رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اتهامات وحقائق


إن الهجوم الكاسح الذى شنه الإعلام المصرى فى معظمه على مبادرة الهلباوى، يكون مقبولًا عندما يقوم على أساس ومنطق، وإلا فهو بكل تأكيد إهدار للطاقة وصرفها فى غير مكانها الصحيح. فضلًا عن ضياع الوقت وتشويه السمعة وتضليل الشعب العظيم.
كل ما زعمه الإعلام وبعض السياسيين والبرلمانيين وحتى بعض الحقوقيين، بُنى على خطأ ولذلك فهو لا سند له، بل إنه مهدوم. أنا لم أعُد للإخوان، ولو كنت عُدت للإخوان، لكنت قد أعلنت ذلك، مثلما فعلت من قبل فى البرامج التليفزيونية والصحف عند استقالتى من جماعة الإخوان المسلمين ٢٠١٢، لقد كنت واضحًا طول عمرى بالإيجابيات أو السلبيات. ولم أجتمع بأحد من أعضائها على الإطلاق، والجماعة تعتبرنى عاقًا وأكثر، ولم يعجبهم النقد سابقًا. ولم أهرب من مصر، أنا سافرت فى آخر شهر يوليو ٢٠١٧ للعلاج، حيث أعانى من المرض الشديد. والحمد لله تعالى استقرت الحالة بعد تدهور حالتى الصحية فى مصر. وأتمنى تمام الشفاء حتى أعود إلى مصر، وأسهم فى بناء مستقبل عظيم لها وأسعى لتخفيف المظالم والفقر والتخلف فيها. فضلًا عن الإرهاب والفساد، ولم أتحدث باسم المجلس القومى لحقوق الإنسان يومًا ما، كما أن المبادرة ليست للنظام فى مصر أو الإخوان، ولكنها للمجتمع المصرى كله، فإن كان المجتمع فى غنى عنها، فالمجتمعات الأخرى فى حاجة إليها، كما أكد لى بعض كبار الحكماء والعقلاء والمفكرين والمثقفين خارج مصر وفى بلاد المغرب العربى كله.
أما إعلام الإخوان فلم يقدم نموذجًا جميلًا، ولم يكن منصفًا وبعضهُ يقوم على الحقد والكراهية. وقد كتب بعضهم مقالًا بعنوان «هلباوى الثورة وهلباوى الانقلاب». وكذلك رد المجلس الثورى، وغير ذلك من منظمات ومؤسسات شبه وهمية ولا أثر لها فى المجتمع المصرى، بعضها يبيع الوهم لمن يثق بهما.
ننتقل الآن إلى نقطة تالية فى موضوع المبادرة التى حركت مياهًا كانت راكدة أو شبه راكدة. هناك من هاجم المبادرة وصاحب المبادرة بقسوة، بعضهم بأسلوب نقدى معتدل، وبعضهم بأسلوب سوقى، وبعضهم دعا على الهلباوى بخراب البيت، حتى قال أحدهم فى التلفاز «الله يخرب بيتك يا هلباوى». ظنًا منه أن الله تعالى يقبل الدعاء بالشر «وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا»، هل يقبل الله الدعاء بالشر أو دعاء الفاسدين أو الظالمين أو الجاهلين أو المنافقين، أو الحاقدين؟، الأمر متروك لله تعالى. لعلهم يتبعون خطى الشياطين «قَالَ أَنظِرْنِى إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ».
وهناك من وقف على الحياد، وهناك من دعم المبادرة بقوة، وأذكر هنا فى المقدمة المركز المصرى الأمريكى، ومعظم الأعضاء فيه من كبار المتعلمين والمثقفين وأصحاب العقول النيرة والغيرة على مصر وحبها، رغم بُعدهم عن الوطن لفترات طويلة.
وقد تلقيت بعض الأسئلة والاستفسارات عن الفوائد المرجوة من هذه المبادرة.. هل تتوقع يا هلباوى أى فائدة من هذه المبادرة مع ضعف الاستجابة من الأطراف وقد كتب بعضهم «هلباوى الثورة وهلباوى الانقلاب»؟. ويطيب لى هنا أن أركز على أهم فوائد المبادرة - كما أتصور - وبعد حوارات مع بعض المعنيين على وسائل الاتصال من شتى أنحاء العالم.
أقول فى البداية: ما أندر الحكماء فى زمن يعتبر كثير من الناس أنفسهم حكماء، بل الحكماء الوحيدين فى الدنيا، وليت الخبل يقف عند حدود النظرة إلى أنفسهم نظرة ملائكية وكفى، بل إن الخبل يتعدى ذلك إلى اعتبار الآخرين أدنى، وعلى خطأ دائم بل شياطين. يزداد هذا الخبل مع الصراع على السلطة.
