رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف طوّر آرثر كوستلر أفكار جمال حمدان في كتابه عن اليهود؟

جمال حمدان
جمال حمدان

في العام 1976 ظهر إلى الوجود الكتاب الأشهر الذي فضح مزاعم الصهاينة بأنهم النسل المباشر لنبي إسرائيل أو يعقوب وهو أبو الأسباط الاثنا عشر الذين انحدرت منهم بطون الشعب العبراني الذي اندثر في غالبيته ولم يعد له وجود إلا في النادر فيما بقيت اليهودية ديانة يعتنقها أناسٌ ينتمون إلى أجناس مختلفة شأنها شأن المسيحية والإسلام.

وحسب ادّعاءات الصهاينة، فإنهم أبناء يعقوب وهو حفيد إبراهيم الذي أعطى الله لنسله الأرض ملكًا أبديًا بحسب نص توراتي وارد في سفر التكوين والملاحظ أن النصوص التوراتية نفسها لم تستقر على الأرض التي وهبها الله لإبراهيم وذريته ففي بعض الإصحاحات نرى الوعد الإلهي لإبراهيم قاصرًا على فلسطين وفي إصحاحات أخرى يشمل الوعد كل الأراضي الواقعة من غرب نهر الفرات حتى شرق نهر النيل بما في ذلك أراضي تقع الآن ضمن دائرة المملكة العربية السعودية!

وأثار كتاب السبط الثالث عشر جدلًا كبيرًا عند نشره، إذ قدم فيه آرثر كوستلر دراسة موثقة ودقيقة عن أصل اليهود المهاجرين إلى فلسطين والذي يرجع -كما رأى- إلى مملكة الخزر التركية التي ازدهرت بين القرنين السابع والحادي عشر الميلادي في المنطقة الواقعة بين جنوب بحر قزوين في إيران وحتى البحر الأسود غربًا وكان شعبها يعبد صنمًا على هيئة العضو الذكري يسمى الفالوس، معنى ذلك باختصار أن اليهود في معظمهم لا ينتمون إلى أصول سامية ويصبح مفهوم معاداة السامية مجرد فزاعة يلوح بها الصهاينة لإخافة غيرهم وهم لايمتون بصلة إلى سام والساميين ومنطقة الشرق الأوسط برمتها.

ويرى كوستلر أن أسباب اعتناق الخزر الديانة اليهودية تعود لأغراض سياسية تبدأ مع رغبة ملكهم أو الخاقان -كما كانوا يسمونه- في الاستقلال عن الإسلام في دولته العباسية من جهة والمسيحية في الإمبراطورية البيزنطية من جهة أخرى ليصبحوا قوةً ثالثةً مستقلة ورغم دعوة الخاقان لم يتحول كل الشعب الخزري إلى اليهودية فبقي بعضهم على وثنيته وتحول البعض الآخر إلى الإسلام.

واختفى الكتاب من مكتبات الولايات المتحدة والسبب واضح ومعروف بطبيعة الحال وفي مكتبة الكونجرس لا توجد سوى نسخة واحدة اختفت هي الأخرى كما ورد في صحيفة واشنطن ريبورت لشؤون الشرق الأوسط في عددها الصادر يونيو 1991.

والمثير أن كوستلر في الأساس من يهود المجر، وقد بدأ حياته يهوديًا ينتمي إلى الشيوعية ويؤمن كذلك بالفكر الصهيوني، ما دفعه إلى الهجرة لفلسطين، لكنه انقلب رأسًا على عقب فأصدر في البداية روايته ظلام في الظهيرة عام 1940 وفيها تناول تحوله عن الماركسية وازدراءه الحكم الشمولي الواقع في روسيا ودول التوجه الاشتراكي.

وفي 1948 حصل على الجنسية البريطانية فغادر فلسطين معلنًا تخليه عن الصهيونية ثم سافر إلى الولايات المتحدة وفيها أعلن تخلية عن اليهودية نفسها سنة 1949.

وفي 1983 مات كوستلر بعد صراعه مع سرطان الدم وأشاع البعض أنه انتحر لإيمانه بمبدأ القتل الرحيم فقد كان رافضًا للألم وقيل أيضًا أن زوجته انتحرت معه، وجاءت وفاته في خضم الجدل المثار حول كتابه عن اليهود وبقي موته حتى الآن محل غموض وتساؤلات.

على أن المفكر وعالم الجغرافيا الراحل جمال حمدان كان قد سبق آرثر كوستلر بتفنيد مزاعم الصهيونية حول الانتماء لبني اسرائيل الوارد ذكرهم في الكتب المقدسة فقد أصدر عام 1967 كتابه الشهير "اليهود أنثروبولوجيًا" وفيه تكلم عن الأصل الخزري لمعظم يهود اسرائيل والثابت تاريخيًا أن يهود الخزر تشتتوا وهاجر الكثير منهم إلى دول شرق أوروبا -وبالأخص بولندا- وهي الدول التي ينحدر منها في الأغلب كثير من يهودي الكيان الصهيوني بل وكثير من يهود العالم لذلك سميت بالخزان اليهودي.

وفي 1993 توفي العالم جمال حمدان مقتولًا كما أكد ذلك الروائي يوسف القعيد، إثر اغتياله من قبل عميلة بالموساد زعمت أنها صحفية وتريد أن تحصل منه على حوار خاص وكان سبب اغتياله أنه ألف كتابًا حافلًا يقع في ألف صفحة وعنوانه اليهود والصهيونية وبنو اسرائيل وفيه أراد أن يؤكد بوثائق جديدة حقيقة الأصول العرقية ليهود الكيان الصهيوني التي كشف عنها من قبل في كتابه "اليهود أنثروبولوجيًا" وبذلك فقدت مصر واحدًا من أنبه علمائها وأخلصهم والسبب أنه أكد بما لا يدع مجالًا للشك أن اليهود الحاليين ليست لهم علاقة بفلسطين لا من حيث التاريخ أو من حيث الجغرافيا أو من حيث النصوص المقدسة.