رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سليمان القلشي: «شارع الباجوري» تلخيص لفقه المصريين.. و«دلتا» ستكون دار النشر الأولى في مصر (حوار)

سليمان القلشي يتحدث
سليمان القلشي يتحدث للدستور

«أُقدّم تلخيص لفقه المواطن العادي في شارع الباجوري وأحلم بأن تكون «دلتا» دار النشر الأولى في مصر، و«اليوم الجديد» حلم يهدف لاستعادة عرش الصحافة الورقية».

من تلك الثلاثية دار حوار «الدستور» معه حول ذكريات الأمس وأحلام الغد، يؤكد أنه وهب منامه ونهاره لأجل الكلمة المطبوعة باعتبارها من الباقيات الصالحات الذي يتجاوز تأثيرها حدود الزمان والمكان.

يرى أنه نجح في يُحطّم القيود الثابتة لفن السيرة الذاتية بعدما نجح في أن يطوف بخيال القارئ بعيدًا عن أضواء وليالي القاهرة ليهبط به حيث يهوى قلبه وعقله داخل مدينة قويسنا بمحافظة المنوفية فهناك الواقع الثري بالنجاحات والإخفاقات والأحلام والأوهام أيضًا.

الكاتب والناشر سليمان القلشي التقته الدستور في حوار خاص بمناسبة صدور كتابه شارع الباجوري.. حكايات من الحياة»، والذي يرصد من خلاله بعضًا من ملامح سيرته الذاتية، محاولًا تقديم صورة درامية عن الخلفية الاجتماعية والسياسية والفكرية للدولة المصرية خلال حقبتي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، ودار شريط الحوار:







◘ بداية.. سليمان القلشي لماذا اخترت أن تكتب سيرتك الذاتية رغم تأكيدك بأن فصول رحلتك مع الورقة والقلم مازالت ممتدة؟
○ أولًا كتاب «حكايات من شارع الباجوري» ليس عملًا أقدم من خلاله وصفا دقيقًا وسردًا عميقًا لتجربتي الشخصية، فقط، ذلك العمل هو عبارة عن مقتطفات من حياتي أروي من خلاله مجموعة من المواقف المعينة التي عايشتها وعاصرتها.

ثانيًا، أنا لست من هواة وعاشقي أداء أدوار البطولة، والخجل لا يمنعني من الاعتراف بأن مسيرتي المهنية والشخصية ليس فيها من الأحداث الجسام ما يستدعي ويسترعي سردها في كتاب؛ أنا هنا فقط أقدم مجموعة من المواقف المعينة، التي مررت بها في حياتي مثل فترة أدائي للخدمة العسكرية، ورحلتي إلي الأردن وبعضًا من حكايات مرحلة الطفولة.

باختصار الكتاب ليس سيرة ذاتية بمعناها المتعارف والمتواتر؛ هو حالة أرصد من خلالها « فقه المواطن العادي»؛ وذلك بحسب الوصف الذي صاغه ببلاغة وروعة المناضل والكاتب الدكتور عمار علي حسن.

◘ تقول إن الكتاب عبارة عن «فقه المواطن العادي».. فماذا لديك من أقوال عن تلك الفترات التي ترصدها؟

○ عندما أقول إن الكتاب أقرب إلى « فقه المواطن العادي»، فما أقصده هنا هو أن يشعر كل من يقرأ هذا العمل بأن يقرأ لمحات من حياته الشخصية، أنا هنا أقدم هنا مجموعة من السير وليس سيرة ذاتية واحدة؛ وغايتي هنا تدور في أن يري القارئ فقه الحياة المصرية خلال الفترة من أواخر الستينات وبداية السبعينات؛ بما تشلمه من خلفيات اجتماعية وإنسانية بهدف الاستمتاع والاستفادة.

◘ شئنا أم أبينا، فالواقع يقول أن الكتاب يرصد مقتطفات من سيرتك الذاتية، وبالتالي لابد أن نسأل.. لماذا يقدم معظم الكتاب المصريين والعرب سيرتهم الذاتية أشبه بسير الملائكة والأنبياء وكأنهم لم يرتكبوا في حياتهم اثما أو خطيئة مثلما ترصد في سيرتك؟

- يبتسم مجيبًا:«ليس في حياتي شئ أخجل منه سواء على المستوى الإنساني أو الوطني، فكل القصص التي قصصتها في كتابي رويتها بكل الصدق والصراحة والدليل حكايتي عن فترة الدودة في نقطة آثارت الخلاف بيني وبين عدد من المقربين مني».

