رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صعايدة على الـ«STAGE» «ديفيليه مغاغة».. قصة أول عرض أزياء فى الصعيد

جريدة الدستور

التشدد والالتزام بالأفكار القديمة.. هذه هى الصورة التى ترسمها وتتخيلها الأذهان عند ذكر الصعيد، لكن مصممة الأزياء «سحر خيرى»، ابنة محافظة المنيا، قاومت هذه الفكرة بتنظيمها الأربعاء الماضى أول عرض أزياء «ديفيليه» فى صعيد مصر وذلك بمركز مغاغة، يعرض أحدث صيحات الموضة لفساتين الزفاف والسواريه، مصنعة بأيد مصرية.

تطرح «مدام سحر»، كما يعرفها الجميع فى مغاغة، من خلال العرض، زاوية رؤية جديدة، يجب النظر من خلالها لأهل الصعيد، وسعيهم للتطور، ومواكبة عصر التقدم، وتستهدف الوصول بمصر عامة وبالمنيا خاصة، لأن تكون أكبر المصدرين للمنتجات المصنعة بأيد مصرية خالصة.

«الدستور» حضرت أول «ديفيليه» لأبناء الصعيد، لتسليط الضوء على قوى الشباب العاملة الجديدة، سواء من خلال العارضات الـ«موديلز» المنياويات، أو الكوافير «ميكب أرتست»، وسط حضور كبير لأبناء المحافظة.




