رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جلال معوض.. عميد الإذاعيين المصريين والعرب


وُلد جلال محمود معوض - وشهرته «جلال معوض» - بمدينة أسيوط فى ٣١ ديسمبر ١٩٣٠ وبالتحديد الساعة ١٢ عند منتصف الليل، وكان يُفضل أن يحتفل بعيد ميلاده فى الأول من يناير من كل عام، باعتباره بداية عام جديد، وبالتالى يحتفل العالم أجمع معه بيوم ميلاده.
تخرج فى كلية الآداب جامعة فؤاد الأول (حاليًا جامعة القاهرة) قسم التاريخ عام ١٩٥٠، ورغم رسوبه ثلاث مرات فى امتحان المذيعين لأسباب لم يعلمها وقتها، رغم إشادة أعضاء لجنة الامتحان به، إلا أنه ازداد تمسكًا وإصرارًا ولم يفقد الأمل فى أن يكون مذيعًا - بل كبير المذيعين - وواحدًا من أشهرهم، كما يقول الكاتب «زياد فايد» بجريدة القاهرة - العدد ٥٠٥ فى ١٢ يناير ٢٠١٠.

كانت إجازته للميكروفون من خلال لجنة برئاسة الإذاعى القدير «عبدالوهاب يوسف» والدكتور «على الراعى» - كبير المذيعين فى ذاك الوقت - و«أنور المشرى»، واجتاز الاختبار وبعد فترة بسيطة، صدح بصوته على الهواء يوم ٣ يوليو ١٩٥١، وكان سبب تعيينه الوزير الوفدى «حامد زكى». وكان من زملائه صلاح زكى، طاهر أبوزيد، عواطف الكيلانى، همت مصطفى، سميرة الكيلانى، ولكنه امتاز بين زملائه المذيعين بحُسن الإلقاء وقوة نبرات صوته وتمكنه من اللغة العربية واختياره الألفاظ والمعانى التى تتفق مع أى مناسبة، سواء كانت وطنية أو اجتماعية أو قومية.

أول نشرة أخبار قدمها أمام الميكروفون كانت مع رفيقة مشواره الإذاعى والدراسى أيضًا «همت مصطفى»، وعقب حادث حريق القاهرة فى ٢٦ يناير ١٩٥٢، صدر قرار بإبعاده عن الإذاعة، إلا أنه عاد مرة أخرى فى مايو من نفس العام. على صفحات مجلة «الإذاعة والتليفزيون» فى عددها رقم ١٤٧٩، الصادر بتاريخ ٢٠ يوليو ١٩٦٣، سجل الإذاعى جلال معوض ذكرياته مع أول بيان إذاعى عن ثورة يوليو ١٩٥٢ فقال: (من الصعب على الإنسان أن يستعيد ذكريات مشحونة بانفعالات ثائرة، لكننى رغم ذلك أتذكر يوم أن تقدم منى ضابط شاب، وطلب منى إذاعة البيان الذى أعلنه على الشعب «أنور السادات». وكان ذلك فى صباح ٢٣ يوليو فى الساعة الثامنة والنصف.
فى مكتبى تقدم منى ضابط ليكلفنى بقراءة البيانات الثورية الثلاثة التى حددت فى هذه الساعة، ودون تردد قرأتها، وبين كل سطر منها قرأت نفسى الثائرة.. فكلماتها تجاوبت مع نفسى ونفس كل فرد فى هذا المجتمع.. وشعرت وقتها بأنها أمنية العمر، التى كنت أحلم بها. وفى الساعة التاسعة مساءً أذعت البيان الرابع.

