رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الساخر».. حكاية الولد الشقي الذي نافس بقلمه عادل إمام

محمود السعدني
محمود السعدني

حدث ذلك في عام 2006، وقتها كان الكوميديان عادل إمام ضيفًا على الإعلامية هالة سرحان في برنامجها ذائع الصيت «هالة شو» المذاع حينها على احدي القنوات الفضائية.

سألته المذيعة المتوهجة آنذاك قائلة: « من هو المنافس الذي ينازع الزعيم عادل إمام صدارة عرش الكوميديا في مصر؟.

باختصار وهدوء شديد أجاب النجم على التساؤل السابق قائلًا: «محمود السعدني»، ذلك الرجل الذي أشتاق لقلمه وأحن لكلماته، فهذا الرجل أفتقده الآن تمامًا.

حين فرغ النجم من إجابته، أخذتني العزة بالظن والتبست علي عقلي الأمور، واعتقدت حينها أنه قد جانبه الصواب في نطق الاسم، فبدلا من أن يقول «صلاح» قال «محمود»، حيث دار في خُلدي وقتها أنه أراد مجاملة صديقه المقرب صلاح السعدني بكلمات رقيقة، خاصة وأنه خلال تلك الفترة كان مبتعدًا نسيبا عن الأضواء.

لكن مع توقف هالة سرحان أمام اسم «السعدني الكبير»، تيقنت وقتها أنني من المقصرين في حق تلك الظاهرة خفيفة الظل والروح المبدعة قولًا وعملًا.

لم يكن أمامي وقتها إلا اللجوء إلي الأستاذ «جوجل» لاكتشاف العوالم الخفية لذلك الولد الشقي، فلم أجد أمامي إلا مجموعة من المعلومات السمجة التقليدية، تلك التي لا تُسمن ولا تُغني نهمي وشوقي.

لكن كانت النقطة الأبرز تتمثل في ذلك الشعور الذي راودني، حيث شُعرت وقتها بأنني تربطني بذلك الرجل علاقات قديمة، وأنني قد سبق لي من قبل الخوض في قراءته، وحاولت أعتصر ذاكرتي مستعيدًا بدايات هذا التعارف، فخاب مسعاي.

في تلك الفترة كان قلم «السعدني» قد دخل في حالة من الموات الإكلينيكي، بعدما اعتزل الكتابة بفعل التقدم في السن، وحينها كان توقفت رحلتي مع صاحب «مصر من تاني».

لكن عندما قضى أمر الله في الأرض، ونجحت ثورة يناير في الإزاحة والإطاحة بنظام مبارك، عادت سيرة «السعدني» للحضور، عندما بدأ أولي القربي منه في الحديث عن كتاباته القديمة وأحاديث النميمة، التي كان يبشر خلالها بالثورة التي لن تُبقي ولا تذر.

بالإضافة إلي ذلك؛ كانت مواقع التواصل الاجتماعي وقتها نجم الساعة، باعتبارها الأيقونة التي خرجت من رحمها الثورة، تحفل صفحاتها بالعديد من الاقتباسات والكلمات المنسوبة لـ «السعدني»، التي سردها في مقالاته ومؤلفاته.

هذه الإبداعات كانت كلمات ليست كالكلمات، فهي حالة جاءت لتؤكد أن قلم الولد الشقي كان سابقًا لعصره.

لم ادع تلك الفرصة تمر كسابقتها، وبدأت حينها الخوض في قراءة سيرته مرة أخري، لأجد أمامي مسيرة مكتملة لرجل يقدم نفسه دومًا يعرف نفسه لقارئه بأنه «الناصري إلي يوم أن يبعث».

وسط المعلومات الكثيفة والمتدفقة عن لـ «مسافر على الرصيف»، تجده دائما بأنه الرجل الذي يجلس على يمين السلطة؛ فلم يكن يومًا ممن يقولون أنا مع النظام لأجل أن أفوز فوزا عظيمًا.

وسط تلك القصص المتواترة عن «الموكوس في بلاد الفلوس» استوقفتني تلك المعلومات التي أوردها الكاتب الصحفي محمد توفيق في كتابه «الملك والكتابة» الصادر مؤخرًا، والذي سرد خلالها عمق العلاقة الوثيقة التي جمعت بين «السعدني» والرئيس الراحل « أنورالسادات» منذ أربعينات القرن الماضي، قبل أن تنقلب الأمور بينهما رأسا على عقب.

عندما تتأمل تلك القصص التي أوردها «توفيق»، تتكشف أن العلاقة التي ربطت «السعدني» بالقلم هي « إنك من عبادنا المخلصين، لا تكتب إلا صدقا، ولا تنطق إلا حقًا».

والكاتب الساخر محمود السعدني من مواليد محافظة الجيزة عام 1928، بدأ العمل كمحرر صحفي في العديد من الصحف والمجلات، قبل أن يتولي رئاسة تحرير مجلة «صباح الخير» في ستينيات القرن الماضي.

عاش الكاتب الساخر فترات طويلة في المنفي خارج مصر، بفعل الصدامات المتكررة مع الأنظمة المصرية؛ إلي أن استقرت به المقام في قاهرة المعز عام مطلع الثمانيات بعد رحيل الرئيس السادات.
أصدر «السعدني» العديد من المؤلفات أبرزها «الطريق إلي زمش» ومذكرات « الولد الشقي»، وقد رحل عن عالمنا عام 2010.