رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«صرخة فى الظلام».. قصة يوسف إدريس مع صاحبة الرواية المزيفة

الكاتب يوسف إدريس
الكاتب يوسف إدريس

"فصل لتدريس القصة ".. هكذا حول الكاتب الكبير يوسف إدريس مكتبه بجريدة الأهرام، إلى فصل لتوجيه الشباب من هواة الكتابة الأدبية، بالرغم من كونه لم يكن يرحب بذلك كثيرا، إذ كان يمتنع عن الرد على الأشخاص، الذين يرى أنهم لا يملكون موهبة الكتابة الأدبية، ولكنه يوجه من يجد لديه الموهبة، ويعاونه على تنميتها، فقد كان مكتبه بين فصل هواة الكتابة الأدبية ومزار للكُتاب العالميين، الذين يأتون للقائه، ومكتب لكتابة مقالاته، التي تنشر في الأهرام كل يوم، حسبما قال الصحفي أحمد إبراهيم الفقيه بجريدة الأهرام، الذي روى قصة عاشها إدريس.

حوار صحفي يأتي به إلى قصة قصيرة، حين أجرت إحدى الصحف المصرية حوارا معه، وأجاب خلال الحوار عن سؤال دعمه لهواة الكتابة الأدبية، وقال إنه يساعد ويوجه من يستشعر فيه الموهبة، ولكنه يصد المتطفلين الذي لا يملكون موهبة، وما إن يأتي اليوم التالي، حتى يجد ديسك الاستقبال في جريدة الأهرام، يخبره أن هناك امرأة تريد مقابلته، وبالرغم من كونه يقدس الالتزام بالمواعيد، وأنه فكر في أن يمتنع عن مقابلتها، كونها لم تأخذ ميعادا مسبقا، إلا أنه وجد أنه أول من رد على دعوته حين قال في حواره إن مكتبه متاح لمن لديه الموهبة في الكتابة، فقرر أن يقابلها.

"صفاء عبدالبديع"، هو اسم السيدة التي حضرت إلى مكتب الأديب يوسف إدريس، والتي اعتقد أنها فتاة جامعية، تبحث عن الموهبة بداخلها، كون أن هذه السن هي التي تسعى لاكتشاف مواهبها، إلا أن المفاجأة كانت حين رأى السيدة، التي كانت في الخمسينيات من عمرها، الأمر الذي أذهل إدريس، ودفعه لسؤالها كيف لم تكتشف موهبتها في الكتابية الأدبية، في فترة مبكرة من ذلك، خصوصًا أن تلك الموهبة تظهر عند الفرد منذ الصغر، ولكنها أخبرته أن الموهبة لديها منذ الصغر ولكن نشأتها في حياة ريفية، وزواجها في الصغر حرمها من الاهتمام بتلك الموهبة، حتى جاءت إلى القاهرة بعد أن انفصلت عن زوجها، وزوّجت ابنتها الوحيدة، وما إن وجدت نفسها بمفردها فكرت في العودة إلى الكتابة مرة، لذلك جاءت إلى إدريس ليوضح لها كونها ما زالت تمتلك الموهبة أم لا، ثم قدمت له قصة زعمت أنها لها.

"صرخة في الظلام".. عنوان قوى وأسلوب وتقنية وبراعة في الكتابة، الأمر الذي دعا إدريس إلى الاندهاش أكثر، ففي خلال حديثه إلى السيدة "صفاء" أخبرته أنها لم تكتب منذ ما يقرب من 25 عاما، ولم تتذكر كتابا من الكتب التي ادعت قراءتها، فكيف لها أن تكتب بتلك الحرفية التي تدل على أن الكاتب لديه خبرة واسعة بكتابة القصة ويعلم قواعدها جيدا، بالإضافة إلى أن السيدة كانت قد كتبت اسمها على غلاف القصة، وهو ما ينافي الطابع الريفي حينها، والذي كان يمنع السيدات من الحديث. فكيف يسمح لها بأن تكتب اسمها على الغلاف، حتى تشكك في الأمر؟.

"اجتماع في المجلس الأعلى للثقافة يكشف حقيقة السيدة"، هكذا عمد الأديب يوسف إدريس لكشف حقيقة قصة السيدة "صفاء"، حين طبع منها عددا من النسخ، واستغل حضوره اجتماعا بالمجلس الأعلى للثقافة، حيث إن هناك عددا كبيرا من الكتاب والأدباء الذين يمكن أن يعاونوه في معرفة الحقيقة، فطلب منهم قراءة القصة وإخباره ما إذا كانوا قرأوا ذلك من قبل، حتى تحققت شكوك إدريس، حين أخبره أحدهم أن هذه ليست قصة وإنما مقتطفات من رواية لكتابة فرنسية تدعى "مارجريت دوراس"، وأن هذه الرواية لم تترجم في مصر وإنما العراق، ولكن يمكن الحصول عليها من القنصلية في مصر.

يكتشف إدريس حقيقة المرأة ويغضب، ولكنه لم ينس كونه طبيبا، وقد درس الكثير في الطب النفسي، إذ علم أن تلك السيدة تعاني من مشاكل نفسية دفعتها لفعل ذلك، وأنها لم يكن هدفها السرقة، ففكر في إخبارها ولكن بأسلوب بسيط دون أن يجرحها، وما إن يخبرها بذلك حتى تصدم ولا تتحدث كونها عانت كما كانت الشخصية في القصة، ويؤكد لها إدريس أنها في حالة كتابتها هى سيساعدها ويعاونها على الكتابة والتعبير عما بداخلها.