رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أرض الأقدار«2».. هنا المعهد الأزهري الأفغاني.. كيف تواجه مصر الإرهاب فى كابول؟

جريدة الدستور

رغم الظروف الصعبة، والوضع الأمنى الذى يتغير من وقت إلى آخر فى أفغانستان، فإن رجال مصر فى العاصمة «كابول» وغيرها من المدن الأفغانية يعملون بكل ما أوتوا من قوة.
وتقوم السفارة المصرية فى كابول، برئاسة السفير مهاب نصر، بمجهودات ضخمة لإبراز الدور المصرى هناك، الذى يتمثل فى العديد من الجهات والأنشطة، رغم وجود الحرب ومظاهر الإرهاب.
يزين تلك المجهودات، المعهد الأزهرى فى كابول، الواقع تحت إشراف السفارة، الذى زرته، وحاورت مديره، وتجولت داخل فصوله، واستمعت من الطلاب الأفغان والمدرسين المصريين، ولمست كيف يتراجع الإرهاب أمام عمامات شيوخ الأزهر القادمين من مصر.



830 طالبا فى 13 فصلًا من الابتدائى للثانوى والعربية والعلوم الشرعية أهم المواد
شرفت بزيارة المعهد الأزهرى فى العاصمة الأفغانية، وزاد فخرى عندما ذهبت إليه لأشاهد الأطفال الأفغان وهم يتحدثون اللغة العربية ويرتدون العمامة الأزهرية.
أدركت هناك كيف أن الأزهر يمثل مكانة كبيرة للغاية، لا تنافسه فيها أى مؤسسة أخرى، إذ يتضح تأثيره فى تحويل شخص ما من «قاتل» إلى «إنسان صالح»، ثم يمتد ذلك الصلاح إلى أن يدعو للإسلام، وينشر التعاليم الوسطية المعتدلة للمشيخة.
ويحرص كبار الساسة وعلماء الدين هناك على تعزيز دور الأزهر بينهم، ويمكن فهم هذا، لأن الكثير من المسئولين الأفغان تعلموا فى المشيخة بمصر.
وكأنها فى «مهمة وطنية»، تؤدى بعثة المشيخة هنا دورها على أكمل وجه، بما لا يقل عن الجنود الذين يحاربون الإرهاب فى سيناء، بل إن أصحاب العمامة الأزهرية عليهم مسئولية أكبر، بالنظر إلى وجود كثير ممن يسعون لإفساد دعوتهم ومشروعهم.
فى مهمة صعبة هم بالفعل، لذا يحتاج أعضاء البعثة إلى المزيد من الدعم، خاصة من جانب شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، بزيادة عدد المبعوثين لتدريس المنهج الوسطى للإسلام، ومواجهة دعاوى التطرف وتجنيد الانتحاريين الذين أرجعوا هذا البلد إلى الوراء، حتى إنها باتت معروفة بتصدير الإرهاب إلى الخارج.
يقع المعهد الأزهرى بمنطقة «بهارستان»، ولأن الدراسة فى أفغانستان تتوقف مع ديسمبر، وتستأنف فى ٢٣ مارس، بسبب الثلوج، إذ تهبط درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر، تعود البعثة المصرية إلى هنا قبل بدء الدراسة بأيام قليلة.
ويدق الأفغان الأجراس إيذانًا ببدء العام الدراسى الجديد، وبالنسبة لى، حالفنى الحظ فى أننى تواجدت فى أول يوم للمدارس، والذى يبدأ من الثامنة صباحًا إلى الثانية عشرة ظهرًا.
وفى هذا اليوم، ٢٣ مارس، يتجمع أغلب المسئولين وكبار الدولة ليشهدوا طقس «دق الجرس»، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية أشرف غنى أحمدرى، لذلك لم يتسن لى مقابلة رئيس البعثة الدكتور مصطفى المعاون فى الحال، لكنى التقيته فيما بعد. وتشمل الدراسة فى المعهد الأزهرى المرحلة الابتدائية حتى نهاية المرحلة الثانوية، وجميع الكتب التى يعتمد عليها الطلبة الأفغان تأتى من الأزهر بمصر وتوزع مجانًا، وتكون فى تخصصات تعلم العربية والعلوم الشرعية.
أما عن المعلمين، فبجانب رجال البعثة، يتولى مدرسون أفغان تعليم باقى المواد مثل الرياضيات واللغة الإنجليزية.
استقبلنى الشيخ الدكتور أحمد بدران، نائب رئيس البعثة، الذى رحب بنا كثيرًا، ثم أخذنى فى جولة داخل المعهد، الذى يتكون من ١٣ فصلًا دراسيًا لنحو 830 طالب.
دخلت أحد الفصول فى أثناء حصة للغة العربية، حيث كان أزهرى مصرى يشرح للطلاب الأفغان درسًا فى «لغة القرآن».
يقول «الشيخ أحمد» - الذى أخبرنى أنه من محافظة الشرقية: «المعهد يستقبل الطلاب منذ عام ٢٠٠٩، بعد أن أنشئ بموجب اتفاقية تفاهم بين شيخ الأزهر ووزارة المعارف (التعليم) الأفغانية».


