رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإعلامى صلاح زكى.. الصوت المتمتع بالبشاشة والوضوح


صلاح زكى شخصية إعلامية جديرة بأن نقف أمام ذكرياتها.. وُلد بالقاهرة عام ١٩٢٨ ينتمى إلى أصول من صعيد مصر.. التحق بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول «القاهرة حاليًا»، وتخرج فيها عام ١٩٤٩.
كان الأستاذ لطفى الخولى زميله فى الدراسة بكلية الحقوق، وحاولا العمل فى مجلة تحمل اسم «بنت النيل» لصاحبتها سيدة المجتمع المعروفة فى ذلك الوقت «درية شفيق»، وعندما ذهبا للمقابلة كان لقاء صلاح زكى مع الآنسة «علية حسان» ابنة الشاعر والمستشار «محمد حسان» والتى صارت فيما بعد شريكة حياته المخلصة على الدوام. ومن ذكريات الأستاذ صلاح عن المستشار «محمد حسان» أنه كان يحكم فى النهار بالإعدام على المتهمين ثم يبكى طوال الليل ويرثيهم فى أشعاره! وفى أثناء دراسته عمل فى مؤسسة «أخبار اليوم» عام ١٩٤٧. وقد أهلته دراسته القانونية وثقافته العامة وإيمانه بمفاهيم العدالة الاجتماعية والوعى بمشكلات المجتمع فى حقيقته الإقطاعية والطبقية – قبل يوليو ١٩٥٢ – إلى تبنى الفكر اليسارى واحتضان المفاهيم التقدمية.
فى عام ١٩٥٠ التحق بالإذاعة مُذيعًا ومُقدمًا للبرامج، وكانت من زملائه فى الإذاعة آمال فهمى وثريا حمدان ود. على الراعى وحسنى الحديدى وعواطف البدرى وعباس أحمد وعلى فائق زغلول وفهمى عمر والإعلامى طاهر أبوزيد. فى أواخر الخمسينيات سافر مع أميمة عبدالعزيز للعمل فى إذاعة موسكو العربية، فى أول بادرة للتعامل مع إذاعتى موسكو والقاهرة، وفى يوليو ١٩٦٠ تم نقله للعمل فى التليفزيون مع عبدالحميد يونس ومحمد محمود شعبان «بابا شارو» وسعد لبيب وعباس أحمد وسميرة الكيلانى وهمت مصطفى.. وفى عام ١٩٦٣ أصبح رئيسًا للقناة الأولى، ثم مديرًا للأخبار والبرامج الإخبارية عام ١٩٦٦. كان انتماؤه اليسارى المبكر وراء حماسه الشديد لثورة يوليو وإيمانه بقيادتها التاريخية المتمثلة فى الزعيم جمال عبدالناصر، فصار عضوًا فى المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية عام ١٩٦١، وفى أمانة الاتحاد الاشتراكى بالإذاعة والتليفزيون، وعضوية مجلس محافظة القاهرة، وعضوية اتحاد الصحفيين. هذا العمل السياسى والاجتماعى أطاح به – كما أطاح بالعديد من زملائه ورفاقه – فى الأحداث التى سُميت معركة «مراكز القوى» فى عهد الرئيس أنور السادات. لكنه واصل نضاله وتحديه كل الظروف السلبية، فقد ظهرت مواهبه الأكاديمية ليصبح محاضرًا غير متفرغ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وأستاذًا للإعلام فى جامعة اليرموك بالأردن، ومديرًا للجريدة العربية السينمائية بالانتداب، ورئيسًا للقسم الخارجى بجريدة الثورة العراقية عام ١٩٧٣، وخبيرًا إعلاميًا بارزًا فى معاهد التدريب الإذاعى والتليفزيونى بمصر والدول العربية، وعضوًا فى المنظمة المصرية للتضامن الآسيوى الإفريقى عام ١٩٨٥، وعضوًا فى المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عام ١٩٨٨، كما عمل مستشارًا إعلاميًا للمجلس القومى للطفولة والأمومة منذ عام ١٩٨٩. وفى عام ١٩٨٠ – أنصفه القضاء المصرى بعد إقصائه من عمله – وأصبح رئيسًا للإدارة المركزية للبحوث والإحصاء باتحاد الإذاعة والتليفزيون. وقد عبر لى شخصيًا – فى رسالة لى – عن الآلام التى عاشها.
