سن المعاش، وهم الذين اكتسبوا الخبرة السابقة، ولكن هذا فى نفس الوقت يعنى أن قطاعا كبيرا من المجتمع لا يستفاد منه ويصبح عالة على غيره، وإن كان هذا يؤدى إلى ارتفاع معدل البطالة واعتماد قطاع كبير من المجتمع على جهد الأجيال الناشئة التى هى فى حاجة إلى من يساعدها.
هنا لا بد من العمل على الاستفادة من خبرة الأجيال السابقة بما يمكن أن يرفع من مستوى العائد على العمل دون مزيد من الإنفاق أو بأقل قدر منه، ولكن يجب أيضا الاستفادة من التجارب السابقة، ونذكر هنا أنه تشكلت مجالس استشارية أو لجان خبرة ولكنها لم تحقق حتى الآن المستوى المطلوب، وهو ما يتطلب دراسة للتجربة والخروج بنتيجة تمكن من التغلب على أسباب عدم تحقيق النتائج المرجوة، فالمؤكد أن هناك من يريد تقديم خبراته إلى الأجيال التالية، ولكنه يخشى أن يساء فهم مقصده، كما أن هناك من قد يرى مثل هذا الظرف وسيلة للحصول على مكاسب شخصية بدلا من تقديم خبرة حقيقية ومخلصة، خاصة أننا سنجد بين أبناء الجيل السابق من لديه ما يشغله ويستنفد قدراته وخبراته، ويبقى أولئك الذين يمكن اعتبارهم متفرغين للعمل الذين تقاعدوا عنه عند بلوغ سن المعاش أو إحالتهم للمعاش لأسباب أخرى.
لا أظن أنى أتوقع استجابة سريعة لهذا المقترح، لكنى أتمنى أن تستطيع مصر العثور على وسائل وآليات للاستفادة من أبنائها الذين ما زالوا قادرين على العطاء، والذين يكتنزون قدرا عاليا من الخبرة، وألا نحتاج إلى زمن طويل لتحقيق ذلك.