رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حلمي التوني: أزمتنا بدأت من السادات.. ومبارك جابنا الأرض

جريدة الدستور

- ساومت على أفكارى أيام سوزان من أجل المصلحة العامة.. وخضعت لضغط المجتمع ولم أعرض «لوحات عُرى»

- يوسف السباعى طردنى من دار الهلال وقال لى: «الشيوعيين ضاحكين عليك»

قال حلمى التونى، الفنان التشكيلى ورسام الكاريكاتير، إن هناك تغييرًا إيجابيًا كبيرًا فى موقف الدولة الرسمى تجاه الفنون التشكيلية، مشيرًا إلى وجود إقبال جيد على المعارض هذه الأيام، مقارنة بالسنوات الماضية، بما يؤكد أن البلاد تشهد حركة فنية ناهضة.
وذكر «التونى»، فى حواره مع «الدستور»، على هامش معرضه الذى يقيمه تحت عنوان «ليه يا بنفسج»، أن المملكة العربية السعودية فى طريقها لنهضة تنويرية كبيرة، على يد ولى العهد محمد بن سلمان، مشيرًا إلى أن التغييرات الجذرية التى تحدث بالمملكة هذه الأيام تدعو للتفاؤل والاطمئنان، وتطرق «التونى» فى الحوار إلى علاقته بـ«سوزان»، زوجة الرئيس المخلوع حسنى مبارك، إلى جانب ذكرياته مع الكبار، حسنين هيكل، وأحمد بهاء الدين، ويوسف السباعى. كما تحدث عن أبرز المواقف التى تعرض لها بسبب رسوماته، خاصة كاريكاتير الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما.