المنظم: مواجهة للإرهاب وترويج للسياحة وسينظم سنويًا

«مدام سحر عايزة تعمل حاجة جديدة فى الصعيد، تكون دعمًا للطبقة المتوسطة، لأن كل الناس شايفة أسعار فساتين الزفاف والسواريه العالية، فأرادت مراعاة الظروف الاقتصادية بفساتين تفرح البنات».. بهذه الكلمات تحدث سعيد الدالى، المنظم العام للحفل موضحًا هدف تنظيم «الديفيليه» فى مركز مغاغة. ويقول «الدالى»: «دائمًا أى شىء فى البداية نراه غريبًا، لكننا نسعى لمهرجان سنوى ثابت بالتنسيق مع محافظة المنيا، لأنها من المحافظات التى تحتضن الحضارة القديمة، ومهرجان مثل هذا لو استمر سنويا، فسيكون سببًا فى ترويج السياحة فى المحافظة».
ويوضح: «وسائل الدعاية لأول ديفيليه تحتضنه محافظة المنيا كانت مختلفة ومتنوعة، بدأت بالدعوات الورقية (البروشور) التى تم توزيعها على الجمهور فى الشارع، فاستغرب من الأمر فى بدايته، وأيضا عن طريق إرسال دعوات لمراكز التجميل فى مغاغة، وعبر مواقع التواصل الاجتماعى».
ويشير إلى أن «هناك رسائل عدة حملها أول ديفيليه لأحدث صيحات الموضة من فساتين الزفاف والسواريه، كان بدايتها توصيل المنتج للمواطن الصعيدى بأعلى جودة وأقل تكلفة، كما أتاح الفرصة للصعيدى الذى لا يشاهد عروض الأزياء إلا من خلال التليفزيون أو مواقع التواصل الاجتماعى فقط، أن يشاهد مغامرة وتجربة جديدة أمامه».
وشدد «الدالى» على أن الهدف من «الديفيليه» ليس دعم الدولة سياسيًا فقط، ولكن «من خلال المهرجان الهائل ده نؤكد أن المنيا بلد أمن واستقرار، رغم التوترات والشائعات الدولية عن وجود إرهاب وتطرف وطائفية بها، وهو ما يحاول إعلام الدول المغرضة تصديره للعالم الخارجى، ونؤكد أيضا أن أهالى الصعيد يعيشون حياتهم الطبيعية، كباقى البشر».
ويسترسل: «هدفنا أن يكون المهرجان ثابتًا سنويًا، فبعد انتهاء هذا المهرجان سيكون هناك تواصل مع محافظ المنيا لننتقل بالعرض من قاعة للزفاف لأكبر ساحة فى المنيا كلها، وسنطلب من الشركات أيضا عروضًا للبدل الرجالى والسواريه الرجالى أيضا، وسيكون هناك رأسمال مساهم فى العرض».
«فستان العمر يا أبيض».. دعاية رفعها «الديفيليه»، كانت حافزًا ومشجعًا لحضور العديد من الفتيات اللاتى على وشك الزواج، مع والدتهن، وأيضا أخريات أتين رفقة أصدقائهن لمشاهدة فساتين الزفاف، ومخطوبات صاحبن شريك حياتهن القادم، أملًا فى أن يكون الديفيليه فرصة لانتقاء فستان أفضل لزفافهن الوشيك، وبسعر أقل.
«آمال محيى»، اصطحبت نجلتها الكبرى، التى تستعد لزفافها بعد شهر، لمشاهدة «الديفيليه» وفساتين الزفاف المختلفة، كما اصطحبت أخواتها وصديقات العروس، لاختيار الفساتين السواريه اللاتى سيرتدينها خلال حفل الزفاف المنشود. تقول: «جينا عشان نشوف فساتين الفرح، ودى حاجة نفخر بيها إنه يتعمل أول عرض أزياء عندنا فى مغاغة، دى حاجة تفرحنا لأن إحنا بنتطور، ولازم العالم كله يشوفنا».
أما «آية محمد»، التى علمت بخبر «الديفيليه» من خلال الصفحة الخاصة بأتيليه «حورس» على موقع التواصل الاجتماعى، فقررت الحضور بصحبة شقيقتها لإشباع فضولها عن هذه المغامرة الجديدة التى تتم إقامتها فى مركز مغاغة. تقول: «الموضوع جديد عندنا فى الصعيد، وحبينا نيجى ناخد فكرة، الديفيليه ده هيغير حاجة أكيد فى مجتمعنا، والتنظيم مشرف ومبهر، ولازم نشجعه، ولما قلت لأسرتى إنى هاروح أحضر الديفيليه استغربوا إن فيه حاجة جديدة زى دى عندنا، لكنهم رحبوا وقالوا: روحى واتفرجى وشاركى».
«شروق أحمد» وشقيقتها «أسماء» وصديقاتهما المرافقات لهما، لم يتخيلن، قبل حضورهن، كيف يمكن لمركز مغاغة أن يضم أول عرض أزياء فى صعيد مصر، وكيف يمكن لمجموعة من الفتيات مثلهن أن يصعدن على المنصة ليعرضن فساتين الزفاف المختلفة أمام هذا الجمهور الهائل دون أن ينتابهن الخوف والخجل من النظرات المترامية عليهن؟.

مدام سحر: بدأت بتصميم فساتين عروستى.. استعنت ببناتى«موديلز».. وأطلقت «حورس» بشراكة الأصدقاء

