رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خطوة جديدة فى طريق السلامة


نجاح جديد حققته مصر، باجتيازها المراجعة الرابعة لسياساتها التجارية، التي عقدتها منظمة التجارة العالمية بجنيف، بحضور وفود ١٦٤ دولة، هي الدول الأعضاء بالمنظمة الدولية. ولا يعني ذلك أن الحياة «لونها بمبي» أو «فوشيا»، لكنه يشير إلى أننا تجاوزنا «سكة اللي يروح ما يرجعش»، وأعطينا ظهرنا لـ«سكة الندامة»، وبدأنا نسير، بثقة وثبات، في «سكة السلامة».

طوال يومين، استعرض الوفد المصري التطورات التي شهدها الاقتصاد المصري خلال الـ١٣ سنة الماضية، وقام بالرد على ٣٨١ سؤالًا طرحها أعضاء وفود الدول الأعضاء في المنظمة الدولية، تناولت مناخ الاستثمار في مصر، والسياسات المالية والنقدية، آليات تيسير التجارة، وتسهيل الإجراءات الجمركية، واتفاقيتي ﺍﻟﺤﻭﺍجز ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ (أو التقنية) ﻟﻠﺘﺠﺎﺭﺓ والتدابير الصحية، والمتطلبات الخاصة بالشفافية، وحقوق الملكية الفكرية. وجاءت الإجابات لتثبت حرص مصر على إتاحة كل المعلومات المتعلقة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل الذي قامت بتنفيذه مؤخرًا.. ولتوضح التزامنا الكامل بالنظام التجاري متعدد الأطراف، إضافة إلى التأكيد على إدراك مصر الكامل لكافة التحديات التي لا تزال تواجهها للوصول إلى أهدافها التنموية الاستراتيجية.

المراجعة السابقة لسياسات مصر التجارية، كانت سنة ٢٠٠٥، وبين المراجعتين، السابقة والحالية، حدثت تغيرات جذرية على المستويين السياسي والاقتصادي. إذ كانت مصر قد قامت بتطبيق سياسات اقتصادية تنموية وإصلاحات مرحلية، أدت إلى نمو سريع في الناتج القومي الإجمالي تراوح بين ٥ و٧٪ سنويًا، أعقبه انخفاض شديد منذ سنة ٢٠١١، بسبب تراجع الأنشطة الاقتصادية والتقلبات السياسية التي عصفت بعدد من دول المنطقة، تبعها ارتفاع نسبي سنة ٢٠١٥، بعد تبني الحكومة المصرية برنامجًا إصلاحيًا اقتصاديًا شاملًا، يتوافق مع استراتيجية التنمية المستدامة «رؤية مصر ٢٠٣٠»، التي وضعت الملف الاقتصادي في مقدمة أولوياتها. وتكفي الإشارة إلى انخفاض عجز الميزان التجاري بنحو ٢٠ مليار دولار خلال عامي «٢٠١٦-٢٠١٧» بعد زيادة الصادرات بنحو ٤ مليارات دولار، وانخفاض الواردات بنحو ١٦ مليار دولار.

النتائج تكشف المقدمات. ونتيجة المراجعة الرابعة قالت إن الوفد المصري أعد لها بشكل جيد. ومن السفير علاء يوسف، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف، عرفنا أن الردود الفنية الوافية على الأسئلة، الاستفسارات والتعليقات، أسهمت في حصول سياسات مصر التجارية على إشادة كل وفود الدول أعضاء المنظمة. وأكدت حرص مصر على تعزيز علاقاتها مع الشركاء التجاريين، للعمل سويًا على تقوية النظام التجاري متعدد الأطراف والمحافظة عليه، في ظل التحديات والتغيرات المتلاحقة التي تشهدها منظومة التجارة العالمية خلال المرحلة الحالية.