عندما بدأت في تسطير تلك الكلمات بيميني، كان هدفي هو الحديث عن الإنسان الموجدو بداخلي، وتفاعله مع البيئة المحيطة به؛ شارحًا كيف كانت الحياة تمضي بوتيرتها البسيطة واليسيرة رغم التحديات الجسام التي كانت تواجه أبناء هذا الجيل.

◘ الكتاب تدور أحداثه في 4 فصول تتنوع ما بين فترة الطفولة والسفر وفترة أداء الخدمة العسكرية بالإضافة إلي حكايات شارع الباجوري.. لماذا اخترت تلك الفترة تحديدًا، لتكون هي العنوان الرئيسي للكتاب؟
○ كل الفصول الخاصة بحياتي سواء التي سردتها في ذلك الكتاب أو التي لم أحكي وقائعها، تشترك جمعاء في شئ واحد، إلا وهو شارع الباجوري هذا المكان يرتبط بكل تجربة ومرحلة في حياتي عايشتها، إضافة إلي كونه من أهم الأماكن الشعبية في مدينة قويسنا.

هذا المكان كان تجسيدًا حي لكل ملامح اللُحمة والمودة بين فئات الشعب المصري آنذاك؛ في أوقات الحزن قبل الفرح، وفي لحظات المرح قبل نسائم السكون، من مر به عابرًا أو زائرًا أو مقيمًا دائمًا ما يحفر في ذاكرته ذكري لا تُنسي؛ وحتى وإن جاء الزحف العمراني في الفترات الماضية؛ ليقضي على الملامح الأثيرة لهذا الشارع، إلا أنه مازال يملك رونقًا لا يضاهيه أو ينافسه فيه أي مكان آخر.

◘ عادة ما يكتب البعض سيرته الذاتية لأجل محاكمة ماضٍ تولي وذلك بالاشتباك مع بعض القضايا.. فعلي من تطلق الرصاص في «حكايات من شارع الباجوري»؟

○ الفصول التي أوردتها ورويتها في كتابي، لم يكن الاشتباك فيها متاحًا، والسبب عائدًا إلي أنني كنت أركز على تقديم الخلفية الاجتماعية للمجتمع خلال أحد الفترات، دون أن أحاول من خلال تلك الكلمات تقديم محاكمة للتاريخ.

حاليًا أستعد لاشتباك آت لامحالة، فأنا الآن بصدد الانتهاء من كتابي « لماذا يكره المصريون المنايفة»؛ وهذا العمل أشتبك فيه مع المجتمع بأسره حيث أرصد دواعي ودوافع مشاعر الكره اليت يحملها البعض لمواطني محافظة المنوفية.

◘ رصدت عددًا من الفصول المهمة في حياتك داخل «حكايات من شارع الباجوري».. فلماذا لم تُلق الضوء على تجربتك الصحفية داخل الكتاب؟

○ تجربتي الصحفي أزعم أنها حالة خاصة، تستحق وبجدارة أن يتم رصد كواليسها بداخل كتاب مستقل؛ فأنا أقدم نفسي باعتباري واحدًا من القلائل الذين نجحوا في صناعة صحافة محلية قوية ومؤثرة تُضاهي وتتفوق علي بعض المشروعات الصحفية التي كانت تصدر من القاهرة.

فعندما قمت بإصدار جريدة الرسالة الجديدة التي كانت تهتم بتغطية أخبار محافظة المنوفية، نجحت تلك التجربة في أن صنع جالة صحفية خاصة ومؤثرة، وخصصت فصل كامل في كتابي الذي استعد لإصداره عن تلك الفترة الثرية والمهمة في رحلتي مع عالم الصحافة.

