رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صفقة القرن.. قرن المصادر المجهولة!


أفلح إن صدق.. وأنتظره عند قبري لو استطاع، وستكون لنا وقفة أو (قعدة) قريبة، مع القرار الذي أصدره المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، السبت، بمنع نشر أي أخبار مجهولة المصدر. أما الآن فسنتوقف أمام تقرير نشرته وكالة «أسوشيتد برس»، في اليوم نفسه، يوم السبت، ونقلت فيه عن مصادر مسئولة (مجهولة) في الإدارة الأمريكية، أن البيت الأبيض يعتزم خلال الشهر المقبل، طرح خطة السلام في الشرق الأوسط، المعروفة إعلاميًا، بـ«صفقة القرن».

المصادر المسئولة (المجهولة)، التي بنت عليها الوكالة تقريرها، كانت عبارة عن خمسة مسئولين أمريكيين وموظف في الكونجرس، وكلهم أجمعوا على أن واشنطن تنوي الإعلان رسميًا عما توصف بـ«صفقة القرن» لتسوية النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني بعد انتهاء شهر رمضان، منتصف أو أواخر يونيو المقبل، مع الإشارة إلى أن هذا التوقيت قابل للتغيير، نظرًا لتطورات الأوضاع في المنطقة. وذكر هؤلاء المسئولون أن مهندسي الصفقة (الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وجاريد كوشنر، صهر الرئيس وكبير مستشاريه، وجيسون جرينبلات، مبعوث البيت الأبيض الخاص إلى الشرق الأوسط) بدأوا في إطلاع «الحلفاء والشركاء المختارين» على تفاصيل الصفقة أو الخطة المستقبلية، التي لن يتمكن الجانب الفلسطيني من «مجرد النظر» إليها إلا بعد تخفيف حدة العنف والتوتر في المنطقة خلال الأسابيع المقبلة.

قبل ساعات من تقرير وكالة «أسوشيتد برس»، رجحت مصادر مطلعة (مجهولة أيضًا) لجريدة «معاريف» الإسرائيلية، السبت، أن يُعلن ترامب خطته للسلام في الشرق الأوسط الشهر المقبل. كما جاءت «صفقة القرن» على بال «دانا فايس»، المحللة السياسية بالقناة الثانية الإسرائيلية، التي ربطت بين زيارة مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي الجديد إلى تل أبيب واجتماعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتجهيز لإعلان خطة السلام الأمريكية المحتملة؛ لافتة إلى أن الخطة التي تم إعدادها تشمل دول الإقليم، وأن الجانب الفلسطيني أحد أطرافها، لكنه ليس صاحب «القول الفصل» فيها.

 

مصطلح أو تعبير «صفقة القرن» ظهر للمرة الأولى على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال زيارته واشنطن، أبريل قبل الماضي، إذ قال لنظيره الأمريكي، دونالد ترامب، «ستجدني داعمًا لكل الجهود التي تهدف إلى إيجاد حل للقضية الفلسطينية، قضية القرن، أو صفقة القرن، اللي أنا متأكد كويس أن فخامة الرئيس (ترامب) يستطيع إنجازها»، فكان أن رد ترامب: «سنفعل ذلك سويًا وستمتد صداقتنا طويلًا وسنحارب الإرهاب سويًا». وترسخ المصطلح والمعنى حين زار الرئيس الفلسطيني البيت الأبيض في الشهر التالي (مايو ٢٠١٧) وقال خلال لقائه الرئيس الأمريكي: «سعيد جدًا أن أكون هنا مع الرئيس دونالد ترامب وأشكره شكرًا جزيلًا على إتاحة الفرصة لنلتقي للمرة الرابعة خلال العام الأول لرئاسته، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على جدية فخامة الرئيس بأنه سيأتي بصفقة القرن في الشرق الأوسط خلال العام أو خلال الأيام المقبلة إن شاء الله». ثم كان المصطلح هو الأنسب للاستخدام والتداول حين كشفت الصحف الأمريكية (سبتمبر الماضي) عن أن ترامب بدأ في وضع خطة جديدة لإنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، تتخطى كل المبادرات الأمريكية السابقة، وتُخرج عملية السلام من الطريق المسدود، للتوصل إلى ما وصفها بـ«الصفقة النهائية».