■ بداية.. هل تلمس أى تغير إيجابى فى نظرة الدولة أو المجتمع إلى الفن التشكيلى؟
- نعم، تغير الموقف الرسمى، وهناك إقبال شديد على المعارض مقارنة بالسنوات الماضية. لدينا الآن حركة فنية تشكيلية ناهضة فى مصر، يمكن أن تسبق فروعا أخرى للفن.
■ متى تصبح نظرتنا للفن والثقافة مثل أوروبا؟
- «لسه بدرى علينا».. فرنسا فى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كانت مهبط الفنانين التشكيليين من كل نواحى العالم، وكان هناك فنانون ساهموا فى نهضة أوروبا، وبالتالى فى إشاعة روح الابتكار والإتقان.
■ كثيرون يلومون وزارة الثقافة على تقصيرها فى دعم الفن بقرى ونجوع الصعيد.. ما رأيك؟
- هذه مأساة فإذا كان أهل إسكندرية يشتكون من التهميش، فما بالك بباقى المحافظات، وخصوصًا الصعيد؟ المفترض أن قصور الثقافة تعمل على اكتشاف المواهب، لأنها المفتاح لذلك.
■ لكن دائما ما تهاجر المواهب المصرية إلى الخارج.. أليس كذلك؟
- محظوظون، هم يذهبون لمجتمعات تقدر موهبتهم، وأنا لا ألوم أحدا منهم لأنه سافر، فهذا حقه أن يستمتع بثمار موهبته وعرقه.
■ وأنت.. هل فكرت فى الهجرة؟
- أعتبر مصر وطنى وبيتى، وأنا قليل السفر للخارج، وغير مهتم بالعالمية، رغم حصولى على جوائز من ألمانيا وإيطاليا، وهذا شىء نادر فى مجالنا.
■ شاركت بأعمال لك فى معارض عربية.. ماذا لمست منهم هناك؟
- العرب غير مهتمين بالفن، وأنا لا أقبل دعوات من دول عربية إلا بعد إلحاح. دعيت للتحكيم فى مسابقات لكتب الأطفال فى دول عربية، ومنذ فترة تلقيت دعوة من دولة خليجية، لن أذكر اسمها، فوافقت لإعجابى بالنشاط، فبعثوا لى باستمارة الاشتراك، فوجدت بها خانة للديانة، فاستكملت كتابتها على مضض، ثم وجدت خانة للمذهب، فرفعت بعدها سماعة التليفون و«عملت معاهم الواجب»، ورفضت الدعوة.
قلت لهم: «أنا لا أذهب إلى دولة تسألنى عن ديانتى وعن مذهبى»، ولم أتعامل معهم بعد ذلك رغم أنهم كرروا الدعوة. نحن لسنا طائفيين، وإذا كنت خائفا منى فلماذا دعوتنى؟! ثم أنا لا أذهب بشروطهم، مع أن هناك كثيرين «بيجروا إلى الخليج».
■ ما رأيك فى سياسة الانفتاح التى تشهدها المملكة السعودية؟
- والله أعترف بأنها كانت مفاجأة سارة لى، ولست قلقا بشأن هذه التغيرات، لأن هذه البلاد فيها سلطة مركزية قوية جدًا، فلما يتولى واحد بحجم ولى العهد ويتبنى مشروعا تنويريا، نشعر بالاطمئنان.
■ كيف ترى الأصوات التى تهاجم «بن سلمان»؟
- هؤلاء هم السلفيون المنتفعون الذين ارتزقوا من الفكر الوهابى وعاشوا عليه، وهم الآن خائفون على «أكل عيشهم».
■ لماذا اقتبست اسم معرضك الأحدث من عنوان أغنية صالح عبد الحى «ليه يا بنفسج»؟
- أولًا، أنا ابن بلد، يعنى أنا «مش خواجة»، مؤمن بمصر وبحضارتها وشرف لى الانتماء إليها. وأقول دائمًا إن فنى يشبه أكل أمى، يعنى فنى «مش مطعم أفرنجى».
أنا أحب الأغانى البلدى، ومنذ فترة قريبة أقمت معرضًا بعنوان «المغنى حياة الروح»، دائما أستخلص الفرحة، لا أقول من الشقاء، ولكن من التعب والمعاناة.
بالنسبة لاسم المعرض، فاللون البنفسجى حاد، يعنى إما أن تحبه أو تكرهه، وأغلبية الناس لديهم الموقف الثانى، لذلك تحديت هذا الانطباع، و«طلعت لهم من اللون البنفسجى فى اللوحة فرحة وسرور»، مثلما تقول الأغنية «ليه يا بنفسج بتبهج وإنت زهر حزين؟».
■ وماذا عن تجربتك مع كتب الأطفال؟
- كان هناك اهتمام فى السيتينات بالفن والمجتمع، لكن الفن التشكيلى لم يكن له جمهور إلا من الأجانب أو المثقفين من الطبقة العليا فى المجتمع، وبقية الناس محرومة، لدرجة أنهم كانوا يخشون دخول قاعات العرض، حتى لا يتهموا بعدم الفهم.
لذلك، فكرنا أنا وجيلى أن نذهب إليهم، فصنعنا طبعات بسعر رخيص جدا، ولأن المجتمع لم تتح له وقتها الفرصة الكافية للتعرف على هذا النوع، اعترفنا بأننا خسرنا، لكننا راهنا على الأجيال المقبلة، وأصدرنا كتبا للأطفال، ونجحنا بالفعل فى تربية مشاعر جيل جديد على الفن.
■ وما مصير مشروع الستينيات فى تحديث الفن والمجتمع كما ذكرت؟
- الوضع تغير كثيرًا فى السبعينيات، مع الرئيس الراحل أنور السادات، عندما حول سياسة الدولة إلى المجتمع الاستهلاكى والطبقى، وقال يومها: «من لا يغتنى هذه الأيام، لن يغتنى أبدًا، وأنا كده انبسطت من المجتمع، كل واحد حاطط إيده فى جيب اللى جنبه».
وقتها طُرحت قيم جديدة لم يكن الناس مؤمنين بها، وصنع رجال السياسة طبقة رجال الأعمال، حتى تكون سندًا له فى الحكم، ومن ثم ورثها حسنى مبارك بعد ذلك.
■ معنى هذا أن السادات كان أول من صنع طبقة «رجال الأعمال»؟
- طبعًا، والفكرة غير معيبة، لكن المهم أن يعم الخير على الجميع، وهذا لم يحدث. تتذكر «لما قالوا أيام مبارك الأخيرة إن النمو الاقتصادى وصل ٨٪، الناس سألت فين النمو ده؟»، فرد يوسف بطرس غالى: «هينقط عليكم بعد شوية».
