رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى عمق الذات.. الهوية بين الحقيقة والادّعاء

جريدة الدستور

من أكون؟!.. وماذا أريد؟!
بداية رحلة البحث عن الهوية، أولى بوادر التحرر، وأول علامات الاستقلال.. وقفة مع الذات، تجميد لتروس آلات الحياة الدائرة بلا توقف تأخذنا إلي حيث أرادت بنا أن نكون! تلك هي اللحظة حيث يتوجب عليك أن تُحلق، فالانتظار لن يُجيب عن سؤالك، وخُطاكَ الواسعة لن تستطيع مجاراة ِتيهِ ما ستحصل عليه من إجابات!
فلا تسلك مسالك السالكين، ولا تطرق أبوابًا فُتِّحَت بأيدي آخرين، ولا تبحث عن الطريق، فسوف يجدكَ طريقك الذي لم يعثر عليه أحد بعد. فقط، حلّق عاليًا.. ابتعد إلي سماءٍ خلفَ السماء.. تحرر من كل ما يكبل روحك إلي الأرض، فإما أن توقن بجهلك فيغمرك نورُ اليقين، وإما أن توقن بِعلمك.. فيغلفك ضلال ضوء مزور يُدعى الغرور، وما الغرور إلا صورتكَ في مرآة الأنا، ومن منا يرى ذاته كما يراها الآخرون؟ بل من منا يراها علي حقيقة ما تكون!
كل إنسانٍ – شاءَ أم أبى- يبحث عن هوية توافقه، هناك من يكتفي بتقمص هوية ما وما أن يختلي بنفسه يخلعها وكأنها قناع! وهناك من يكتفي بمجرد ادعاءها دون بذل جهدٍ في تقمصها، وهناك من يبحث جاهدًا للحصول علي هوية وإن كانت لا تشبهه، ليتحول إلي متعصب، ليس لديه تقبل لأي فكرٍ جديد قد يُعرِّضُ هويته للفقد أو قد يُصيب صورته الذهنية بأي خلل، فيكون علي أتم الاستعداد لأن يغالط المنطق والحقائق الواضحة نسبيًا، والثوابت الموزونة، في سبيل الحفاظ علي تلك الهوية المزعومة التي قد ناضل للحصول عليها.. في غير ساحات النضال.

ومسالكُ أخرى كثيرة، تُفضي جميعها إلي تدميرٍ ذاتي بل وشاملًا لكل من هم حوله. وأولئك في الحقيقةِ أشدُّ ضلالًا ممن لا يملكون هوية! لأنهم مُدّعون، والإدعاء كذب حتى وإن كان للتجمل والأسوأ أنه كذبٌ علي الذات، والكاذب إنسان لا يملك من الشجاعة ما يكفي لمواجهة نفسه. مثل هؤلاء، يربطون هويتهم المُدعاة إما بماديات أو بأشخاص، وهنا تكمن المشكلة! فكل مادي إلي زوال، وكل قلوب البشر إلي حيث لا مُستقر! فإذا ما زال عالمه المادي.. زالت هويته المزعومة، وإذا ما انقلب عليه الآخرون.. انقلبت هويته المُدعاة ضده، فازداد انجرافًا ببئر التيه، ليصبح أكثر ادعاءً.. وأعمق كذبًا.
قد تتشكل الهوية الحقيقية بمعطيات خارجية ولكنها مرتبطة بجوهرك الحقيقي، ونحن لا نختار ذلك ولا نقرره، وإنما تحسم قضية الهوية بالصدق مع الذات وبالفطرة وبالاستسلام.. بالتحرر من الفكر والتوحد مع عالم لا متناهي من الحرية.
فإن أردت لذاتك هوية حقيقية، فكن صادقًا مع ذاتك، فقط.. كن نفسك! ولا تفتعل الاختلاف.. لأنك بالفعل مختلف! ولأن افتعال الاختلاف لن يصنع منك سوى مسخًا مشوهًا، هو أبعد ما يكون عن حقيقتك.

https:www.facebook.com ياسمين-الخولي-281123748744762

[email protected]