بهذا الشكل، بدأ المجتمع الدولي يترقب إفصاح ترامب عما توصف بـ«الصفقة النهائية» أو «صفقة القرن»، التي لم يتم الإعلان رسميًا، إلى الآن عن أي تفاصيل بشأنها أو أي بنود ستتضمنها. وعلى كثرة التصورات الخزعبلاتية، أو الهلاوس غير المنطقية، يمكننا وصف ما تم نشره أو تسريبه من مقترحات ومضامين، بأنه ليس واقعيًا ولا يمكن تطبيقه على الأرض، لأنه ببساطة مرفوض فلسطينيًا وعربيًا. ولن نتوقف عند أي تصورات خزعبلاتية، أو هلاوس غير منطقية، أطلقها موتورون وصدقها ورددّها طيبون أو مجانين، مكتفين بتأكيد ما سبق لكل الأطراف المعنية تأكيده، أنه لن يتم قبول أو (فرض) أي تسوية أمريكية على الفلسطينيين (والعرب) لا تشمل حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. والإشارة هنا مهمة وواجبة إلى أنه لا يمكن لواشنطن تنفيذ أو (فرض) أي حل مهما كان مضمونه، ومهما كانت بنوده، دون موافقة الجانب الفلسطيني، وثلاث دول عربية على الأقل، أولاها مصر.

بعد كل هذا اللت والعجن، وبعيدًا عن أو بالقرب من مصادر «أسوشيتد برس» الستة (المجهولة)، فإن كل هذا الكلام الذي لا يتضمن معلومة أو تفاصيل، سبق تكراره عشرات المرات. في مارس الماضي نقلت جريدة «هآرتس» الإسرائيلية عن مسئول فلسطيني كبير قوله، إن البيت الأبيض سيقدّم خطة السلام، المعروفة باسم «صفقة القرن»، خلال الأسابيع المُقبلة، بعد ضغوط من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. ونقلت جريدة «الشرق الأوسط» السعودية، في فبراير الماضي، عن مصادر وصفتها بـ«المطلعة»، أن الولايات المتحدة تخطط لعرض خطتها المسماة بـ«صفقة القرن»، في مؤتمر دولي قد يتم عقده في إحدى العواصم العربية- القاهرة على الأرجح - بحضور إسرائيلي، ولكنها لم تُشر إلى موعد محدد لعرض الخطة الأمريكية. ومنذ أسابيع طلب مبعوثا ترامب، كوشنر وجرينبلات، «دعم» الأمم المتحدة لخطة سلام، مؤكدين أنها ستنجز قريبًا، وقدما الطلب الذي لم يرفق بأي توضيحات عن مضمون الخطة أو موعد نشرها، خلال اجتماع مغلق تم عقده بمجلس الأمن.

وكما قطعت جهيزة قول كل خطيب، أعلنت السلطة الفلسطينية، عشرات المرات، رفضها التعامل مع أي مقترحات أمريكية ما لم تتراجع إدارة الرئيس دونالد ترامب عن نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل. وكانت مناسبة المرة الجديدة هي ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن احتمال قيام الإدارة الأمريكية بطرح خطتها للسلام المعروفة بصفقة القرن.

وهو أيضًا كلام قديم سبق أن أعلنه نبيل شعث، مستشار الرئيس الفلسطيني للشئون السياسية. وقال في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط، في ٢٩ أبريل الماضي «لن نسمح للرئيس الأمريكي بفرض صفقته علينا».. «المسألة ليست متعلقة برفض أو قبول صفقة القرن، بل تتعلق برفض دور الولايات المتحدة، لأن دورها أصبح مشبوهًا».. «فليقدم صفقة قرنه كما يحب.. فلن نقبلها ولن نقبله».

