رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لعنة «التوصيلة».. «الدستور» ترصد توابع حظر «أوبر» و«كريم»

جريدة الدستور

اشتعلت المعركة من جديد بين سائقى التاكسى الأبيض من جانب، وشركتى «أوبر» و«كريم» من جانب آخر، بعد صدور حكم محكمة القضاء الإدارى، الثلاثاء الماضى، بإلزام الحكومة بوقف نشاط الشركتين، مع وقف تطبيقات «الأبلكيشن» أو البرامج التى يستخدمانها، مع إحالة موضوع الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لإعداد تقرير نهائى بالرأى القانونى فيها.
وتعود القضية إلى الدعوى التى أقامها عدد من أعضاء ائتلاف سائقى التاكسى الأبيض، لوقف نشاط الشركتين، بعد الأضرار التى وقعت على أصحاب المهنة، والفوائد التى عادت على أصحاب السيارات الملاكى، الذين لا يملكون تراخيص لمزاولة خدمة نقل الركاب. «الدستور» استطلعت ردود الفعل حول قرار القضاء الإدارى، وسألت سائقى الشركتين عن موقفهم من الأزمة، بالإضافة إلى استعراض آراء المواطنين حول القرار الذى يعيد الحياة إلى التاكسى الأبيض من جديد.

أصحاب التاكسى: تطبيقات على الموبايلات.. ومواجهة التلاعب فى العداد
«الحياة بعد الموت».. هكذا يشعر سائقو التاكسى الأبيض بعد قرار المحكمة، فبعد أشهر من الركود وشحّ الزبائن، جاء القرار بمثابة طوق النجاة لهم، وتزامن ذلك مع مجهودات من قبل جمعية سائقى ومالكى التاكسى لتطوير خدماتهم المقدمة للمواطنين، التى كان آخرها إنشاء تطبيقين على الهواتف المحمولة للتسهيل على المستخدمين.
محمود عبدالحميد، رئيس جمعية «سائقى ومالكى التاكسى»، قال إنه سعيد بقرار المحكمة فى حالة تنفيذه بشكل نهائى، معتبرًا أنه سيعيد الحياة إلى أصحاب التاكسى وعائلاتهم بعد فترة عصيبة من غياب للركاب وارتفاع أسعار البنزين.
وأضاف: «هذه الخطوة ستوفر للدولة ملايين الجنيهات، بعدما كانت تذهب إلى الشركتين، خارج مصر»، وتابع: «القرار لا يعنى إبقاء خدمات التاكسى الأبيض على حالتها القديمة المتردية، بل يجب أن يكون هناك تطوير مستمر لإعادة الثقة بين التاكسى والركاب».
واعتبر عبدالحميد أن أهم محاولات التطوير، تتمثل فى إطلاق تطبيقين للتاكسى الأبيض على الهواتف الذكية، والحصول على موافقات الدعاية والإعلان لنشر هذه التطبيقات، بالإضافة إلى العمل على الانتهاء من مشكلة التلاعب بالعدادات، وضمان جودة أداء السائقين.
وحول التطوير فى المرحلة الماضية، قال: «تعاقدنا مع شركة لصيانة السيارات المنضمة للتطبيق بشكل دورى، وهناك أفكار عديدة لتقديم خدمات التأمين الطبى للسائقين، وحل مشكلة تسويات البنوك المستمرة منذ ١٠ سنوات، إضافة إلى خدمات الدفع الذكى للمستخدمين».
وطالب عبدالحميد الحكومة بدعم «التاكسى الأبيض»، لأنه يسهم فى الحفاظ على اقتصاد الدولة بطريقة غير مباشرة، من خلال منع تدفق الأرباح فى اتجاه الشركات الأجنبية، معربًا عن أمله فى الحصول على دعم إعلامى لسائقى التاكسى خلال الفترة المقبلة، عبر التركيز على الإيجابيات التى بدأت تظهر فى خدماتهم خلال الفترة الأخيرة.