تلاميذ يُلقون النشيد الوطنى: نتمنى زيارة «أم الدنيا».. ولولاها لأصبحنا إرهابيين
خلال جولتى بالمعهد، دخلت أحد فصول الصف الثانوى، حيث كان «الشيخ صلاح» مدرس اللغة العربية، يقف أمام طلابه، الذين تحدثت مع بعضهم، فأكدوا لى حبهم لمصر وللأزهر، وقالوا إنهم يتمنون زيارة «أم الدنيا».
أحد الطلبة، واسمه «ضياء الله»، قال عن مصر: «فيها مشيخة الأزهر الشريف، الذى نشكره بشدة لأنه أرسل لنا المشايخ لنتعلم منهم الدين الصحيح بدلًا من الإرهاب والتطرف»، ثم أكمل بامتنان: «نحمد الله على وجودهم هنا، ولولاهم لتأثرنا بالفكر الإرهابى وانضممنا لهذه الجماعات، لكننا الآن، ومن هنا، نحارب فكرهم المتطرف».
تحدثت أيضًا مع «صميم»، وهو طالب فى نفس الفصل، فأمّن على كلام زميله، وأضاف: «نتعلم هنا الفقه والتفسير، ونأخذ من شيوخنا الأزهريين الوسطية»، ثم دعا الله: «يا رب يحشرنا جميعًا مع سيدنا محمد». طالب ثالث- لم يتسن لى معرفة اسمه- قال: «نحب مصر ونعتبرها بلدنا ونتمنى أن نزورها، وشيوخها يعطوننا الكثير من أمور الدين، خاصة أننا عجم، لسنا على قدر معرفتهم»، مضيفًا: «الأزهر أثر فى كل بلاد العالم وليس أفغانستان فقط، والشعب هنا للأسف متأثر بالأخلاق السيئة، لكننا سنعمل على تصحيح ذلك بعد أن تلقينا علم الأزهر».
أما الطالب «نبى الله» فأوضح أنه تعلم على يد رجال البعثة أن «الإسلام ليس دين الإرهاب، لكنه يسعى لنشر الأمن فى ربوع الدنيا»، وأكمل بحماس: «نستطيع الآن أن نواجه الجماعات الإرهابية»، قبل أن يتمنى «معهدًا أزهريًا لتعليم أخواتنا الفتيات».
داخل فصل آخر، كان الشيخ حسين الشافعى، يدرس علوم الشريعة الإسلامية والفقه والتفسير، توقف وتحدث قائلًا: «بما نفعله هنا غرسنا فى قلوب الشعب الأفغانى حب مصر، والآن يعتبرونها وطنهم الثانى فعلًا، ومن جانبنا لدينا الاستعداد للبقاء لسنوات طويلة، لأن الناس هنا طيبون جدًا، وينظرون إلى العمامة التى فوق رءوسنا بكل احترام، ويوقرون الأزهر ومن يمثله ويدافعون عنه وعنا باستماتة».
وفى دلالة على ثقة الأفغان فى فتاوى الأزهر وأفكاره، يتحدث «الشيخ حسين» باعتزاز: «كل ما يقوله الأزهرى هنا كالسيف، لا كلام بعده»، لافتًا إلى أن خريجى الأزهر من الأفغان وصلوا لمراتب عالية فى مؤسسات الدولة.
اتجهت إلى فصل ثالث، حيث التقيت «الشيخ صبرى»، مدرس اللغة العربية، وتابعت جزءًا من طريقة شرحه للطلبة، كان يسألهم: «لماذا يجب أن نتعلم هذه اللغة؟»، وعندما طلب من أحدهم الإجابة رد: «لأنها لغة القرآن الكريم وكلام أهل الجنة، ومحبى المصطفى، صلى الله عليه وسلم»، ثم أضاف: «ونتعلمها لفهم دين الإسلام».
خرجت من حصة «الشيخ صبرى» وتجولت داخل المعهد، حتى وصلت إلى غرفة الترفيه، والتى يتفق على حبها جميع الطلبة، حسب كلام المسئول عنها «الشيخ محمد» الذى يقول: «لدينا هنا مكتبة أُنشئت منذ عامين بفضل مجهودات السفارة المصرية، وتضم مجموعة كبيرة من الكتب باللغة العربية، بجانب شاشة عرض وجهاز كمبيوتر»، لافتًا إلى أنه يوميًا يدخل طلاب فصلين الغرفة، يقرأون ويشاهدون أفلامًا عن دور مصر الدينى والثقافى، بالإضافة إلى أفلام كارتون باللغة العربية.
فى الختام، وقف أحد الطلاب الأفغان وألقى النشيد الوطنى لمصر فى الفترة من ١٩٢٣ إلى ١٩٣٦، وصدحت كلمات مصطفى صادق الرافعى فى هذه البقعة الأزهرية المضيئة فى أفغانستان: «اسْلَمِى يا مِصْرُ إنِّنَى الفدا.. ذِى يَدِى إنْ مَدَّتِ الدّنيا يدا.. أبدًا لنْ تَسْتَكِينى أبدًا.. إنَّنى أَرْجُو مع اليومِ غَدَا.. وَمَعى قلبى وعَزْمى للجِهَاد ولِقَلْبِى أنتِ بعدَ الدِّينِ دِيْن.. لكِ يا مِصْرُ السلامة وسَلامًا يا بلادى.. إنْ رَمَى الدهرُ سِهَامَه أتَّقِيها بفؤادى.. واسْلَمِى فى كُلِّ حين».