رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» داخل أول مدرسة لتعليم الشباب الرقص

فادى جورج
فادى جورج

 3 سنوات مدة الدراسة بمدرسة الرقص المعاصر طوال قرون ظل الرقص حكرًا على النساء، ولم يتخط دور الرجال فيه سوى المشاهدة فى الأغلب، أو المشاركات الكوميدية الخجولة، لكن «فادى» و«أحمد» و«إسلام» و«على» حملوا على عاتقهم مهمة تحدى المجتمع وتغيير تلك النظرة.

 

آمن الشباب الأربعة أنه ليس كل «رقص» يعنى «هز وسط»، وإنما هو تعبير عن مكنون داخلى، ولغة يمكن بها الحديث فى أى مجتمع دون قيود أو حدود، وما إن يستمعوا للموسيقى وألحانها حتى تنطلق أجسادهم متحررة من كل الأعباء.

«الدستور» فى رحلة خاصة داخل عالم الرقص الخاص بالشباب، فى «مدرسة الرقص المعاصر» بمنطقة المهندسين، حيث يتدرب الشباب على الرقص بطرق حديثة، تتطلب ليونة فى الجسد وخفة فى الأداء، وتماشى الحركات مع الموسيقى، حتى تخرج الرقصات فى أفضل شكل.

فادى: واجهت السخرية بـ«سيشن» فى وسط البلد.. وأحمد: حلمى أبقانى 11 سنة فى الكلية

عمل فادى جورج فى ألعاب السيرك، هو ما حفّزه على أن يحترف الرقص على نطاق أوسع، خاصة أن عمله يتطلب منه حركات الرقص الحر المختلفة، ومن هنا كانت البداية مع «مدرسة الرقص المعاصر».

 رغم احتراف خريج كلية الهندسة، قسم العمارة، الرقص منذ سنوات قليلة، إلا أن شغفه به بدأ منذ الصغر، فعندما كان فى الصف الرابع الابتدائى طلب من والديه أن يلتحق بإحدى مدارس تعلم الباليه، لكن التعليقات الساخرة التى سمعها من المقربين، أشعرته بالخجل، وعليه ترك الباليه والرقص بلا رجعة، حتى بلوغه العشرين.

يحكى «فادى»: «الرقص بالنسبة لى تعبير عن كل حاجة جوايا، أهم حاجة إنى أقدر أعبر عن نفسى من غير ما أذى حد، وأحسن طريقة الواحد يقدر يعبر عن الحاجات السلبية جواه إنه يطلعها فى الفن، وأنا اخترت الرقص، ودراستى للرقص إدتنى طرق كتير أوى عشان أعبر عن نفسى».

تأكيدًا لحلمه ودعمًا للثقة التى زرعها فى نفسه، بعد أن تعرض للتهكم، أخذ «فادى» من منطقة وسط البلد لوحة فنية لعرض موهبته القوية، من خلال تصوير «سيشن» للرقص المعاصر.

 يقول «فادى»: «راجل كبير بص لى من فوق لتحت كده، وقال لى تعليق كان ممكن آخده سلبى بس مرضتش أحسبه كده».

 

«آدى الجيل الضايع!».. هكذا قال الرجل ناظرًا إلى «فادى»، رغم ذلك لم يتضايق الشاب العشرينى: «خدت الكلام بهزار». أما «أحمد مرعى»، فبدأ ولعه بالرقص فى التاسعة من عمره، مع سعيه الدائم للانطلاق بجسده فى أى «فرح» تلتقط أذناه موسيقاه، وهو ما جعل له متنفسًا وطموحًا أسر قلبه، وبدا أنه لا رغبة له من الفرار منه.

 بدأ صاحب الـ٢٨ سنة الرقص من صغره: «كنت بأرقص مع أصحابى فى الشارع وعملنا فرقة كده، كان أى حد ييجى يقول لنا عندنا فرح يلّا بينا، وساعات كنا نروح نرقص وإحنا مش عارفين ده فرح مين حتى».

شغب الصبا والمراهقة، لم يكن كافيًا بالنسبة لـ«أحمد»، الذى ما إن بدأت وسائل التواصل الاجتماعى فى الانتشار، خاصة «يوتيوب» و«فيسبوك»، حاملة معها مقاطع فيديوهات لكل ما هو جديد فى عالم الرقص، حتى أخذ يتعلم منها ويقلد حركاتها.

 بعد التحاقه بالجامعة، توجه «أحمد» للتمثيل فى المسرح، كان هذا بمثابة حلم جديد بالنسبة له، لكن لم ينس الرقص، خصوصًا أن العروض المسرحية التى كان يقدمها تطلبت منه أن يشارك فى ورش رقص لتساعده فى الأداء بالشكل الأفضل. بعد ذلك، اشترك فى عدد من ورش الرقص، إلى أن استقر فى «مدرسة الرقص المعاصر» التى يستغرق التعلم فيها ٣ سنوات، بحصص دائمة طوال أيام الأسبوع، فيما عدا يومى الجمعة والسبت، ولخمس ساعات يوميًا.

 لم يواجه «مرعى» صعوبات فى إقناع أهله بفكرة احتراف الرقص كحلم وهواية ومهنة مستقبلًا، يقول: «والدى متوفى، ووالدتى من وقت ما دخلت المجال قالت لى ربنا يوفقك يا حبيبى فمكنتش لاقى اعتراض أوى».

