رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا معجزات فى العاشر من رمضان


وجاء العاشر من رمضان مرة أخرى، وبالطبع أثار الذكريات ولكل ذكراه، لكن عادة ما يستثير اهتمامى بعض ما يتذكره البعض، حينما تكون الذكريات للعاشر من رمضان، فالحقيقة أننا عادة نتذكر الحرب عدة مرات فى السنة، مرة فى السادس من أكتوبر، ومرة فى العاشر من رمضان، ومرة فى عيد تحرير سيناء، ومرة فى عيد تحرير طابا، لكن ذكرى العاشر من رمضان عادة ما يكون لها طابع خاص، حيث ترتبط بالدين ورمضان بشكل خاص.

عادة ما يذكر كيف أن الجنود والضباط قد رفضوا أن يفطروا، أو أن العمل قد اضطر بعض العاملين فى مراكز القيادة على المستويات المختلفة أن يؤخروا الإفطار لمتابعة أعمال الصراع المسلح، كما أنه طبعًا يتكرر الحديث عن الشجاعة والبسالة، وعادة ما يتردد شعار «النصر أو الشهادة» بما يعطى انطباعًا بأن الشهادة كانت هدفًا فى حد ذاته، وينسحب هذا على ما تقوم به قوات إنفاذ القانون من قوات مسلحة وشرطة فى مكافحة الإرهاب والجرائم، وأخيرًا هناك من يتحدث عن معجزات أو ما يشبهها، ويصاحب ذلك ربط نداء «الله أكبر» بالصراع ونتيجته، ورؤى البعض سواء رؤى اليقظة أو رؤى المنام. وهنا نجد أنفسنا فى الحديث عن علاقة الحرب بالدين، وهى علاقة من المهم وضعها فى مكانها الصحيح.
بداية لا بد من التعرف على دور الدين فى الصراع، حيث يجد المقاتل على مستواه أنه لا بد من أن يستدعى مهمته وقضيته، والمخاطر التى يواجهها أو أنه بصدد مواجهتها. وهنا فإن المقاتل لا بد أنه يرجع إلى دينه فى مواجهة المهام التى عليه أن يحققها، ويختلف الأمر فى حالة الحرب الدينية أو ذات الطابع الدينى عن باقى الحروب، حيث فى حالتها يكون الجيشان المتحاربان مختلفين تمامًا. فكل جيش دينه غير الآخر، وهو ما لا ينطبق على حرب العاشر من رمضان، حيث اختلفت الأديان والمذاهب على المستوى العربى، حيث كان هناك بجانب الإسلام المسيحية، وبعض المذاهب التى يصعب تصنيفها مثل المذهب العلوى، كما كان فى الجيش المعادى أفراد من الدروز، ومن أديان أخرى رغم الأغلبية اليهودية. أما فى مصر فلقد كانت القوات المسلحة المصرية متجانسة وكان الإعداد للحرب لا يفرق بين المقاتلين من أبناء الأديان المختلفة، وقد برز بعض القادة والمقاتلين بغير تمييز بينهم، وظل الدين عاملًا شخصيًا له أثره الوطنى على المقاتل.
إن الحديث عن رفض الإفطار أو تأخيره فى حقيقته أنه وبالرغم من حسن النية رفض يبدو مبالغة فى الدين ومخالفة للسنة النبوية، حيث أمر النبى صحابته بالإفطار قبل الاشتباك بالعدو، وبالتالى فإن عدم الإفطار لغير المشتبكين بالعدو سواء بالنيران أو بالقتال أمر مفهوم، لكن كان الإفطار واجبًا لكل من اشتبك أو فى طريقه إلى الاشتباك.
أما الحديث عن الشهادة كهدف، فأتمنى أن تجرى مناقشة صريحة له، حيث لا يجوز أن تكون الشهادة فى حد ذاتها هدفًا لا للقوات ولا للفرد، وهناك فارق كبير بين أن تكون الشهادة هدفًا، وأن نتقبلها باعتبارها من عناصر القتال التى لا يمكن تفاديها، ولكن الإخلاص فى أداء وتحقيق المهام، يؤدى إلى استشهاد البعض بالضرورة، وهنا فإن الشهادة تكريم للذى أخلص فى تنفيذ مهامه، بينما القتل الناجم عن التقاعس ليس أمرًا يستحق التكريم، والله يعرف الفرق ويحاسب الإنسان. المهم أن مهمة المقاتل على مختلف مستوياته، تنفيذ المهام المكلف بها وهو ما نسميه بالنصر، وعلى الجميع العمل على خفض الخسائر إلى الحد الأدنى، والاستشهاد ليس هدفًا.
لا شك أن نداء «الله أكبر» كان مناسبًا أفضل مما تسميه الجيوش الأجنبية بـ«صيحة النصر» وهى ليست ذات معنى، لكن صيحة «الله أكبر» لم يكن لها انعكاس يجعلها تفرق بين المنتمين إلى الجيش من مختلف الأديان.
طبعًا لم تشهد حرب العاشر من رمضان معجزات، ولم يتأكد أى حديث عن أفراد وقادة رأوا رؤى فى المنام، ولا نستطيع أن نأتى بما يدل على اشتمال الحرب على معجزات رغم ما تردد عدة مرات، وحسب علمى فقد كذبها بعض من قيل إنه رأى رؤيا لها علاقة بسير المعارك، وقد حاول البعض ممارسة الإرهاب الفكرى بالتهديد بالتكفير فى حال إنكار المعجزة.
إن الحديث عن المعجزات، ينكر قيمة العمل والإعداد والبحوث التى أجريت قبل الحرب، وهو ما يشير إليه البعض فى اختيار توقيت بدء القتال يوم السبت الثانية بعد الظهر، وهو عمل رائع قامت به مجموعة مكلفة من القيادة، وبالطبع فهى لم تضرب الأرض، فخرجت لها النتيجة.