أعرف يقينًا أن الرئيس السيسى رجل محترم ومستقيم على المستوى الشخصى والأسرى والمهنى، وإلا لما قبله الشعب هذا القبول الذى جعله زعيمًا قبل أن يكون رئيسًا، ولما كتب الإخوان عنه مقالًا فى صدر صحيفتهم الحرية والعدالة: «وزير دفاع بنكهة الثورة». وأعرف أنه حاول إنقاذ البلد مما كان ينتظر المنطقة كلها من صراع تام، أو هكذا اتضح لى، وسيختلف الناس حتمًا فى هذا الأمر وغيره، ولكننى أرى خللًا عميقًا موروثًا، وأرى أن إصلاح هذا الخلل يحتاج إلى سنوات طويلة، مع ضرورة البدء فى الإصلاح. كان عبدالناصر من أطهر الإخوان المسلمين وأقربهم إلى عقل وقلب الأستاذ البنا، ولكن أخطاء النظام كثرت وزادت التحديات على الرئيس عبدالناصر ومصر. وكانت أخطر التحديات الداخلية فى مصر آنذاك، الصراع بين الإخوان ونظام عبدالناصر رغم أنه كان واحدًا منهم. امتد الصراع منذ ١٩٥٣ إلى اليوم للأسف الشديد.
المشكلة فى مصر بل ومجتمعاتنا كلها ليست فى الحاكم وحده، كما يتصور البعض، ولا فى مؤسسة بعينها وحدها. لا بد من تقوية المجتمع حتى يسود العقل والحكمة والأمن والسلم.
ويحتاج الرئيس السيسى فى الحكم، إلى أصحاب الخبرة والحكمة والنزاهة خصوصًا فى الإعلام والثقافة والتعليم والقضاء، لأنها كلها مرتبطة بالتنشئة والتكوين والعدالة، لا يهم إن كان عسكريًا أم مدنيًا طالما كان وطنيًا شريفًا، فعبدالناصر كان عسكريًا، وكان أكثر أهل الإقطاع والفساد أيام الملكية من المدنيين.
وهنا يسرنى أن أُعدد بعض أهم الفوائد المتوقعة من المبادرة:
أولًا: الابتعاد عن التخوين وسوء الظن والشك والتأويل الخاطئ والوهم، فضلًا عن التكفير والتشدد والتطرف.
ثانيًا: عودة الثقة كاملة فى المجتمع المصرى ثم الأمة كلها، والوضوح والشفافية وهى مفقودة فى الأمة منذ أمد.
ثالثًا: زيادة الشعور بالأمان والاطمئنان والثقة عند نجاح الحوار بدلًا من الصراع.
رابعًا: الحد من إهدار الطاقات البشرية والمادية.
خامسًا: التوجه بجميع الطاقات والإمكانيات فى المجتمع إلى البناء.
سادسًا: تحديد العدو الحقيقى، لا المتوهم.
سابعًا: توجيه الصراع والطاقات كلها نحو العدو الحقيقى.
تاسعًا: بدء التلاحم الإيجابى فى الأمة، باعتبار موقع مصر وإمكانياتها ومؤهلاتها.
عاشرًا: اكتشاف الطاقات الكبيرة وحسن الاستفادة منها وعدم إهدارها، كما حدث ويحدث حتى الآن.
وهذا كله يتطلب تجهيز المناخ المناسب، وتهيئة الأجواء والأرضية التى تعين فى نجاح الحوار. حتى يمكن إنقاذ الوطن من الصراع الداخلى، والقضاء على الحقد فى النفوس وخطاب الكراهية، وهى أمراض لا تقضى عليها القوة وحدها. وحتى يمكن إشاعة المحبة واحترام الرأى الآخر واعتماد الحوار بدلًا من الصراع وقبول التعددية والتنوع. فالله تعالى خلق الناس على غير مثال سابق، وقد تعلمت أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، كما تقول القواعد الكلية، وأهم ما نحتاج إليه الآن فى مصر خصوصًا هو الخروج من المأزق أو الأزمة أو الصراع، ثم النظر بكل الطاقة والعقل والحكمة إلى المستقبل. إن هذا الصراع الذى دار بين الإخوان وثورة يوليو منذ ١٩٥٣ بعد سنة من الوفاق والتجهيز للثورة معًا هو الصراع بعد سنتين من الوفاق مع المجلس العسكرى فى مصر بعد ثورة يناير.
وإن شاء الله تعالى لنا عودة إلى شرح وتفصيل هذه الفوائد المتوقعة، لعل الأوضاع تتضح لكل ذى عقل أو عينين.. وبالله التوفيق.