وعلى غرار رئيس جمعية «سائقى ومالكى التاكسى»، عمت الفرحة تجمعات سائقى التاكسى الأبيض، وظهرت على مواقع التواصل الاجتماعى، واعتبر بعضهم أن قرار منع الشركتين الأجنبيتين هو «يوم عيد»، فيما ساد التفاؤل جميع التعليقات المتعلقة بمستقبل العاملين فى المجال.
وأوضح أحمد مسعد، أحد السائقين، أنه عانى خلال العامين الأخيرين، بسبب اتجاه الزبائن إلى استخدام الشركات الخاصة، وتزامن ذلك مع ارتفاعات متتالية فى أسعار البنزين ومصروفات الضرائب والتأمينات، ما جعله على وشك بيع سيارته الأجرة وتغيير المهنة، وهو ما تغير كثيرًا بعد صدور القرار.
أما السائق شحتة السيد، فوصف القرار بأنه «عودة الحق إلى أصحابه»، مؤكدًا أنه رغم محاولاته الشهور الماضية لرفع مستوى خدمته للزبائن، إلا أن الركود ظل يطارده هو وزملاءه، ما أثر على مستوياتهم المعيشية.

سائقو الشركتين: النشاط مستمر.. وطعن على الحكم من قبل المؤسسة
منذ عشرة أشهر، وفى كل يوم فى تمام السابعة صباحًا، يستيقظ حسام حسنى، ٢٧ سنة، ويفتح هاتفه ليتلقى طلبات التوصيل على تطبيق «أوبر»، فالعمل بالشركة ساعده على تأمين نفقات العيش، إلى جانب عمله الأساسى كمحاسب فى إحدى الشركات الخاصة.
السائق حسام حسنى استقبل قرار وقف «أوبر وكريم» فى مصر بالفزع، قائلًا: «كانت بتساعدنى فى المعيشة»، وأضاف: «لم أكن أعمل باستمرار مع الشركة، نظرًا لارتباطى بأعمال أخرى، لكنها كانت مصدرًا مهمًا فى دخلى، وهيحصل خلل فى حياتى لو بطلت شغل فى أوبر».
لم يكن وقف الشركة عن العمل، المشكلة الأولى التى يمر بها حسام وغيره من سائقى «أوبر»، فبحسب قوله، عادة ما يتعرض السائقون لمضايقات فى الأكمنة وغيرها، إلا أن الأمر هذه المرة بالغ الصعوبة، إذ يتعلق بقطع العيش وعدم القدرة على العمل مجددًا.
«لن تستسلم الشركة لقرار المنع بسهولة لو هى أجنبية، لكن كلنا مصريون، إحنا المستفيد الأكبر من وجود شركات زى أوبر وكريم عندنا».. هكذا عبر الشاب العشرينى محمد بسيونى، كابتن «أوبر» عن الموقف، ثم أضاف: «مش هيسلموا بالقرار أكيد، لأنهم بيحصلوا من السائق نسبة ٢٠٪ من الأرباح من غير أى جهد».
ووصف بسيونى حال معظم زملائه بأنهم أصبحوا مهددين بالسجن، قائلًا: «هناك من استدانوا لدفع مقدم سيارة وتقسيطها، وآخرون تركوا عملهم الخاص واعتمدوا على العائد من أوبر، وهؤلاء جميعا وغيرهم من العاملين بالشركة يتساءلون: من سيدفع الأقساط ويوفر عملًا بديلًا بدخل مكافئ؟».
وقررت شركة أوبر الطعن على الحكم، مؤكدة إن نشاطها مستمر فى مصر، فيما قالت مصادر إلى هيئة قضايا الدولة «محامى الحكومة» تتجه للطعن على الحكم.
وراى بسيونى أن «أوبر وكريم» لا تؤثران على التاكسى الأبيض على عكس ما يشاع، مضيفًا: «الناس كانت بتطلبنا فى الرحاب والتجمع، ومعظم طلبات التوصيل كانت من المدن الجديدة خارج القاهرة، مثل طريق السويس، بينما تقل للغاية وسط العاصمة والأماكن القريبة منها».