◘ رغم أن الإهداء في شارع الباجوري موجهة إلي ابنك، لكن هناك مَن يرى أن أسرتك لم يكن لها تواجد كبير داخل الكتاب.. تعقيبك؟

○ بخصوص إهدائي الكتاب إلي نجلي أحمد، فهي رسالة أحاول من خلالها تقديم بعض النُصح إلي جيل الشباب الذي ينتمي إليه ابني؛ فنحن أبناء لجيل عان وقاس من ويلات الأمور، لكنه مع ذلك لم يستسلم للظروف ولم يئن بالشكوي، وناضل من أجل تغيير واقعه إلي الأفضل عن طريق العمل والاجتهاد.

ومثلما ذكرت لك مسبقًا هذا الكتاب ليس سيرة ذاتية لمسيرتي، حتى أتحدث فيه عن أسرتي وعائلتي؛ إنما هو عبارة عن حكايات من الحياة، ولا أنكر أنني كانت لدي رغبة مُلحة وشديدة في أن أروي قصة الحب التي جمعت بيني وبين زوجتي في أحد فصول الكتاب؛ لكن نزولي على رغبتها الرافضة للنشر، لم أذكرها، واكتفيت فقط برصد بعضًا من تلك الملامح بين ثنايا السطور والكلمات.

◘ أليس من الغريب أن تدور أحداث كتابك داخل مدينة قويسنا بعيدًا عن أضواء القاهرة ولياليها مثلما جرت العادة؟

○ قويسنا هي الحقيقة الأهم في حياتي فتلك المدينة مازالت مسيطرة على شخصي بشكل كُلي وجزئي؛ وعندما اخترت أن أسرد تلك الحكايات من داخل مدينة قويسنا؛ فكان هذا نوعًا ومحاولة من كسر التابوه الثابت.

○ القارئ اعتاد دائما عند مطالعته لأي من فنون السير الذاتية الخاصة بمشاهير الشخصيات المصرية، أن يقرأ الحكايات الخاصة بالقاهرة وأضوائها وليالها، وبالتالي فعندما أتحدث عنها هنا مجددًا؛ فالمؤكد أنني لن أضُيف لتاريخها شئ.

الإضافة الحقيقية بالنسبة لي هو الحديث عن مشاكل المدن الصغيرة وتحولات الحياة فيها؛ فأنا في شارع الباجوري أقدم لأول مرة الأجواء الخاصة بالصحافة المحلية وكواليس الصراعات والتحالفات داخل المحليات.

◘ البعض يقول إن الكتاب أشبه برسالة إلي الشباب.. فهل تلك الفئة هي الجماهير التي يستهدفها سليمان القلشي في كتاباته؟

○ أؤكد لك أنني لم أكن قاصدًا أن يكون هذا العمل موجهًا إلي الشباب، لكن رؤية الكتابين الكبيرين عمار علي حسن وياسر ثابت هي من اعتبرت بأن العمل أشبه برسالة موجهة إلي جيل الشباب؛ وهو رأي أقدّره وأحترمه كثيرًا، وبشكل عام عندما أكتب فعادة لا أشغل بالي بمَن أخاطب؟؛ فدائما ما أقول إنني أكتب لمن يريد أن يقرأ.

◘ سليمان القلشي لو أتيحت لك الفرصة لكتابة السير الذاتية لأحد المشاهير.. فمن تلك الشخصية التي سيقع عليها الاختيار؟

○ أجاب على الفور الوزير الراحل كمال الشاذلي، فهذا الرجل كان يحمل بين جنباته الكثير من الخبايا والأسرار، وبحكم علاقتي الوثيقة به والتي قاربت 10 سنوات فقد روي الكثير والكثير منها؛ وأحلم باليوم الذي تكون تلك المذكرات بين يدي القارئ.