مع الردود الفنية الوافية، فإن ما تحقق على الأرض، أتاح لنا التأكيد على أن «مصر تمتلك حاليًا اقتصاد سوق مستقرًا ومنفتحًا»، وما بين التنصيص من كلمة طارق قابيل، رئيس الوفد المصري، وزير التجارة والصناعة، خلال الجلسة الافتتاحية لفعاليات المراجعة، والتي استعرض خلالها مستقبل الاقتصاد المصري في إطار استراتيجية التنمية المستدامة و«رؤية مصر ٢٠٣٠» كما تناول استراتيجية مصر لتعزيز التنمية الصناعية والتجارة الخارجية، التي تهدف إلى تحريك الاقتصاد بخطوات سريعة وثابتة لخلق بيئة أعمال أفضل، مؤكدًا حرصها على قوة علاقاتها مع الشركاء التجاريين لدعم النظام التجاري متعدد الأطراف، الذي يتسم بالمرونة ويقبل التغيرات الطارئة. موضحًا أن مصر بذلت جهودًا كبيرة لضمان تكامل اقتصادها مع منظومة الاقتصاد العالمي.

بالفعل، هناك إجراءات وإصلاحات عديدة اتخذتها مصر: تحرير سعر صرف الجنيه المصري، وتطوير البنية التحتية من خلال تطوير وإنشاء شبكة طرق جديدة، إنشاء محطات كهرباء جديدة لزيادة الطاقة الكهربائية للأغراض الاستهلاكية والإنتاجية، قانون التراخيص الصناعية الجديد، قانون سجل المستوردين، إنشاء هيئة تنمية الصادرات، إنشاء جهاز موحد للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، منظومة تيسير التجارة المصرية «EgyTrade»، بالإضافة إلى إنشاء العديد من المدن الصناعية، وغيرها، من الإصلاحات التي أسهمت في انخفاض معدلات البطالة، زيادة نمو الإنتاج الصناعي، زيادة احتياطي البنك المركزي، وانخفاض عجز الموازنة.

أيضًا، وهي تواصل سيرها في «سكة السلامة»، قامت مصر بالتصديق على اتفاقية تيسير التجارة، في يونيو الماضي، وتقوم حاليًا باتخاذ الخطوات اللازمة لإيداع وثيقة انضمامها إلى تلك الاتفاقية لدى منظمة التجارة العالمية. كما قطعت شوطًا كبيرًا في تيسير الإجراءات الجمركية، بتخفيضها عدد الوثائق المطلوبة لعمليات الاستيراد والتصدير، وسماحها بتقديمها إلكترونيًا بدءًا من إعداد النموذج الجمركي الموحد وليس انتهاءً بإصدار تصنيف التعريفات ومعدلاتها. وحتى تتواءم مع المعايير الدولية في مجال تدابير الصحة والصحة النباتية والحواجز التقنية أمام التجارة، فإنها تسعى إلى تفعيل منظومة عمل الهيئة القومية لسلامة الغذاء، وبحلول السنة المقبلة، سنة ٢٠١٩ سيتم الانتهاء من تعديل اللائحة التنظيمية الخاصة بها.

غير اجتياز مصر المراجعة الرابعة لسياساتها التجارية، وغير إجماع الدول الأعضاء بالمنظمة الدولية على الإشادة بتلك السياسات، هناك أيضًا، إشادة (أو شهادة) من جاي رايدر، مدير عام منظمة العمل الدولية، بالتطورات الإيجابية التي حققتها مصر على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، خلال هذه المرحلة القصيرة، بفضل برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أسهم في زيادة تنافسية الاقتصاد المصري إقليميًا ودوليًا. والإشارة هنا مهمة إلى أن مصر عضو في اتفاقية الـ«جات» منذ سنة ١٩٧٠، وأنها من الأعضاء المؤسسين لمنظمة التجارة العالمية.

مع ذلك، مع كل ذلك، ليس عيبًا أن تتفاءل بحذر، لكن العيب هو ألا يقل تشاؤمك وأنت ترى شهادات ثقة جديدة من المجتمع الدولي، تقول بوضوح إن مصر تسير، بثقة وثبات، في الطريق الصحيح أو طريق السلامة.