حدث فى ٢٤ ديسمبر ١٩٩٣ أن سجلت مقالًا فى باب «أسبوعيات» بملحق أهرام الجمعة تحت عنوان «فى الضمير الإنسانى». وفوجئت بعد نشر المقال ببضعة أيام برسالة تصلنى بالبريد العادى ومؤرخة بنفس تاريخ المقال من الإعلامى الأستاذ صلاح زكى، قال فيها ما يلى: دكتور مينا.. لم أكد أفرغ من قراءة سطورك فى أسبوعيات ملحق أهرام الجمعة حتى وجدتنى أبحث عن أقرب ورقة وأقرب قلم وأقرب مظروف، ولعلى لم أفعل ذلك من قبل طوال حياتى التى وصلت إلى الخامسة والستين. لقد لمست الجوهر بتواضع المخلصين الواعين، الآملين – رغم الظلمة – فى إمكانيات بلدهم العريق، وأزلت الشك الذى ساور الكثيرين فى أن الضمير الوطنى والأخلاقى الكامن تحت الركام لم يعد له وجود. والأهم أنك وضعت يدك على جذور الداء الذى أصاب مجتمعنا فى مرحلته الراهنة، ماذا أقول؟ إننى واحد من الذين يحاولون السير على نفس الدرب – فى عملى الحالى – وفى رحاب كلية الإعلام بجامعة القاهرة مع جيل مظلوم، ولقد أسعدنى أن يرتفع صوت يحفزنى على التمسك بالمزيد: «كن صادقًا مع نفسك، ومع مجتمعك، ولا تبخل عليه بما يعن لك طالما كان الإخلاص العام رائدك». فمجتمعنا وأجيالنا الحاضرة تحتاج إلى الإلحاح والتأكيد على كشف الجذور الحقيقية لما نعانيه.. إننى لن أطيل عليك.. ومع ذلك فهناك إلحاح – على النطاق الشخصى البحت هذه المرة – لألتقى بك، ولأعبر وأؤكد على نفس المعانى التى عبّرت عن موضوعيتك وعلمك الذى يغوص فى الأعماق بعيدًا عن الأبراج العالية الهشة، وسأحاول – بعد إذنك – الحضور إليك فى أول فرصة تُتاح لى بمدينة الإسكندرية، ولن أعدم الوسيلة، ولا أتصور أن فى هذا ما يثقل عليك، مجرد إحساس بالامتنان والفخر من زميل مواطن يريد أن يصافحك ويشد بحرارة ليس على يدك التى خطت السطور، ولكن على إخلاصك الشديد وانتمائك الواعى.. صلاح زكى: إعلامى قديم – مستشار المجلس القومى للطفولة (المعادى) – ٥ شارع قصر النيل.
تلقيت الرسالة وأنا فى غاية الدهشة من إحساسى الشديد بالظلم الذى يحيا فيه إنسان على وجه الأرض. انتظرت الزيارة واللقاء والحديث مع تلك الشخصية الإعلامية الموهوبة، لكن فى نوفمبر ١٩٩٩ فارقنا صلاح زكى فى حادث مأساوى بالقاهرة أمام نادى القاهرة الرياضى، عن ٧١ عامًا، قضاها فى شرف وجدية واستقامة، ومحبة للناس ومن الناس وتقدير من كل الذين عرفوه واقتربوا منه وسعدوا بالعمل إلى جواره. إنه صورة صادقة للإنسان العصامى صاحب رسالة ومبادئ.