وختم حديثه بقوله: «سواقين التاكسى الأبيض ملهومش تواجد فى هذه المناطق، وبيرفضوا الذهاب ليها فى أوقات كثيرة، عشان كده مفيش خوف عليهم من انتشار أوبر وكريم».
على عكس ذلك، رأى مينا شفيق، ٢٨ عامًا، الذى يعمل هو الآخر بشركة النقل العالمية، إنه لا يمكن إغفال تأثير «أوبر» على أصحاب التاكسى الأبيض، موضحًا أن شركته تتمتع بامتيازات لا تتوافر لغيرها من وسائل النقل التقليدية، خاصة أنها آمنة تمامًا على الركاب.
وأوضح مينا أنه فى حال حدوث مشكلة يستطيع العميل التواصل من الإدارة مباشرة والوصول إلى حل سريع، وهو ما يميز الخدمة، على عكس وسائل المواصلات الأخرى، بالإضافة إلى كونها أرخص كثيرًا من غيرها.
وعلى المستوى الشخصى، اعتبر مينا أن قرار الوقف سبب له أزمة كبيرة، وقال: «الأزمة موجودة رغم أننى أعمل بمكان آخر، وأملك السيارة التى أعمل بها، أما بالنسبة لغيرى من السائقين الذين يعتمدون عليها كمصدر رئيسى للدخل، فدا هيبقى خراب بيوت».
وبحسب إحصائية لإدارة الشركة فى أحد اجتماعاتها السابقة، تضم الخدمة ٣٦ ألف سائق، لذا يعتقد أحمد جميل، ٢٧ سنة، المحاسب الذى يعمل فى الشركة، أنهم لن يصمتوا على قرار المنع، ولن يتقبلوا ما حدث بسهولة، بل يتوقع خروجهم فى تظاهرات للتنديد بالقرار، الذى يصفه بالظالم.

مواطنون: سنبحث عن بدائل إذا تم التنفيذ.. و«مش هنرجع تحت رحمة سواقين التاكسى من تانى»
«قرار غلط هيزود جشع سواقين التاكسى.. الوسيلة كانت آمنة ومريحة وبتلبى الغرض فى أى وقت، وأكيد مش هتقف ولازم تفضل شغالة».. هذه الكلمات لخصت ردود فعل مستخدمى خدمة «أوبر وكريم» على القرار الصادر بوقف نشاط الشركتين فى مصر، وتوقع محمود محمدى، أحد مستخدمى الخدمة عدم قبول الشركتين للقرار، لأنهما من الشركات أصحاب الاسم الكبير، ليس على مستوى مصر فقط، ولكن فى العالم أيضًا.
وقال محمود: «الشركتان ستحاولان التوصل إلى حلول، ولن تقبلا وقفهما عن النشاط، خاصة أنهما تملكان قاعدة جماهيرية كبيرة فى المجتمع المصرى».
وأشار إلى أنه سيفتقد الخدمة المميزة التى تقدمها «أوبر وكريم»، مرجعًا ذلك إلى التكلفة المادية الملائمة فى مواجهة ما سماه «جشع سائقى التاكسى»، الذين يحددون تسعيرة خاصة بهم، بالإضافة إلى افتقاده لخدمة السيارات المريحة والمكيفة طوال الوقت.
وتابع: «أهم ما يميز الخدمة فى أوبر وكريم، إمكانية الوصول لأى مكان فى أسرع وقت، خاصة لما بيكون فيه مريض مثلًا، فوقتها عن طريق الأبليكشن بقدر أطلب أوبر، وييجى ياخدنى أنا والمريض من مكان ما طلبناه، ومش بضطر أنزل ألف على رجلى لحد ما سواق تاكسى يرضى ييجى معايا».
