رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من دروس الوحدة والانفصال


مرت الذكرى الستينية لتجربة الوحدة مع سوريا دون أن تلقى كثيرا من الاهتمام، ربما نتيجة للانشغال بتجربة العملية الشاملة سيناء ٢٠١٨، وما صاحبها من حشد لقوى الدولة للقضاء على العناصر الإرهابية، رغم أن تجربة حشد الجهود مهمة فى قضية الوحدة كما هى مهمة فى قضية مكافحة الإرهاب.

وربما يكون إهمال تجربة الوحدة والعمل العربى المشترك من أهم ما يجب الالتفات إليه، نظرا إلى أن الوحدة عموما هى محاولة لاكتساب القوة، وقد كانت لها أهداف نبيلة يمكن القول إنه صار الاتجاه إلى التخلى عنها عن قصد، وهو ما يوجب استعادة الأهداف التى أعلنت عند قيام الوحدة والبحث عما إذا كنا ما زلنا فى حاجة إليها، وما يجب عمله إزاءها الآن، فتجارب الأمم العظيمة لا تحال إلى التقاعد لا لبلوغ الستين ولا قبل ذلك أو بعده.
لقد جاء فى خطاب إعلان الوحدة مع سوريا فى مجلس الأمة ما يلى بقدر ما أتذكر ولا أظن أنى بعيد عنه: «لقد قامت فى الشرق دولة كبرى، دولة تحمى ولا تهدد، تصون ولا تبدد، وتوحد ولا تفرق، ترد كيد العدو، تشد أزر الصديق، لا تتحزب، ولا تتعصب، لا تنحرف ولا تنحاز، توفر الأمن والرخاء لها، لمن حولها، للعالمين جميعا بقدر ما تتحمل وتطيق». فنلاحظ أن الهدف إقامة دولة كبرى، والكبر هنا بمعنى القوة، ثم جاءت صفات الدولة الكبرى، وقد حملت الصفات جمعا من الصفات الحميدة التى يأمل الجميع فى أن تسود فى دول العالم، وهى هنا تشير إلى الجانب الإيجابى الذى نسعى إليه، والجانب السلبى الذى نتجنبه.
نتذكر هنا أن الدولة الكبرى هى محاولة لتحقيق القوة، فلا شك أن القوى المعادية هدفت إلى تفتيت دول المنطقة إلى دويلات صغيرة غير قادرة على تحمل الضغوط والتهديدات، وهو ما لجأت إليه الشعوب والأمم، والغريب أننا نرى دولا قوية وكبيرة تسعى إلى التوحد، بينما الدول الصغرى تتجه إلى مزيد من التجزئة والتفتيت. هكذا فإن أمريكا شكلت الولايات المتحدة الأمريكية، ولو أن كل ولاية ظلت بعيدة عن أخواتها لكانت هزيلة معرضة لأى تهديد، ولما استطاعت أن تبنى اقتصادا عملاقا يواجه باقى اقتصادات العالم، ويمكن رصد تجارب الشعوب فى روسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها كثير، وربما كانت تجربة الاتحاد الأوروبى، التى ما زالت تحبو، إحدى التجارب الهامة، ولكن ما يغيظنا هو الوضع العربى، الذى لا يكتفى بالتجزئة الحالية وإنما يتجه إلى التخلى لا عن تجربة الوحدة فقط، بل التخلى عن العمل المشترك كبديل أو مقدمة للوحدة. وهنا ربما أشير إلى أن وزراء دفاع حلف شمال الأطلنطى عقدوا اجتماعهم منذ أيام واتخذوا قرارات لدعم الحلف وموقفه، والعمل على مواجهة التهديدات، أمام ما يرونه تهديدات، بينما الدول العربية ما زالت تدرس تشكيل قوة عربية مشتركة ولا يجتمع وزراء دفاع الدول العربية ولو من أجل التعارف، بينما يجتمعون بمسئولى الدفاع من دول أخرى غير عربية، ولا يعترفون بتهديدات وتحديات تحتاج إلى مزيد من التعاون، ويتجاهلون مصادر التهديد، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مسئولية مصر فى ذلك كبيرة، وأنه إذا لم تقم بها مصر فلن يقوم بها آخرون، وأن مصر بطبيعتها يرتبط أمنها بأمن باقى الدول العربية أكثر من أى دولة أخرى.
لكن التجربة اشتملت على الوحدة والانفصال، وكان يجب الاهتمام بالنتيجة الثانية وهى أن الوحدة كما تجمع بين المتعاونين، فهى تجمع الأعداء أيضا، وإن كان ربما بشكل مختلف، فتجربة الانفصال تقول إن دولا كثيرة حاربت الانفصال أو عملت على إضعاف الوحدة، وإن كانت تريثت فى الاعتراف بالانفصال، ولقد عكس خطاب الانفصال هذا الوضع حينما نص على الآتى: «ولقد مضت على الحركة الانفصالية الرجعية فى سوريا عشرة أيام ولم تعترف بها إلا خمس دول، وأسميها بالدول تجاوزا، وهى: بقايا الأسرة الخائنة للتاريخ العربى فى عمان، وحكومة شان كاى تشيك المطرودة من الصين إلى فرموزا، والحكومة العسكرية الفاشية فى تركيا، وحكومة شركة الفواكه الأمريكية فى جواتيمالا، وحكومة أصدقاء إسرائيل فى طهران»، وما نخرج به أن الدول التى تآمرت على الوحدة لم تجرؤ على الاعتراف بالانفصال لحين قبول مصر بواقع الانفصال.
أخيرًا فإن الواقع يقول إنه كان هناك إصرار على محو الوحدة من الذاكرة بتغيير اسم «الجمهورية العربية المتحدة» وتغيير العلم بإضافة ما يسمى صقر قريش، وتغيير نشيدها بإضافة نشيد بلادى، فى محاولة لتغييب فكرة الوحدة عن أذهان الجماهير.