وفى اليوم الثانى طلبنى أحد المسئولين فى مكتبه، وأخذ يؤنبنى بسبب قراءة البيانات، وقال لى بالحرف الواحد إن «كريم باشا ثابت» يسمع البيانات من الراديو، وأن «السرايا» تسجلها.. وتطور النقاش إلى قرار بإيقافى عن العمل.. لكن زاد إصرارى على العمل واستمررت فى قراءة البيانات، ويومها قلت لنفسى إما أن تعيش حياة كريمة، أو يكون الموت أكرم لى من حياة ليست بها كرامة، وبكيت يوم أن وصلتنى خطابات الجماهير متجاوبة مع الثورة، وأحسست يومها بمعدن هذا الشعب، واستمررت فى عملى حتى إذاعة البيان الخاص بطرد الملك فاروق). وعن شعوره أثناء قراءة البيانات، قال: (شعور كان كطالب ثائر، وجد الخلاص، وليلتها لم تغمض عيناى وأخذت تمر أمام عينى صور الجماهير الثائرة، فالشدائد هى التى تصهر الشعوب، وتصقل معدنها). وقد قدم العديد من البرامج الإذاعية منها: «شخصية الأسبوع» للتعريف بأعضاء مجلس قيادة الثورة، وبرنامج «من أسبوع لأسبوع» و«ركن القوات المسلحة»، وقرأ بصوته المميز أخبار قيام أهم الثورات والأحداث التى اجتاحت العالم العربى، لذا أطلق عليه لقب «مذيع الثورة».
اشتهر جلال معوض بعد ذلك بتقديم الحفلات الغنائية لكوكب الشرق السيدة «أم كلثوم»، وحفلات الربيع لـ«عبدالحليم حافظ» و«فريد الأطرش»، وكذلك الاحتفال بالعيد السنوى للثورة. كما أنه ارتبط بصداقات عديدة بالفنانين فى ذلك الوقت، مثل عبدالحليم حافظ والموسيقار محمد عبدالوهاب، وكذلك مع بعض فنانات الزمن الجميل، وأبرزهن على الإطلاق الفنانة «ليلى فوزى» التى لم تستمر صداقتهما طويلًا، حيث قررا الزواج، وتم هذا الزواج فى ٢٣ يناير ١٩٦٠، وهو ثالث أزواجها بعد «عزيز عثمان» و«أنور وجدى»، ورافقته طوال رحلة حياته فكانت بذلك هى سر كل نجاح حققه بعد الزواج، كما تحملت الكثير معه خاصة بعد أن ترك الإذاعة وسافر إلى ليبيا عام ١٩٧١، بعدما طلبه «مُعمر القذافى» للعمل مستشارًا للإذاعة الليبية بمرتب كبير.. ولكن جلال رفض، ولم يوافق إلاّ بعد أن اتصل به مكتب الرئيس السادات ينقل إليه موافقة الرئيس، بعد إلحاح القذافى.. وهكذا سافر.. ولما حدث الخلاف بين السادات والقذافى، رفض جلال أن يذيع أى أخبار أو تعليقات من راديو ليبيا بصوته، ولزم بيته فى طرابلس.. إلى أن قرر طواعية العودة إلى مصر. لم يكن أحد يتصور أن زوجته الفنانة تستطيع أن تعيش فى تلك الظروف، لكنها ظلت بجانبه حتى عادا إلى القاهرة، فلم تكن لها صلة بأحد فى ليبيا سوى مجتمع السفارة المصرية، وكانوا يقضون معًا كل يوم جمعة ولم يصبها الملل من تركها الشهرة والعمل أمام عدسات الكاميرات. حصل على وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام ١٩٥٦. وفى عام ١٩٦٠ عُين كبيرًا للمذيعين، ولكنه استقال بعدها بعدة أشهر، ثم عاد إلى المنصب نفسه فى ٢٦ يونيو ١٩٦١. فى سبتمبر ١٩٧١ - وهو يبلغ من العمر ٤١ عامًا - أحيل إلى المعاش لسبب لا يعلمه!! فقد حدث أنه تم استدعاؤه إلى مكتب المدعى العام الاشتراكى - قبل الإحالة بيوم واحد - ووجه له السيد المحقق «رفعت خفاجى» تهمتين: الأولى هى عضويته فى التنظيم الطليعى بالاتحاد الاشتراكى، والثانية - وهى الأهم - أنه لم يقدم لرئيس الجمهورية ولا مرة واحدة بحكم عمله ككبير المذيعين.