■ ارتبط اسمك بـ«جائزة سوزان مبارك».. هل أثر هذا فى مسيرتك؟
- حصلت على هذه الجائزة ٣ مرات، لأنى أفضل واحد فى مصر فى هذا الحقل، وعندما كانت تقيم مسابقات لكتب الأطفال، كنت أنا وغيرى نتقدم للمشاركة.
والحقيقة، كان علىّ أن أحسب الحسبة جيدًا: يا ترى لو أتيحت لى الفرصة أن أصدر كتابا تطبع منه آلاف النسخ وتوزع على الأطفال، هل سأرفض لأنى غير راضٍ عن «سوزان»؟ وكنت أجيب: بالتأكيد، لا.
أنا يهمنى فى النهاية التأثير الذى سيحدثه الكتاب للأطفال، وهناك كتاب أمثال صنع الله إبراهيم، رفضوا جائزة المجلس الأعلى للثقافة وقتها، وهو حر، لأنه يمكن أن تكون هذه الجائزة فى مجال لا يستطيع الكاتب فيه أن يساوم على أفكاره لصالح المصلحة العامة، لكن أنا فى هذه الفترة ساومت على أفكارى فى سبيل المصلحة العامة.
■ نفهم من ذلك أن سوزان مبارك كان لها دور إيجابى فى المجتمع؟
- نعم، حتى لو كان من باب الوجاهة، لكن هذا لا يمنع أن المجتمع استفاد منه، ولا يعنى توقف المشروع أيضا، نحن لا نرفض عصر «مبارك» بأكمله، مشكلتنا مع السيئ فى تلك الفترة.
■ وهل انتهت الفكرة بخروج «سوزان» من المشهد العام؟
- تطوير الفكرة تباطأ بالطبع، أنا كنت عضو لجنة تحكيم فى مسابقة بمعرض الكتاب الأخير، واطلعت على إصدارات الأطفال الحالية، واكتشفت أنه حدث تغيير كبير.
فضل جائزة سوزان مبارك وقتها، أنها كانت مشجعة لمجموعة كبيرة من الموهوبين على الابتكار والتجويد والمشاركة، وليس معنى ذلك أنى معجب بنظام «مبارك»، لأنه «جابنا الأرض».
■ هل سبق أن خشيت من عرض بعض اللوحات؟
- نعم، بعض اللوحات فيها عرى، الذى هو جزء من الفن تاريخيًا، من أول رسم حواء عارية. طبعا هنا أنا خضعت لضغط المجتمع فى هذه الجزئية، لكن القضية لا تكمن فى كون المرأة عارية من عدمه، الفكرة فى الجمال نفسه.
فى المعرض الحالى، دخل قبطى وأعجبته لوحة لكنى فوجئت به يقول: «يا خسارة لابسة مايوه». تخيل كم الضغط الذى يمارسه المجتمع على الناس، ونحن نحارب حربا ضروسا ضد الجهل، لأن هذا الرجل عمل حساب من سيزور بيته، وخاف من الإرهاب الفكرى الذى سيمارسه البعض عليه، رغم كونه قبطيًا.
حدث أيام حكم الإخوان أن كنت عضوا فى لجنة إنشاء عرض لجريدة «الأهرام»، وفى إحدى الجلسات كنت بجوار الإخوانى صلاح عبدالمقصود، وكان نقيبًا للصحفيين وقتها. وقبل البدء فى موضوع الجلسة قلت له: «أعتقد أنه لن يعجبك شغلنا»، فدهش وسأل: «لماذا؟»، فأجبت: «لأنه سيكون هناك صور ستات متحررة ولكن ليست قبيحة»، فعقب بقوله: «طب ما تبص فى الأهرام، ما هو مليان صور لستات عريانة»، فقلت له: «إنت شايف إن الفن قباحة»؟، وبعدها غيرنا موضوع الحديث.
■ على ذكر «الأهرام».. هل عاصرت هناك الأستاذ محمد حسنين هيكل؟
- اشتغلت مع «هيكل» فى مجلة «وجهات نظر»، وهو معلم كبير، وأتذكر بعد خروجى أنا و١٠٤ كتاب وأدباء من دار الهلال سنة ١٩٧٣، ذهبنا لزيارته فى «الأهرام»، وكان رئيس تحرير وقتها، وبمجرد أن رآنى قال: «إنت حلمى التونى؟»، فقلت له: «نعم»، قال: «يا خسارة كنا محتاجينك لكن الحكومة سبقتنا».
وأذكر له واقعة أخرى، حينما دعانى لتصميم ماكيت لـ«وجهات نظر»، وأتى لى بماكيت جريدة من نيويورك وأخرى من لندن، فأنا عملت حاجة مختلفة فى التبويب والرسم، فلما رأها قال لى: «على فكرة أعتقد أنك غير مدرك لأهمية ما صنعت».
وغير «هيكل»، اشتغلت مع اثنين من الأساتذة الكبار، كان من ضمنهما أحمد بهاء الدين، وهو من فتح لى عالم الفكر والثقافة والسياسة والمجتمع.
■ ماذا عن قصة خروجك من دار الهلال»؟
- كنت المدير الفنى للدار، واتهمت بأنى «يسارى»، فأصدر لى يوسف السباعى رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير «المصور» جواب فصل، وأرفقوه بورقة مع الساعى مكتوب عليها: «ممنوع تواجدكم من الآن»، فذهبت إليه فى مكتبه، وكنت أعرفه وأعرف شقيقه، وسألته: «إيه الموضوع؟»، فرد: «الشيوعيين ضاحكين عليك، إنت مش شيوعى بس هما ضاحكين عليك». وقتها كنت معارضا لسياسة الانفتاح التى اعتمدها السادات، والأيام أظهرت صدق رؤيتنا.
■ أخيرا.. هل تتذكر رسمة «كاريكاتير» سببت لك مشكلة؟
- نعم، حينما تولى باراك أوباما رئاسة أمريكا أول مرة، نشرت كاريكاتيرا وقتها ورسمت فيه أن مصر تقول له: «مبروك يا بنى، بس خليك فاكر إحنا دعينالك، وعقبال عندنا».
وقتها كان أسامة سرايا رئيس تحرير «الأهرام»، فأمر بتجميع ٥٠ ألف نسخة من الجريدة من السوق، وتعديل الكاريكاتير فى الطبعة الثانية ليحذف كلمة «وعقبال عندنا». لكن جريدة معارضة نشرت فى صفحتها الأولى أصل الكاريكاتير قبل التعديل.