رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أين معمر القذافى؟!


 

بـنـي الـعروبةِ إنَّ الـلّه يـجمعُنا..

فـلا يـفرِّقُنا فـي الأرضِ إنـسانُ

لـنـا بـهـا وطــنٌ حــرٌّ نـلـوذُ بــه..

إذا تـنـاءتْ مـسـافاتٌ وأوْطَــانُ

غـدا الـصليبُ هـلالاً في توحُّدِنا..

وجـمّـع الـقـومَ إنـجـيلٌ وقــرآنُ.

الأبيات من قصيدة كتبها الشاعر علي الجارم مساء يوم ٢٢ مارس ١٩٤٥، يوم إنشاء جامعة الدول العربية، وترددت في ختام القمة العربية الأولى التي انعقدت سنة ١٩٤٦ في قصر «زهراء أنشاص» العامر بمحافظة الشرقية، بدعوة من الملك فاروق، وشاركت فيها الدول السبع المؤسسة للجامعة: مصر، العراق، السعودية، شرق الأردن، اليمن، لبنان، وسوريا، التي كان لافتًا (أو مؤسفًا) أن يكون مقعدها فارغًا في القمة العربية التي انعقدت، الأحد، بعد ساعات من العدوان الأمريكي، البريطاني الفرنسي، الذي استهدف (أو استباح) الأراضي السورية، ووصفناه أمس بأنه كان صفعة ثلاثية لـ«الأمم المتحدة».

مقعد سوريا الفارغ، قد يجعلك تتذكر خطأ الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، في القمة الخامسة عشرة، التي انعقدت بشرم الشيخ حين قال «نشكر الرئيس بشار الأسد رئيس جمهورية السودان الشقيق على كلمته». وهي القمة التي انعقدت في أول مارس ٢٠٠٣ قبل ١٩ يومًا من بدء الغزو الأمريكي البريطاني للعراق. ومن محاسن الصدف أن يحدث خطأ شبيه، بعد عشر قمم، أي في القمة الخامسة والعشرين، التي استضافتها الكويت سنة ٢٠١٤، والتي قال فيها خالد سليمان الجارالله، نائب وزير الخارجية الكويتي: «نؤكد على دعمنا الثابت للائتلاف الوطني لقوى الثورة، والمعارضة السورية، بوصفه ممثلًا شرعيًا للشعب الفلسطيني»!.

هكذا، جعل الخطأ، غير المقصود، بشار الأسد رئيسًا للسودان، وجعل خطأ آخر البديل المطروح له ممثلًا شرعيًا للشعب الفلسطيني. وبين القمتين، الخامسة عشرة والخامسة والعشرين، وفي المنتصف بالضبط، كانت القمة العربية العشرون التي انعقدت في العاصمة السورية دمشق، سنة ٢٠٠٨، ولم تهتم الصحف الغربية والعربية إلا بحضور «جالينا كولوتنياستكا» داخل القاعة وجلوسها خلف القذافي مع الوفد الدبلوماسي الليبي. والمذكورة، ممرضة أوكرانية وصفتها إحدى وثائق «ويكيليكس» بـ«الفاتنة الشقراء، التي تهتم بصحة ومزاج الرئيس الليبي». ولم ينافس صورتها في تلك القمة إلا صورة «هوشيار زيباري»، وزير الخارجية العراقي، وهو يقرأ جدول الأعمال بالـ«مقلوب»، خلال الاجتماعات التحضيرية للقمة!.

ظهور «كولوتنياستكا» في تلك القمة أو غيرها، ليس هو سبب سؤالنا المطروح في العنوان، وليس سببه أيضًا أن «القذافي» كان نجم غالبية القمم العربية، منذ ظهوره الأول سنة ١٩٦٩ في القمة التي احتضنتها مدينة الرباط المغربية، والتي كاد يتسبب في إفسادها. وفي كتابه «ذاكرة ملك» ذكر العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني أن حضور القذافي جعل جلسات القمة مشحونة بالتوتر. وحكى الأستاذ محمد حسنين هيكل، في كتابه «كلام في السياسة»، أن «القذافي كان يخاطب الملك بعبارة «يا حسن»، ودخل في شجار مع الملك فيصل آل سعود، ووضع مسدسه على الطاولة، مما دفع الملك السعودي إلى أن يغادر محتجًا على لغة المسدسات، قبل أن يتدخل كل من الملك الراحل الحسن الثاني، رئيس المؤتمر، والرئيس جمال عبدالناصر لإثنائه عن المغادرة».

منذ القمة الأولى، وحتى آخر قمة حضرها القذافي، نجح في أن يكون مثار اهتمام وسائل الإعلام الأجنبية قبل العربية، سواء بتصرفاته العجيبة أو بملابسه الغريبة أو اقتراحاته الأعجب والأغرب. وتكفي الإشارة إلى أنه في القمة الثالثة والعشرين التي انعقدت سنة ٢٠٠١ في العاصمة الأردنية عمان، فاجأ العالم بطرح فكرة «إسراطين» لحل النزاع العربي الإسرائيلي، بإنشاء دولة ثنائية القومية للعرب واليهود معًا. وكان أبرز ما شهدته تلك القمة هو سخرية القذافي من الوزن الزائد لأمير قطر السابق، حمد بن خليفة آل ثاني!.

شواهد كثيرة تؤكد أن معمر القذافي كان خفيف الدم، لا «خفيف العقل» كما كان كثيرون يعتقدون، وبدت خفة دمه واضحة في تلك الصورة التاريخية التي تم التقاطها في قمة سرت ٢٠١٠، وفيها يقف القذافي «متكئًا» بذراعه اليسرى على كتف الرئيس الأسبق مبارك وواضعًا يده اليمنى على كتف الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، وفي اليسار وقف الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، تعلو وجهه ابتسامة علت وجوه كل من ظهروا في الكادر، باستثناء الأستاذ عمرو موسى، الذي كان يقف خلف مبارك والقذافي، وظهرت أسنانه (أنيابه) من شدة الضحك!.

أما زلت تنتظر سبب السؤال المطروح في العنوان؟!

السبب هو أن القذافي في قمة دمشق، ألقى خطابًا حماسيًا حذر فيه القادة العرب من تصفيتهم واحدًا تلو الآخر، كما تمت تصفية الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات (أبوعمار) أو إعدامهم كما أعدم الأمريكيون صدام حسين. في خطابه، سأل القذافي: أين أبو عمار؟ ومع دهشة الحضور من السؤال، كرره مرة أخرى، وقبل أن يفيق الحضور من دهشتهم التي رافقتها ابتسامات ساخرة، قال بصوت أعلى: أين صدام حسين؟ وكانت الإجابة بأن تحوّلت الابتسامات الساخرة إلى ضحكات بصوت مرتفع، أي قهقهات، رد عليها القذافي منفعلًا: لماذا تضحكون؟! أنتم ستموتون قريبًا مثل أبو عمار ومثل صدام حسين. الدور عليكم جميعًا. سيقتلون كل زعماء العرب.. كلنا سوف يموت. وهنا تعالت الضحكات والقهقهات أكثر وأكثر.

أعتقد أنك تضحك الآن ساخرًا ممّن ضحكوا، أو ممّن بقي منهم على قيد الحياة، وأنت تتابع فعاليات القمة العربية التاسعة والعشرين، التي ستكون ساذجًا زيادة عن اللازم، لو انتظرت منها موقفًا موحدًا، أو موقفًا في المطلق، تجاه التحديات التي تواجه المنطقة العربية.