رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مدرّسون يحملون السلاح!


طالبان في مدرسة «كولومباين» الثانوية، بولاية كولورادو الأمريكية، قاما سنة ١٩٩٩ بإطلاق الرصاص على زملائهما، ثم انتحرا. وعن هذا الحادث، الذي أسفر عن مقتل ١٢ وإصابة ٢١ آخرين، أخرج مايكل مور فيلمه الوثائقي «بولينج فور كولومباين»، Bowling For Columbine، الذي نال عنه جائزة أوسكار سنة ٢٠٠٣، وفيه ربط بين ظاهرة العنف في المدارس الثانوية، وانتشار السلاح في أيدي الأمريكيين.

قبل هذا الحادث وبعده، وقبل الفيلم وبعده، تكررت الحوادث الشبيهة، وكان أحدثها مجزرة مدرسة «مارجوري ستونمان دوجلاس» الثانوية بولاية فلوريدا الأمريكية، التي وقعت الأربعاء الماضي، وراح ضحيتها ١٧ شخصًا، والتي جدّدت الجدل بشأن العنف المرتبط بحيازة الأسلحة في الولايات المتحدة، وأعادت الصراع بين المطالبين بسنّ تشريعات تحد من انتشار الأسلحة في أيدي الأمريكيين، ولوبي بيع الأسلحة أو الجمعية الوطنية الأمريكية للسلاح. وكحل بديل، اقترح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تسليح بعض المدرسين. «بعض»، وليس كل، حتى لا يتهمنا بتحريف تصريحاته!.

في عدة تغريدات، انتقد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وسائل الإعلام الأمريكية، واتهمها بتحريف تصريحاته حول تسليح المدرسين، أثناء لقائه بعدد من الطلبة الناجين من الحادثة الدموية وأهاليهم في البيت الأبيض، الأربعاء الماضي، مؤكدًا أن تصريحاته تم فهمها بشكل خاطئ، موضحًا أنه يؤيد السماح لبعض المدرسين المتدربين بحمل أسلحة مخبأة، على ألا يستعملونها إلّا في حالات الطوارئ. وأوضح: «لم أكن أنادي أبدًا بإعطاء المدرسين أسلحة، كما ذكرت الأخبار المزيفة (...) ما قلته هو أن ننظر في إمكانية تسليح ٢٠ في المائة من المدرسين المدربين على استخدام السلاح». وأضاف: «إن إطلاق النار يستمر في المتوسط ثلاث دقائق، قبل وصول الشرطة، وفي حال وجود سلاح مع مدرسين مدربين، فإن بإمكانهم حل المشكلة على الفور».

أمريكا هي الدولة الأولى في العالم من حيث عدد الأسلحة الموجودة بأيدي مدنيين، ومن حيث نسبة السلاح إلى عدد السكان. وفيها تجد البنادق ذات الأشكال المختلفة معروضة للبيع إلى جانب لعب الأطفال. وبينما يتضمن التعديل الثاني للدستور الأمريكي نصًا صريحًا على حق امتلاك الأفراد للسلاح، تقول الأرقام إن ٣٣ ألف أمريكي يتم قتلهم سنويًا في حوادث إطلاق نار. كما أن هناك أكثر من مليون ونصف المليون سجين في أمريكا بسبب استخدام السلاح. ومع أنه لا توجد أرقام رسمية بعدد الأسلحة التي يمتلكها مواطنون أمريكيون، تشير بعض التقديرات إلى أنها تتجاوز الـ٣٠٠ مليون قطعة. وأن صناعة الأسلحة الشخصية تدر ربحًا سنويًا يقدر بـ١٢ مليار دولار.

الفكرة، فكرة تسليح المدرسين، طرحها أحد أولياء أمور طلبة مدرسة فلوريدا، خلال جلسة جمعتهم بـالرئيس الأمريكي، استمرت ساعتين تقريبًا. وبعد أن قال إنها توافقت مع مقترح ناقشه باستفاضة مع مستشاريه، أضاف «ترامب» أنه سيطالب بفرض قيود جديدة على بيع الأسلحة، مع رفع سنّ شرائها إلى ٢١ عامًا، وأنه يتمنى أن يوافق عليها الكونجرس. والأرجح هو أن «ترامب» يراهن على رفض الكونجرس لهذه المطالب التي تتناقض مع وعوده لانتخابية التي نال عنها تأييد الجمعية الوطنية الأمريكية للسلاح، إحدى أقوى جماعات الضغط في واشنطن.

الجمعية الأمريكية الوطنية للسلاح، «إن آر إيه»، تأسست سنة ١٨٧١ وهي الراعي الرسمي للأسلحة الشخصية، ويزيد عدد أعضائها على الـ٥ ملايين أمريكي، وتمتلك نفوذًا سياسيًا وتأثيرًا كبيرًا على توجهات أصحاب القرار، وعلى أعضاء الكونجرس الأمريكي، ويقال إن هذه الجمعية تسهم في فوز أربعة من بين كل خمسة مرشحين تدعمهم في انتخابات الكونجرس، الأمر الذي يضمن لها مواجهة كل مشروعات القوانين التي يمكن أن تفرض قيودًا على حيازة واقتناء السلاح. وفي كتابه «صعود السلاح في أمريكا»، أكد بول باريت أن جماعات الضغط تستطيع عرقلة أي تشريع بالكونجرس وتمتلك نفوذًا على أعضائه.

هذه الجمعية، رفضت أي حديث عن رفع سن شراء الأسلحة الطويلة (البنادق) إلى ٢١ سنة، وفي مؤتمر المحافظين الذي انعقد، الخميس، في منطقة الـ«ناشيونال هاربر» في مريلاند (شمال العاصمة واشنطن)، طالب واين لابير، نائب الرئيس التنفيذي للجمعية، بضرورة حماية البلاد من الأفكار الاشتراكية التي يروج لها بعض السياسيين، استغلالًا لحادث فلوريدا، وطالب الحكومة الأمريكية بألا تبالغ في رد الفعل، واصفًا المطالبة بفرض مزيد من القيود على بيع الأسلحة بأنها تجاوزات ديمقراطية، ومضيفًا: «إنهم يريدون إهدار حق الحصول على السلاح تحت ذريعة حماية المدارس التي فشلوا في حمايتها، مع أن الشر يسير بيننا. والشيء الوحيد الذي يمنع شخصًا سيئًا يحمل السلاح هو وجود آخر صالح يحمل سلاحًا».

عدد من الطلاب الناجين من مذبحة مدرسة فلوريدا، تعهدوا بأن يكون الحادث نقطة تحول في النقاش الذي تشهده البلاد حول الحد من انتشار الأسلحة، وقالوا لشبكة «إيه بي سي» إنهم سينظمون مسيرات في مختلف أنحاء البلاد، لمطالبة المشرعين بتعديل قوانين حيازة السلاح. وفي استطلاع الرأي الذي نشره «معهد كوينيبياك»، الثلاثاء، أيّد ثلثا الأمريكيين (٦٦٪) سن قوانين أكثر صرامة بشأن بيع الأسلحة، مقابل أقل من الثلث (٣١٪) عارضوا ذلك.

غالبية الأمريكيين، إذن، يطالبون بتعديل قوانين حيازة السلاح. غير أن أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب لن يلتفتوا إلى ذلك، لأن مجرد المطالبة العلنية بتعديل القانون أو حتى الإدلاء بأي تصريحات عن الحد من بيع السلاح، قد تكلفهم مقاعدهم في الانتخابات التشريعية النصفية التي سيحل موعدها قريبًا. وتلك مجرد عينة من الديمقراطية على الطريقة الأمريكية!.