رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانتخابات.. ومعضلة دفن النفايات!


من مخبئه الدافئ على كوكب «تويتر»، نظر الحاج محمد، الشهير بـ«البوب»، إلى عالمه اليوم، ووجد العزاء في كلمات ونستون تشرشل: «النجاح ليس نهائيًا.. والفشل ليس مميتًا.. وشجاعة الاستمرار هي الأهم».

باللغة الإنجليزية، كتب المذكور تغريدته البائسة، اليائسة، التي لا تفسير لها في هذا التوقيت «مساء ١٧ مارس» غير أن إقبال المصريين في الخارج على التصويت في الانتخابات الرئاسية، أصابه بآلام نفسية حادة، وأفسد عليه احتفاله بمرور ٨ سنوات على بداية تغريده «مشيّها تغريده» على تويتر. وعليه، يمكننا إعادة صياغة كلمات رئيس الوزراء البريطاني الأسبق والأشهر، لتناسب حالة المذكور وعالمه: «البصر ليس مطلوبًا.. والعقل ليس مهمًا.. وشجاعة الاستمرار على تويتر هي الأهم!».

كل ذي عينين قادرتين على الإبصار، وأي صاحب عقل لم يتلفه الهوى، لو نظر إلى عالمنا، الأحد، سيجد الشعب الروسي يلتف حول رئيسه فلاديمير بوتين ليكمل ما بدأه، خلال فترات رئاسته الثلاث نظريًا والأربع عمليًا. وسيرى، السبت، تصويت المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني «البرلمان»، بالإجماع، على إعادة انتخاب «شي جين بينج»، رئيسًا للبلاد لولاية ثانية، بعد أن قام منذ أسبوع بتعديل الدستور وإلغاء الحد الأقصى للولايات الرئاسية. كما لن يستطيع أي مبصر عاقل أن يتجاهل ما تشهده الولايات المتحدة من ارتباك، وما تعانيه أوروبا من أزمات.

على جنب، ضع الولايات المتحدة وارتباكها، وأوروبا وأزماتها، والنفق الذي دخله النظام الديمقراطي في الاثنتين. وعلى الجنب «الجانب» الآخر، ضع الصين وتجربتها التي أسقطت اعتقادًا، ساد طويلًا، بأن الليبرالية الاقتصادية ستقود حتمًا إلى الانفتاح السياسي، وبأن الديمقراطية على النمط الغربي واقتصاد السوق متلازمان بالضرورة. وبعد أن تتجاهل الجانبين، لا تضع نصب عينيك، غير الانتخابات الرئاسية الروسية المحسومة لصالح «بوتين» بعد أن انتشل بلاده من مرحلة التهميش التي عاشتها في تسعينيات القرن الماضي وبدايات هذا القرن، واستعاد مكانتها كقوة عظمى، أو على أقل تقدير، كدولة ذات ثِقَل.

باستعمال أمثال «الحاج محمد»، سبق أن سقط ذلك الكيان العملاق، الذي سيطر على نصف كوكب الأرض. وبسقوطه ظهر نظام هجين سيطرت عليها «المافيات»، بمشاركة «واجهات» رأس المال الغربي التي تمكنت عبر «الخصخصة» المتعجلة والساذجة، من احتلال روسيا. ومع أن تلك الفترة «السوداء» لم تعرف الديمقراطية ولم تمارسها إطلاقًا، على الأقل، بمفهومها الغربي، قوبل أداء جورباتشوف ثم يلتسين، بتصفيق حاد وإعجاب مفتعل من القيادات الغربية الأكثر تشددًا في عدائها لموسكو، التي أغمضت أعينها عن الفساد وتنامي «المافيات» وتزييف الديمقراطية، لأن ما كان يعنيها فقط، هو القضاء على القوة التي هدّدت مصالحه.

