رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من الحرب العالمية الأولى إلى الحرب العالمية الثالثة




تهلّ علينا هذا العام ذكرى مرور مائة عام على نهاية الحرب العالمية الأولى. وهى الحرب التى تركت آثارها على تاريخ العالم بأكمله، كما لعبت دورًا مهمًا فى مجريات التاريخ المصرى. اندلعت ‏الحرب فى عام ١٩١٤ على إثر اغتيال ولى عهد النمسا على يد طالب صربى انتقامًا من سياسة النمسا تجاه الصرب، والحيلولة دون قيام حلم صربيا الكبرى. لكن الحقيقة أن أسباب اندلاع الحرب ‏كانت أعمق من ذلك بكثير.‏
كان سباق التسلح الذى بلغ أشده بين الدول الأوروبية قبيل الحرب، من أهم أسباب اندلاعها، إذ تطورت أنواع الأسلحة البحرية بشكل كبير، كما ظهر على الساحة سلاح الطيران، وبالتالى تنامى ‏القوة التدميرية لهذه الأسلحة فى حالة وقوع حرب. وكانت الفكرة الأساسية وراء سباق التسلح أنه سياسة ردع، وأن الدول ستخشى بعضها البعض وبالتالى لا تحدث حرب، ويتم حل الأزمات بالطرق ‏الدبلوماسية. لكن الحرب أثبتت أن سباق التسلح، وسياسة تكديس الأسلحة، بمثابة دق لطبول الحرب، وأن السلاح لا يستطيع أن يبقى صامتًا طويلًا.‏
وكانت السياسة الاستعمارية أيضًا من أهم الأسباب وراء اندلاع الحرب؛ إذ تم تقسيم جنوب العالم إلى مناطق نفوذ لدول الشمال، وتضاربت المصالح كما يحدث الآن، وبالتالى لم تقتصر ميادين ‏الحرب على دول الشمال، وإنما انتقلت بالضرورة إلى دول الجنوب التى تحول معظمها إلى مستعمرات.‏
ولأول مرة يجد العالم نفسه فى حرب عالمية، تستعر نارها فى كل الأرجاء، وذلك نتيجة القوة التدميرية للأسلحة الجديدة، والسياسة الاستعمارية، فضلًا عن تطور وسائل المواصلات. ولأول مرة ‏يتم استخدام مصطلح «عالمية» بجانب الحرب، هذه الحرب التى ظن العالم أنها الحرب العالمية الأولى والأخيرة، ولكنه وبعد اندلاع الحرب العالمية من جديد فى عام ١٩٣٩، اضطر أن يُميِّز بينهما: ‏الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية!.‏
سقط فى هذه الحرب العالمية الأولى ملايين الضحايا بين قتيل وجريح، وتغيرت خريطة العالم بحق، واختفت إمبراطوريات عظمى. إذ ترتب على الحرب سقوط الدولة العثمانية، هذه الدولة التى ‏استمرت لمئات السنين، وامتدت أملاكها فى ثلاث قارات، ولم يتبق منها إلا تركيا الحالية.‏
كما انهارت مملكة النمسا والمجر، أقوى دولة فى وسط أوروبا، وهى الدولة التى كانت تنشر نفوذها أيضًا فى منطقة البلقان. لتخرج لنا دولة النمسا الهادئة الوديعة، ودولة المجر التى سرعان ما ‏تسقط فى أيدى الشيوعية بعد ذلك. كما تنهار الإمبراطورية الروسية، ولم يعد للقيصر الروسى وجود، لا سيما مع اندلاع الثورة البلشفية فى عام ١٩١٧، مستفيدة من حالة الاضطراب مع الهزائم ‏الروسية فى الحرب العالمية، ويخرج لنا الاتحاد السوفيتى زعيمًا للشيوعية.‏
وتعانى مصر من ويلات الحرب العالمية الأولى، إذ تُعلن بريطانيا الحماية على مصر فى عام ١٩١٤، وتُنصِّب حسين كامل سلطانًا على مصر. وتصبح مصر بما لها من موقع استراتيجى مهم ‏وإمكانيات اقتصادية هائلة، طرفًا فى الحرب من حيث لا تدرى، ويموت آلاف المصريين الذين يضطرون للعمل فى خدمة الجيوش البريطانية خارج مصر فى ساحات الحرب. وتندلع ثورة ١٩ ‏كنتيجة مباشرة لنهاية الحرب العالمية الأولى، إذ رأى المصريون ضرورة رفع الحماية البريطانية عن مصر واستقلالها، لا سيما بعد ما قدمت من تضحيات لبريطانيا طيلة الحرب. وترفض بريطانيا ‏ذلك، وتندلع الثورة الشعبية الكبرى فى مصر.‏
حاول العالم بعد مأساة الحرب العالمية، تجنُب الوقوع من جديد فى حرب مثلها، من هنا كان مؤتمر الصلح فى باريس، وإنشاء عصبة الأمم (قبل الأمم المتحدة الحالية)، لكن استمرار سباق التسلح، ‏وتصاعد النزعة الاستعمارية، وتضارب المصالح أدى لوقوع الحرب العالمية الثانية التى استمرت من عام ١٩٣٩ إلى عام ١٩٤٥. ومن بعدها أدرك العالم خطورة حدوث حرب عالمية ثالثة، لأنها ‏ستصبح، مع تطور التسلح، نهاية العالم. لذلك رسمت السياسات بالاكتفاء بحروب إقليمية محدودة خارج دول الشمال، فى محاولة لتجنُب الكارثة. ولكن الآن هل سينجح العالم فى تجنُب السقوط فى ‏الهاوية، وعدم تطور الأمور إلى حرب عالمية ثالثة؟!.‏