«من صغرى بحب التفصيل والتصميم، حتى وأنا فى ابتدائى كنت باختار لبسى بنفسى.. أمى كانت بتاخدنى نلف على المحلات عشان أشترى لبسى، لكن ماكنش فيه حاجة تعجبنى، فكنت أرسم الشكل اللى عايزاه على ورقة، وتاخدنى للخياطة وأقولها دا اللى أنا عايزاه وتفصلهولى».
شغف قديم بتفصيل الملابس، تكشفه كلمات مصممة الأزياء «سحر خيرى»، وعندما تخطت عقدها الرابع، صار حلمها واقعًا ملموسًا من خلال أتيليه «حورس»، فى ٢٠١٦. البداية كانت بتصميم فساتين مختلفة لعرائسها الصغيرة، وتزيينها بشتى الألوان والزينة، وتصميمها لملابسها بعد أن صارت فتاة راشدة، فور التحاقها بكلية التجارة جامعة بنى سويف، وبعد الزواج والإنجاب، اتخذت من بناتها عارضات صغار لشتى أنواع الملابس التى تصممها لهن من خيالها الخصب.
لم تتوقف أحلامها الخاصة بالتصميم عند حد معين، بل كان لشغفها أبعاد لم يتمكن أحد من إيقافها، فكانت قادرة على تصميم بوكيهات الورد الصناعية والكريستالية، وتصميم عرائس المولد، تقول: «كان أى تصميم بييجى فى دماغى باعمله فى شكل عروسة المولد، لحد ما بقى عندى مصنع صغير لتصميم العرايس».
لم تُشبع هذه البدايات البسيطة أحلام «سحر»، وكان هدفها الأكبر أن يكون لديها «أتيليه» خاص بها، إلا أنها لم تستطع أن تغفل حقوق أولادها الثلاثة، حتى تمكنت من إيصالهم لبر الأمان، خاصة البنات، بداية من مى خريجة الجامعة العمالية، ونورهان خريجة هندسة الحاسبات، وأخيرًا محمود، الطالب بالفرقة الثانية بكلية الحقوق.
وبعد أن أكملت رسالتها تجاه أولادها، بدأ حلمها لـ«الأتيليه» يداعبها من جديد، لتسعى له بكامل قوتها وشغفها ولتنطلق من المنيا للقاهرة والمحافظات للتعرف على ما يلزمها للبدء فى وضع حلمها على أرض الواقع.
ورغم عدم امتلاكها رأس المال المطلوب إلا أنها لم تستسلم، وعرضت فكرتها على أصدقائها ليكونوا شركاء لها بالمال وتكون هى الشريكة الفعلية بالجهود الذاتية والتصميم، ومن عام ٢٠١٦ بدأ أتيليه «حورس» فى بث تصميماته المختلفة فى مركز مغاغة.
تقول سحر: «فى طريقى للقاهرة عشان أخلص إجراءات الأتيليه لقيت فى دماغى اسم (حورس)، كنت مستغربة ليه الاسم ده جه على بالى، وكانت راكبة جنبى دكتورة فى كلية الآثار، فقعدنا ندردش وسألتها يعنى إيه اسم (حورس)، قالتلى يعنى القوة، فرديت بإنى قررت أسمى الأتيليه بتاعى بالاسم ده، عشان يكون دليل على قوة المرأة فى تنفيذ حلمها وشغفها».
وتضيف: «أول ٦ شهور لما بدأت شغل الأتيليه، كنت بأجيب الفساتين من المصانع وأعرضها عندى، وكنت بصمم طرح الزفاف والأحذية والتيجان بالفل والورد، بس حسيت إن أنا كده معملتش حاجة مختلفة، بقيت زى باقى الناس، وبعد كده قررت أعمل التصميمات بنفسى، وأديها لمصنع يفصلها، واللى ساعدنى فى كده مصمم الأزياء السورى عمار يوسف، وكان متعاونا جدًا معايا، وكان بيشجعنى ويقوللى إنتى عندك موهبة كبيرة فى التصميم».
وعلى عكس الفكرة المعتادة عن شدة رجال الصعيد تجاه بناتهم، وإلزامهن بالمنزل ووأد أى حلم يمكن أن يداعب أفكارهن، كان الوضع مختلفا لبنت المنيا، فقد كان وراء نجاحها والدها، الذى فطن لشغفها منذ نعومة أظافرها فكان لها ظهرا وسندا. تحكى عن ذلك: «الفضل فى الأول والأخير فى كل نجاحى هو والدى، كان دايما يشجعنى ويساندنى، من صغرى، ساندنى معنويًا وماديًا، ولما كنت أعمل أى حاجة جديدة وتفشل منى، كان يقول لى: (مش مشكلة.. جربى تانى)، وكان يوافقنى على كل خطوة أخطوها فى مجال التصميم، عمره ما تسبب لى فى إحباط، كل مشروع أقول له هجربه كان يشجعنى عليه، حتى لو كانت نسبة فشله ٩٠٪».
ولم تطمع «سحر» فى أن يكون أول «ديفيليه» لأبناء الصعيد مقتصرًا على عروضها وحدها، فأشركت به شباب المنيا الطموح، ممن لديهم مشروعات خاصة ولكن لم تمكنهم الظروف المالية من عرضها بالشكل المطلوب أمام الجمهور.