منذ ثلاثة أشهر، تلعب وسائل الإعلام المعادية لروسيا على توقعات متشائمة بشأن نسب الإقبال. وتنقل عمن تصفهم بأنهم خبراء أن سبب عزوف الناخبين يرجع إلى أن النتائج تكاد تكون معروفة سلفًا، وإلى تزايد الأعباء المعيشية للمواطنين تحت ثقل الأوضاع الاقتصادية المتردية. بينما أظهرت استطلاعات حديثة أن نسبة الإقبال المتوقعة لن تقل عن ٦٥٪، أي النسبة نفسها التي شهدتها انتخابات ٢٠١٢، والتي لن تعني فقط أن الروس يريدون استمرار «بوتين» رئيسًا لست سنوات مقبلة، بل ستعني أيضًا أنهم يمنحونه تفويضًا لمواصلة مشروعه، ولمواجهة الضغوط الغربية المتزايدة، ومحاولات فرض نوع من العزلة والحصار على روسيا.

التصويت مستمر، وطبقًا لما أعلنته لجنة الانتخابات المركزية الروسية فإن نسبة من أدلوا بأصواتهم حتى الساعة ١٢ ظهر الأحد، بتوقيت موسكو، تقترب من ٣٥٪. وإلى أن تظهر النتائج، هيا بنا نلهو ونلعب مع «البوب الصالح» الذي لو كنت ممن اعتادوا التجول «بالجيم» في حسابه «أو مخبئه» على كوكب تويتر، تغريدة كتبها في ١٢ مارس، يهنئ فيها «زميله» عبدالقوي يوسف باختياره رئيسًا لمحكمة العدل الدولية، زاعمًا أن ذلك الاختيار «يؤكد أن مشكلتنا في الدول العربية هي غياب منظومة الحكم الرشيد وليست توافر الكفاءات الفردية». ولأن زميله صومالي، تذكرت حادثة اغتيال شهيرة، وقعت سنة ١٩٩٤، في الصومال، راح ضحيتها إيلاريا ألبي، الصحفية بالتليفزيون الإيطالي، وزميلها المصور ميران هيروفاتين، لأنهما شاهدا شحنات نفايات تصل إلى ميناء «بوساسو» الصومال».

في تلك السنة، سنة ١٩٩٤، كان «البوب» يعمل مديرًا عامًا مساعدًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعبدالقوي يرأس الشئون القانونية لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، ولم ينبس أحدهما ببنت شفة، أي لم نسمع لهما صوتًا، حول الحادث الذي سبقته وتلته تقارير كثيرة تؤكد قيام دول غربية بإرسال شحنات نفايات نووية، لدفنها في الصومال أو لإغراقها أمام سواحلها. وهناك أيضًا تقارير ودراسات تؤكد قيام الولايات المتحدة الأمريكية، بعد ٢٠٠٣، بدفن نفايات مُشعة في الصحراء العراقية. ووقتها، كان «البوب» مديرًا لوكالة الطاقة الذرية، وصار زميله مستشارًا قانونيًا لمنظمة اليونسكو، وكلاهما، أيضًا التزم الصمت. بما يعني أن الاثنين تزاملا في النذالة «ولا تقل في العمالة» التي قيل إنها أحد أهم معايير شغل المناصب الدولية!.

النفايات الضارة هي أي مادة لا يوجد لها استخدام أو لا يمكن استخدامها في أغراض مفيدة، وتتجاوز أضرارها النسبة التي يمكن أن يتحملها الإنسان. والوصف أو التعريف يناسب جدًا الحاج محمد، الشهير بـ«البوب»، الذي نتوقع أن يكون «دفنه» معضلة ومحل خلاف بين فيينا والقاهرة، الأمر الذي يجعلنا نلفت نظر جمهورية النمسا الشقيقة، منذ الآن، إلى أن التخلص من «النفايات الضارة» بتصديرها إلى دول أخرى، يُعد جريمة في نظر القانون الدولي!.