◘ بعد «شارع الباجوري» ماذا يمكن أن يقدمه قلمك للقارئ خلال الفترة المقبلة؟
○ هناك تحت الطبع الآن رواية إبراهيم إكا؛ وهي عبارة عن عمل تدور أحداثه داخل مدينة قويسنا، حول أحد المواطنين والذي يعمل «إسكافي»، يتأخذ قرارًا بالترشح في انتخابات المحليات، فيُحدث قراره هذا ضجة كبيرة؛ ويبدأ في التعرض لموجة من الضغوطات والتهديدات بهدف إثناءه عن قراره هذا، وتبدأ الأحداث في التصاعد حيث يتعرض للاختطاف قبل زيارة حسني مبارك للمدينة بـ48 ساعة، وحتي لا يُساء الفهم أو الظن أحداث هذه الرواية من وحي وخيال المؤلف ولا تمت للحقيقة بصِلة.
◘رغم الفترة القصيرة التي أطلت فيها دار «دلتا» للنشر داخل السوق المصري إلا أنها تمضي نحو النجاح بثبات.. فما هي أصل القصة والحكاية؟

○ دار دلتا للنشر كانت واحدة من الأحلام المؤجلة في حياتي؛ والسبب عائد إلي كون صناعة النشر من الصناعات الثقيلة باعتبارها لا تجلب ربحًا كثيرًا دائما إنما أحيانًا، خاصة وأن الكتاب ليس سلعة عليها طلب مثل المواد الغذائية!

لكن ما دفعنا إلي اقتحام ذلك الحقل الشائك، هو أن الكتاب لا يموت فهو سلعة لا تفني ودائمًا أدوم وأبقى، فعندما تتأمل التأويلات التي يعتمد عليها تنظيم «داعش» في سفك الدماء، تجدها تستند إلي مجموعة من الكتب يعود تاريخها إلي 2000 عام، لذا إيمانًا بأن الكتاب واحد من أهم أسلحة القوي الناعمة، فكان هنا قرارنا بإنشاء دار دلتا للنشر.

◘ البعض يرغب في التعرف على كواليس خلطة النجاح التي تمكنت دار دلتا من تقديمها للقارئ على طبق من ذهب خلال فترة وجيزة؟

○ خلطة النجاح التي صاغتها دار دلتا للنشر الفضل فيها منسوب لعدة أشخاص؛ أولهم بالطبع هو رجل الأعمال أحمد التلاوي مالك الدار وصاحب صحيفة «اليوم الجديد»؛ فهذا الرجل من القلائل الذين يعشقون تراب الدولة المصرية قولًا وعملا، ويكفي أن تعرف بأنه إلي الآن لم يضع في جيبه ولم يمسك بيده مليمًا واحدًا من الأرباح؛ فهو يؤمن بان ذلك الأمر رسالة يقدمها لوجه الله والوطن؛ وهذا الرجل أفضل نموذج وتجسيد لفكرة فصل الإدارة عن التحرير، هذا أولًا.

ثانيًا؛ دعني أشُيد بكتبية الموهوبين والذين يشكلون فريق عمل دار دلتا وهم الأساتذة أحمد سويلم ومحمد هشام عُبيه وحاتم صادق، والذين نجحوا في تذليل كافة العقبات أمام الكُتاب المتعاملين معنا بفضل رصيد العلاقات الجيدة التي يمتلكوها معهم، ويكفي أن تعرف أننا نجحنا خلال عامين في إصدار أكثر من 110 إصدار متنوع لأجيال تتنوع ما بين الكبار والشباب، ونأمل أن نستمر في ذلك؛ خاصة وأن التجربة الآن تمضي في مسارها الصحيح والمرسوم لها.

◘ وماذا عن تجربة صحيفة «اليوم الجديد» الأسبوعية؟
- تجربة اليوم الجديد كانت عبارة عن مشروع حلم، كان الهدف من إصداره هو أن يكون بمثابة الصوت المعبر عن الجيل الجديد، حيث كان هدفنا هو أن يعود القارئ من جديد لملامسة الورق والاستمتاع برائحة الحبر؛ لذا كنا حريصين على أن يتولي أمر تلك التجربة مجموعة من الشباب.

والآن التجربة تمضي بثبات فأصبحنا نمتلك جريدة وموقعًا متميزين ونأمل في أن تخطو التجربة إلي الأمام أكثر وأكثر؛ بالرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها الصحافة الورقية في الوقت الحالي.

◘ أخيرًا.. ماذا تبقّى لديك من أحلام تسعي لتحقيقها الفترات المقبلة؟
- حلمي الأكبر الذي أسعي لتحقيقه يتمثل في أن تكون دلتا دار النشر الأولي في مصر، وهو الحلم الذي قطعنا شوطًا كبيرًا نحو تحقيقه.