أيضًا، في كلمته خلال افتتاح الدورة الـ٢٣ للمجلس الوطني الفلسطيني، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في ٣٠ أبريل الماضي، إنه لا سلام دون القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين، وإنه لا دولة في غزة ولا دولة دونها. وبوضوح قال عباس: «لن نقبل ما يسمى بصفقة القرن ولن نقبل أن تكون أمريكا وحدها وسيطًا في عملية السلام، مضيفًا أن «صفقة القرن» هي «صفعة» لإنهاء السلام لأنها أخرجت قضيتي القدس واللاجئين والاستيطان من المفاوضات. وكان أبرز ما قاله عباس هو أن «هناك من لا يرغب في عقد المجلس الوطني، ولكن فشلت كل المحاولات لعقد مجلس موازٍ في غزة وخارج الوطن».

 

ما قد يلفت نظرك أو يثير دهشتك، هو أنه قبل أيام من تقرير «أسوشيتد برس»، وتحليل «المحللة» وترجيح الجريدة الإسرائيلية.. وبعد أيام من تجديد السلطة الفلسطينية نفيها للمرة الـ«مش عارف كام». قبل أيام من تلك، وبعد أيام من هذه، تحدث حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، الإثنين الماضي، عما توصف بـ«صفقة القرن». وقال إنها تتضمن، «الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وأن تكون غزة هي الدولة الفلسطينية المقبلة». وبعد نصرالله بيوم، أي يوم الثلاثاء، كتب حمد بن جاسم آل جبر، رئيس الوزراء القطري السابق، في حسابه على تويتر، أن «صفقة القرن تنفذ خطوة خطوة بدعم وتأييد دول عربية كبرى». وطبيعي أن يدفعنا ما كتبه الكومبارس القطري، إلى إعادة النظر في التقرير الذي نشره «منتدى الشرق الأوسط»، في ٢٨ أبريل الماضي وكشف عن أن جيسون جرينبلات، تلقى رسالة من إمارة قطر، تحمل الشروط المُفترض أن توافق بموجبها حركة حماس على العمل تحت إطار السلطة الفلسطينية، ضمن خطة السلام المعروفة بـ«صفقة القرن».

التقرير الذي نشره الموقع الإلكتروني للمركز البحثي الأمريكي، نقل عن مصدر وصفه بـ«المُطلع» أن «حماس تنوي تقديم نوع من الانفتاح مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية بموجب معايير صفقة القرن، حيث ستعود السلطة الفلسطينية للسيطرة في غزة مقابل التطبيع مع أو مصالحة حماس في الضفة الغربية»، معتبرًا أن ذلك من شأنه أن يعيد القطريين إلى الطاولة باعتبارهم «وسطاء في نوع ما من المبادرات»، ويُمثّل تنبيهًا لإدارة ترامب بأن نفوذ الدوحة في غزة حقيقي ويمكن أن يحقق نتائج ملموسة. ثم نقل التقرير عن مصدر آخر، مصدر مجهول آخر، أن حماس أعربت عن استعدادها للعمل مع الأمريكيين حول «صفقة القرن» مقابل السيطرة على غزة ومزيد من النفوذ في الضفة الغربية، لكن اللافت للنظر، من وجهة نظر المصدر، هو أن «قطر تحاول الدفع بحماس نحو قبول الصفقة». وتابع المصدر أن «هذه الرسالة مصدرها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني»، زعمًا أنه سلّمها لترامب عندما التقاه مؤخرًا في يناير وأبريل الماضيين.

بعد كل هذا «الهري»، وبعيدًا عن مصادر «أسوشيتد برس» الستة (المجهولة)، فلم يظهر إلى الآن دليل مادي ملموس أو محسوس على وجود ما توصف بـ«صفقة القرن». وكان من بين أسباب زيادة عدد القتلى في المشرحة، هو أن وسائل الإعلام لم تنقل شيئًا عن تلك الصفقة المزعومة، تفاصيلها أو بنودها، عن مصادر رسمية أو معلومة، بل كانت غالبية (إن لم تكن كل) تلك المصادر مجهولة، مطلعة، عليمة، وغيرها من تلك التي نهى عنها القرار الذي أصدره المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، السبت، والذي ستكون لنا معه وقفة أو قعدة، كما قلنا. ولا مانع من تكرار: أفلح إن صدق.. وأنتظره عند قبري، لو استطاع تطبيق القرار!.