 ١١ عامًا بقسم الفلسفة كلية الآداب جامعة عين شمس، هو الثمن الذى دفعه «أحمد» لتحقيق هدفه، فمواعيد مدرسة الرقص وعمله بالمسرح القومى، لم يُتح له الوقت الكافى للانتهاء من شهادته الجامعية، حتى هذا الوقت، وهو ما لا يهتم به طالما هو قادر على التعبير عن ذاته من خلال الرقص، كما يقول.

الرقص يعنى الكثير بالنسبة لـ«أحمد»: «زى المزيكا اللى بتحركنى، زى الدوا مجرد ما بيخش جسمك بتحس بفرق، ترجمة المزيكا عندى فى الرقص، وأنا ماشى بحس إنى برقص، الرقص هو اللغة اللى ممكن أتكلم بيها فى العالم كله وتتفهم».

على: شغفى بدأ بمشاهدة «غرام فى الكرنك».. وإسلام: فن أخرج طاقاتنا المكبوتة «عيب لما الولد يرقص»

كانت هذه الكلمات هى الرد القاطع والنهائى من والد على عبدالفتاح على رغبة ابنه فى الرقص منذ أن كان فى التاسعة من عمره، لتتوقف معها أحلامه وطموحاته فى الفن، الذى عشقه بعد أن شاهد فيلم «غرام فى الكرنك» لأول مرة فى حياته، عندما تلألأت عيناه بلمعان تأثرًا بالحركات الاستعراضية لـ«فرقة رضا».

 

يقول «على»: «كنت بحب الحركة من صغرى، ولأنى لم أستطع توظيف حبى هذا فى الرقص، قررت أن أحترف رياضة التايكوندو لـ١٣ سنة، وحزت على بطولات عدة، فيما لم يكن التعليم هدفًا لى، لذا خرجت من كلية التجارة فى سنتها الأخيرة غير عابئ بالشهادة والنتيجة النهائية».

 

ورغم أنه ظل طوال ٢٨ سنة عازفًا عن استعادة حلمه القديم فى الرقص، واتجاهه للعمل فى المبيعات بدولة الإمارات، إلا أنه عندما عاد إلى محافظته الأم الإسكندرية، شعر أن هناك شيئًا ما ناقصًا فى حياته: «الحياة بدأت تاخدنى، ونسيت الرقص، ورجعت مصر تانى، حسيت إن فى حاجة مش صح، لاقيت إنى قربت على التلاتين ومعملتش اللى بحبه».

 

أصبحت أحلامه التى خطها على ورقة صغيرة هى بدايته للانطلاق إلى عالم الرقص الذى احترفه منذ سنتين، هو الآن فى الثلاثين، ويبدو نادمًا على ضياع كل هذه السنين دون تحقيق حلمه الوحيد فى الحياة.

 وضعت الحياة عقبات عديدة أمام «على» لتتأكد من صدق رغبته فى احتراف الرقص، من ذلك أن حياته وعمله فى الإسكندرية، فى حين أن المدرسة الخاصة بالرقص بعيدة فى القاهرة، بالإضافة إلى استمرار رفض والده، مع تشجيع والدته له.

قرر أن يترك مهنته، وأن يعمل «فرى لانسر» مبيعات، وأن يبحث عن منزل جديد فى العاصمة رفقة بعض الأصدقاء حتى لا يتكبد الكثير من المصاريف.

 من هذه النقطة بدأت حياته الجديدة فى مدرسة الرقص المعاصر، ويختم بسعادة: «الرقص لا محتاج سن ولا فلوس ولا جسم ولا نظام حياة معين عشان كده مكمل، ورغم أنى بدأت كبير وتقريبًا كنت أكبر واحد فى المدرسة، بس محستش ده عائق أبدًا بعد كده».

 أما «إسلام صالح»، طالب بكلية الهندسة قسم الميكانيكا، احترف الرقص منذ عامين فقط، وعندما التزم فى «مدرسة الرقص المعاصر»، توقف اهتمامه بكلية الهندسة وبالدراسة التى وضعها جانبًا. يقول: «اخترت أركز فى الرقص وأبعد عن الكلية، وباظبط وقتى عند الامتحانات، بس بالنسبة لى مدرسة الرقص هى الأولوية، أنا محدد أهدافى كويس».

لم يجد الفتى العشرينى صعوبة فى إقناع أسرته بشغفه بالرقص، على الرغم من النظرة المعتادة لأى أسرة يريد ابنها أن يتعلم مثل هذه الفنون، ورغم صعوبة تقبل الفكرة بالشكل الكامل، إلا أن مشاهدته فى أحد العروض جعلتهم يتقبلون الفكرة. وكانت الحركة شيئًا أساسيًا طوال حياة «إسلام» بداية من «التنطيط» منذ الصغر، واستخراج الطاقات المختلفة فى لعب الكرة مع الأصدقاء، لكن هذا انتهى تقريبًا مع دخول الجامعة، ومن هذا المنطلق ظل يبحث عن متنفس جديد لحركته التى سأم من كبتها. كان عليه أن يتحرك إذن، فتقدم لورشة رقص وقُبل بها: «لاقيت إن ده طريق كويس ليّا، إنى أستكشف مساحة جديدة من المجهود البدنى، أحرك فيها جسمى وأبذل مجهود».