واتفق محمد نور مع محمود فى رأيه، ورفض أن تنتهى خدمة الشركتين فى مصر، لأنها مبنية على أساس مريح ومربح، وهو ما ساعد فى سرعة انتشارها، قائلًا: «أكيد لو الشركات دى اتوقفت هيلمع اسم شركات تانية، لأن فعلًا فى شركات تانية موجودة زى شركة أسطى وتاكسى وإيفاى».
وعن سائقى التاكسى الأبيض، أوضح محمد أن جشعهم كان سبب نجاح الشركتين، خاصة أن بعض الناس لجأوا لاستخدام «التوكتوك»، للهروب من سوء معاملة السائقين، وقال: «سواق التاكسى لما تقوله على المكان الفلانى يقولك هاخد كذا، ولما تطلب منه يشغل العداد يقولك لا هو المبلغ الفلانى». وفى حال توقف نشاط الشركتين نهائيًا، قال محمد: «هلجأ إلى الشركات البديلة التى ستضع خطاها على هذا الطريق، لكن لن أسمح لسائقى التاكسى باستغلالى، مش هيمشونى على مزاجهم، إلا فى حالات الضرورة القصوى التى لا أتمناها».
وقالت نادية السيد، إحدى مستخدمات الخدمة: «بنتى مرة تعبت وجالها سخونية شديدة الساعة ٢ بليل، وأنا ساكنة فى أكتوبر وملقتش تاكسى، ولما طلبت كريم جاتلى واخدت البنت المستشفى»، مؤكدة بذلك أهمية الشركة فى حياتها. وأضافت «هناك العديد من الشركات المشابهة للشركتين زى تاكسى، ووصلنى، وأسطى، بجانب الرحلات الجماعية، لكن كل الشركات دى مكانتش بنفس جودة أوبر وكريم»، لافتة إلى تميز الشركتين فى تقديم العروض وتخفيضات الأسعار، بشكل دائم.
وتابعت: «كنت موجودة فى وسط البلد من يومين، وسألت ٥ سواقين تاكسى عشان أروح المهندسين وكلهم رفضوا، آخر واحد بس هو اللى وافق، بس حدد الأجرة الأول قبل ما نمشى، وعشان كنت مضطرة وافقت، ولأن باقة الإنترنت كانت خلصت كان لازم أوافق عشان أروح مشوارى».
ورفضت فتحية محمد، أن توقف شركتا أوبر وكريم نشاطهما، لأنها تعتمد عليهما كليًا فى تنقلاتها، فى ظل صعوبة الاعتماد على المواصلات العامة، أو سائقى التاكسى.
وقالت فتحية، التى تعمل فى مجال التصوير، إن عملها يتطلب منها حمل معدات تصوير كبيرة طوال الوقت، لذا توضح: «مستحيل أنزل أدور على تاكسى وأسأله أروح المكان الفلانى، وأطلع أجيب المعدات وأنزل أركبه، وأرجع تانى أروح مكان شغلى»، أما مع «أوبر» فتقول: «بطلب الخدمة وبتجيلى مكان ما أنا موجودة».
تعامل «فتحية» الدائم مع «أوبر» لفترة طويلة، جعلها فى القائمة المميزة للعملاء، ما وفر لها العديد من العروض التى تقدمها الشركة، فتقول: «دا بيوفر لى فلوس أكتر، لأنى بقيت عميلة مميزة، وحتى لما بيكون مش معايا فكّة ولا سواق أوبر معاه فكّة، الفلوس بتتبقى للرحلة الجاية، ومبفضلش ألف فى الشارع عشان أدور على فكّة لسواق التاكسى». ورأت أن الموافقة على دعوى وقف «أوبر وكريم» فى مصر، ستعود بالسلب على الكثير ممن يعتمدون على خدمة الشركتين، خصوصًا مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة خلال الأشهر المقبلة، مشيرة إلى أنه فى ظل الكثافة المرورية التى تعانيها شوارع مصر، تصبح خدمة الشركتين بسياراتهما المكيفة والمهيأة بشكل مريح ميزة كبيرة لا يمكن لكثيرين الاستغناء عنها بسهولة.