رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا تدفنوا رءوسكم فى الرمال


عطفًا على مقال الأسبوع الماضى، حول فُجاءة النقمة على أصحاب المعاشات، والتناقص الحاد فى مستوى دخولهم، بعد إحالتهم إلى التقاعد، بالتزامن مع كبر سنهم، وضعف قدرتهم على مزاولة المزيد من الأعمال، لتعويض الفرق بين ما كانوا يتقاضونه وهم على رأس العمل، وبين ما أصبحوا عليه، من ضيق ذات اليد، وتكالب الأمراض على أبدانهم، وزيادة حاجتهم للدواء والعلاج، وغيرها من أمور حياتية لا تنتهى ولا تتناقص بخروج المواطن إلى المعاش.. فإن شريحة من المواطنين، تبدو أسوأ حالًا من غيرها من الفئات.. وأقصد بها «الصحفيين».
الحقيقة المؤلمة، التى لا بد من تداولها بشجاعة، وتناولها بشىء من الإنصاف، للفئة التى ظلمت نفسها، بظلم أهلها لها، فظلمها الناس وبعض المسئولين، وهى فئة «الصحفيين»، تعيش مفارقة غريبة، بين ما يظنه الناس فى أهلها، من رغد العيش وكفاية الحياة ورفاهيتها، وبين واقع تَعِس، تشهد تفاصيله أن الجزاء أحيانًا لا يكون عند البشر على قدر العمل.. وهذا الواقع هو الحقيقة المُرة التى تفرضها الظروف المالية المرتبكة للمؤسسات الصحفية، ولوائحها المالية المُنظمة للدخل والإيراد الشهرى للصحفى، أيًا كان موقعه فى المؤسسات القومية بالذات.. فإذا استثنينا بعض العاملين منهم بالصحف المستقلة، التى تحكم علاقات العمل فيها ومُدخلات العاملين بها معادلة العرض والطلب، واستثنينا كذلك بعض الذين «لعبت معهم البلية»، وانضموا لقافلة الفضائيات، طبقًا لحسابات خاصة بهم وأصحاب هذه الشبكات، لوجدنا الأغلبية الساحقة من هؤلاء، فئة مطحونة، تخضع لقواعد مالية، لا ينافسهم فيها، حتى موظفو الحكومة.. وإذا استثنينا من هؤلاء - أى الصحفيين - من كان رئيسًا للتحرير، أو رئيسًا لمجلس الإدارة فى مؤسسته القومية، التى ربما صبّت البدلات الشهرية لمناصبهم، والبدلات السنوية لسفرياتهم المتعددة خارج البلاد، فى كفّة دخلهم العام، فرجحت مستوى من العيش الكريم لهم، لجاءت الغالبية الغالبة من العاملين فى هذه المؤسسات القومية، فى مرتبة متقدمة، على مقياس الفقر، فى مصر، ناهيك عن غيرها، حتى من دول الجوار، بالرغم من أنهم يعملون فى مهنة، قالوا عنها منذ القدم مهنة البحث عن المتاعب، وما زالت حتى الآن.
هذه الغالبية الغالبة، تبقى بين أمرين، أحلاهما مرٌ.. الأول: محاولة سعى الصحفى للعمل فى واحدة من الصحف المستقلة، زيادة لدخل يحافظ على استمرار حياته وأهل بيته، وهنا، لا تسأل عن ولاء وانتماء الصحفى، ولا لأيهما يكون.. لمؤسسته الأم أم للجهة التى تعدل كفّة الميزان المائل فى حياته الاجتماعية؟.. وهنا لا تسأل أيضًا عن السر وراء تدهور أرقام توزيع صحف المؤسسات القومية، لأن إجابة الشق الأول من السؤال تحسم إجابة الشق الثانى منه، فالغلبة لمن يدفع ويريد السبق الصحفى والفوز بما وراء الخبر، وتقديم الجديد والمفيد للقارئ، لأنه كما قلت ذلك ميدان تحكمه معادلة العرض والطلب.. أما الأمر الثانى، فهو محاولة الصحفى القومى، التحايل على لقمة العيش، بتجاوز لائحة نقابة الصحفيين، وسعيه لجلب إعلانات لصحف مؤسسته ووكالتها الإعلانية، بالمخالفة لهذه اللائحة.. ومع أن هذا التصرف يسهم بشكل فعال وضخم فى زيادة حصيلة الدخل الإعلانى لمؤسسته، والتى لا تستقيم اقتصاديات أى مؤسسة إعلامية إلا بهذا الدخل، باعتبار الصحفى الأقدر من المندوب، على الجلب الإعلانى المتميز من مصادره الإخبارية، عامة أو خاصة، إلا أن ذلك يُدخلنا فى دائرة الشك فى مدى نزاهة الصحفى فى متابعاته الإخبارية التى تخص مصادره، وهل كانت موضوعية ومحايدة أم لا؟.. وهل تغافل الصحفى أو غضّ الطرف عن بعض أو كل ما كان يجب تسليط الضوء عليه من تصرفات مصدره، التى قد تضر بالأداء العام فى الدولة، وبما يكشف الحقائق أمام المواطن؟.
وللحق أقول.. إنه فى الوقت الذى تندفع فيه ثُلة من الصحفيين باتجاه الجلب الإعلانى، إلى ما فوق الكفاية، وحتى تحقيق الثراء، فإن كثيرًا منهم يُحجم عن ذلك، ويعتبر الجلب الإعلانى بعيدًا عن لائحة النقابة، انتقاصًا من حرية الصحفى فى القيام بدوره، وربما اعتبر البعض الآخر، ذلك الجلب، انتقاصًا من قدره أمام مصادره.. والمرجعية هنا، هما الحاجة وضمير المهنة.
والحال هكذا.. فإن أدوارًا غائبة للدولة، وللهيئة الوطنية للصحافة، ولنقابة الصحفيين، ولكل المسئولين أجمعين، يجب أن تبادر إلى التواجد فى حياة الصحفى، أثناء عمله، وعقب خروجه للمعاش.. لا تبحث فقط فيما يجب على الصحفى عمله، وسُبل محاسبته إذا ما حاد عن الطريق القويم، وهذا لازم وضرورى، بل تتجاوزه إلى ما يجب أن يُقدم إليه، فتبحث له عما يحفظ كرامته ويرد له اعتباره.
ويبقى السؤال: ما أدوات مواجهة المشكلة؟، وما أساليب العلاج؟.. إجابتى فى الأسبوع المقبل، إن كان فى العمر بقية.