رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«بائع الصحف» يبحث عن خبر مُبْهج: «نفسي أبطّل لف»

جريدة الدستور

في قلب ميدان التحرير ووسط أشعة الشمس الحارقة، جلس يختبئ من حرارتها ببعض أوراق الصحف التي يتخذها أداة لحجب الحرارة وجلب الرزق.

"رضوان طارق"، شاب يبدو في آخر العقد الثاني من عمره، رغم زعمه بأنه في الثانية والعشرين، لا يخفى عليك منذ النظرة الأولى التي توجهها له أن تدرك أنه غير متزن نفسيًا، وتدرك أيضًا أنه مثقل بحمل كبير من الأعباء والمسئولية، وهذا يفسّر عدم معرفته بعمره الحقيقي، فهو يعرف أوراق الجرائد أكثر من معرفته بسنوات عمره الضائعة، يكفي أنها محصلة عُمر كامل.

مع شروق أشعة الشمس وبداية صباح جديد، يأخذ رضوان طريقًا يعرف بدايته ولا يستطيع تقدير نهايته، فمن كشك توزيع الجرائد بمنطقة الدقي يبدأ يلملم أوراقه وفي نسختها أخبار وتقارير تهم الجميع ولا تهمه في شيء، فقط يريد أن ينتهي من توزيعها سريعًا ليحصل على مكسبه المكون من بضعة جنيهات، ثم يذهب لجلب قوت يومه، قد تنتهي الرحلة في الدقي مكان خط البداية وقد تمتد حتى آخر الجيزة، ولا يعبأ هو إلا بالرغبة في بيعها كلها.

يقول "رضوان" إن الجميع يجزم بمرضه النفسي إلا أنه لا يرى في نفسه ذلك فهو يدرك تمامًا الحياة من حوله ويعلم ما تحتويه الجرائد قبل صدورها، فماذا يمكن أن تحمل في نسختها أكثر مما يراه في الشارع من الناس، وما يفعله من أجلهم: "أنا مش تعبان، هما بيقولوا إنّي تعبان بس أنا بفهم أكتر منهم أنا فاهم إني محتاج أكل واتعالج وأعيش، واشتغل".

يسعى رضوان لزيادة رزقه طوال الوقت كونه ملتزما بمصاريف أسرة كاملة لا تنتهي احتياجاتها، يعود إليهم كل يوم إما محملًا ببعض الأموال أو نسخ من أوراق الجرايد التي لم ينته من بيعها ليجلس أمام المنزل المتهالك الذي يعيش فيه هو وأسرة كاملة مكونة من أم و3 أخوات، ويبدأ في سرد تفاصيل يومه محملًا بكم هائل من الالتزامات بين طعام وشراب وشراء الأدوية التي تدفعه إلى استمرار مسيرته المرهقة التي يعيشها كل يوم.

لا يريد بائع الصحف أن يستمر في «اللف بالشوارع»، حسب قوله فـ15 عامًا مدة كافية لأن ينهي بها هذه الخطوة ويتجه إلى خطوة أخرى تتمثل في حلم صغير "كشك صغير"، يكون مصدر رزق واستقراره: «أنا مش بطلب حاجه كبيرة، أنا نفسي بس في كشك أعيش منه وأبطّل لف في الشوارع».