عارضات: نغير نظرة الناس لـ«بنات قبلى».. وعائلاتنا شجعونا وحضروا العرض
استطاع «الديفيليه» عرض أحدث صيحات الموضة من فساتين الزفاف والسواريه، وأن يخلق مغامرة جديدة من نوعها فى صعيد مصر، تمكن من خوضها عدد من الفتيات اللاتى كسرن حاجز الخجل المعتاد.
«لما عرفت بموضوع عرض الأزياء حبيت الفكرة وعشان كده حبيت أشارك كموديل سواريه».. بهذه الكلمات بدأت «منة أحمد»، طالبة المعهد العالى للدراسات النوعية، الحديث عن مغامرتها الجديدة.
كانت والدة «منة»، الفتاة العشرينية، خير مشجع لها على خوض هذه التجربة الجديدة، وتشجيعها على المشاركة فى عالم الموضة كموديل، فقد رأت إعجاب طفلتها بالعروض والأزياء: «ماما لما عرفت إنى مترددة أشارك فى العرض شجعتنى ودعمتنى وكمان هتحضر هى وبابا العرض». وتضيف: «التجربة جديدة وكمان فى الصعيد، فحبيت أشارك عشان أثبت عكس اللى الناس فاكرينه عننا.. أنا بدرس فى القاهرة والناس لما بتعرف إنى من المنيا بيفتكرونا مقفلين، فنفسى يغيروا الفكرة دى عننا لأننا زينا زيهم.. الفكرة إن كل مكان بتحكمه عادات وتقاليد، وده فى أى محافظة، مش فى المنيا بس».
ولم تختلف تجربة «علياء عامر»، خريجة كلية الحقوق، عن سابقتها، فـ«نداهة» بالمغامرة الجديدة دفعتها للمشاركة، وتقول «علياء»: «مبسوطة إنى هشارك فى حاجة جديدة، وأول مرة أعملها، لأن هتكون دى أول مرة أطلع على (استيدج) وأعرض قدام الناس، بالنسبة لى دى مغامرة ومش أى حد يعملها، خاصة هنا فى الصعيد.. إن حد طلع قدام الناس ومشى وورى نفسه والناس تتفرج عليه، عندنا هنا فى الصعيد صعب جدا». «علياء» أيضا لاقت دعما من والديها، فكان والدها خير مشجع لها على خوض هذه التجربة الجديدة.
وعلى العكس، قاومت «هدير أحمد»، ١٩ سنة، رفض أسرتها فكرة مشاركتها فى «الديفيليه»، وفضلت أن تخوض مغامرتها بحلوها ومرها مهما كانت عواقبها، وتقول «هدير»: «أسرتى مش موافقة إنى أشارك، لأنهم شايفينها عيب.. إزاى بنت تطلع تقف على مسرح قدام الناس وتعرض نفسها كده؟، ونظرة الأرياف عمومًا لأى حاجة جديدة بالنسبة للبنت بتكون عيب، إنما للولد عادى». ورغم ذلك، تحدت طالبة كلية الحقوق المجتمع والصعاب والظروف، كما تحدت قريتها «أطناى»، وقدمت إلى مركز مغاغة للمشاركة.
وتختتم «هدير»: «طبيعى إن البنات تتكسف، مفيش حاجة اسمها بنات الصعيد بتتكسف وبنات باقى البلاد لأ، أى بنت بتتكسف وأنا زيهم، بس طالما حاجة لها علاقة بحياتى وإنى أخوض تجربة جديدة، فلازم أكون أد التحدى، وأد الهدف، ولازم أكسر الكسوف ده».