رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«وهم التعذيب».. كيف يعيش الإخوان فى السجون؟

صوره ارشيفيه
صوره ارشيفيه

يقضى كثير من عناصر جماعة الإخوان الإرهابية عقوبة السجن، جزاء وفاقًا لما قدموه من غدر وإرهاب بحق الوطن وأبنائه، ويعيشون خلف القضبان مخدرى الوعى، ولايزالون يحلمون بعودة رئيسهم «المعزول».

وما بين عناصر متورطة مع التنظيم فى مستنقع الدم، وأخرى منشقة عنه، يعيش الإخوان فى أحلك أوقات سقوطهم.

«الدستور» اخترقت الحياة الخاصة لـ«الإخوان» داخل السجون، لتكشف كيف يعيشون وراء القضبان، وما تفاصيل حياتهم اليومية، وطريقة تعامل إدارة السجون معهم.

فقرات فنية وترفيهية ومباريات كرة.. ونشرة أخبار وهمية تبشر بـ«ساعة الصفر»
روى سجناء سابقون ومنشقون عن الإخوان تفاصيل الحياة الخاصة لأفراد الجماعة وراء القضبان، وكشفوا عن وجود ما يسمى «قائد الغرفة»، الذى فى الغالب لا يختاره السجناء، بل يختاره قيادى فى الجماعة.
ولعل هذه – وفق شهادات السجناء والمنشقين- كانت البدايات الأولى للمشكلات، وشرارة المعارضة الداخلية، بعد أن تسببت الطريقة، التى يتم بها اختيار «قائد الغرفة» فى حدوث العديد من الأزمات، وأدت فى النهاية إلى إزعاج كافة السجناء، ووجود فريقين فى كل غرفة وزنزانة، الأول يقبل كل ما يملى عليه، وهذا إما نابعًا من الانتماء الأعمى للتنظيم، أو رضوخا لظروف السجن نفسه، والثانى كان منهم الذى يعارض من أجل المعارضة، أو يعارض من أجل التقويم والإصلاح.
البداية بـ«حمزة محسن»، القيادى المنشق عن الجماعة، المحكوم عليه بـ٢٥ عامًا سجنًا، الذى رأى أن «الإخوان» قسمان، أحدهما بيروقراطى، والآخر يندفع ناحية التطوير والتجديد، وقال: «عقب فشل الانقلاب فى تركيا، اجتمعنا أنا ومجموعة من الشباب فى سجن الفيوم، لعقد جلسات مناقشة مخصصة للمراجعة الفكرية، لنفاجأ بسجناء الجماعة ينظمون ندوة بجوارنا حتى يشوشوا علينا ويفشلوا مسعانا».
وأضاف: «لم يكتفوا بإفشال نشاطنا، لكنهم يتآمرون علينا، قيادات الجماعة يفشلون أى جهد للمراجعة داخل السجن، وهو ما أدى إلى انقسام السجناء إلى فريقين، وجعل أمواج الشك والريبة تنتاب الجميع، حتى الموالون وشديدو الانتماء أثارتهم هذه الأمور التى وصلت إلى التشابك بالأيدى».
ولم يختلف عنه القيادى عمرو عبدالحافظ، المنشق عن الجماعة، الذى قال فى رسالة خاصة: «تحول عنبر السجناء السياسيين إلى مؤسسة إخوانية تدار وفق رؤيتهم»، موضحًا أنه «فى ساحة التريض تقام صلاة الظهر تعقبها دروس معظمها دينية أو فقرات فنية ترفيهية».
وأضاف: «معظم السجناء يهتمون بممارسة رياضات مختلفة كالمشى والجرى وتنظيم مباريات فى كرة القدم والكرة الطائرة، ومعظمهم كذلك يهتمون بحفظ القرآن، وفى الزنازين بعد غلق الأبواب تنظم دروس أخرى، دينية فى معظمها كذلك، وتقام بقية الصلوات المفروضة، والحديث فى شأن السياسة لا ينقطع، السجناء يتلمسون الأخبار من هنا وهناك».
وتابع: «أما نحن فعقدنا عددًا من ورش العمل التى أنتجت مقترحات وتوصيات فيما يخص الفرد، وفيما يخص المجموع، واستمر هذا النشاط عدة أسابيع متتالية، وذهنى لايزال مشغولا بالإجابة عن مجموعة من التساؤلات».
وأشار إلى أن هذه التساؤلات تضمنت: «ما الإنجاز المفصلى الذى أريد أن أحققه فى نهاية المطاف؟ وما الهدف الأساسى الذى ينبغى أن أسعى إليه خلال فترة سجنى التى لا أدرى متى تنتهى؟ وما الدور الأهم الذى ينبغى أن يقوم به الإخوان فى السجون؟»، مضيفًا: «كان لا بد من المراجعة، بعد أن وصلت بنا هذه الأمور إلى طريق مسدود».

وكشف أن كل منشقى الجماعة فى السجون الآن يتحدثون عن «التقديس»، أى «عبادة التنظيم»، موضحًا: «بدون التقديس لن تكون هناك جماعة مترابطة، أو نظام هيكلى داخلها»، لافتًا إلى نجاح «الإخوان» فى أن تصنع حول قادتها هالة دعائية كبيرة، لتجعل أفرادها مترابطين تمامًا حول القادة.
وتابع: «كانت قيادة الإخوان التنظيمية بصفة عامة تحاول أن تجعل جيل الشباب يبدو كأبطالٍ حين يستمرون فى عبادة الأقنعة الزائفة».
ولفت «عبدالحافظ» إلى أن من بين السجناء صحفى خمسينى لا ينتمى إلى «الإخوان» تنظيميًا، لكنه يؤيدهم، يقف فى ساحة التريض يوميًا ليقدم نشرة أخبار مطعمة بتحليلاته، التى دائما ما تبشر أن «النظام يترنح»، وأن «ساعة الصفر قد حانت».
يسخر «عبدالحافظ» من هذه «الخزعبلات»، ويقول: «لا أعلم ما معنى ساعة الصفر.. أيقنت أن الإخوان مخدرون ومزيفون للوعى، وأنه من الممكن أن ينقلب السحر على الساحر يومًا».
واختتم: «يتفاوت الإخوان فى قضاء أوقاتهم داخل محابسهم حسب أعمارهم وميولهم واهتماماتهم ومؤهلاتهم العلمية والعملية، لكنهم يشتركون كنسخات كربونية طبق الأصل فى أمور تجمعهم، مهما اختلفت الثقافات والميول والأعمار».

سخرية من رسائل بديع: «اسكت بقى»
وفق ما كشفته المصادر لـ«الدستور»، لاتزال الجماعة تبعث برسائل باسم محمد بديع، مرشدها العام، أو محمد مرسى، رئيسها المعزول، إلى السجون، عن طريق الزيارات، أو عبر «أحبال تشد بين فتحات الزنازين العلوية».
وقالت المصادر: «عندما كانت الجماعة جسدًا واحدًا، حتى نهايات ٢٠١٥، كان الصف الإخوانى يتحسس هذه الرسائل، وأخبار قياداته بشغف وبطريقة تغشاها الهيبة والإجلال، وإذا عاد أحد السجناء من جلسة محاكمة فى إحدى القضايا التى تجمعه بمرشدهم فإنه يعود ليبلغ إخوانه رسالة (فضيلته)، بعد أداء صلاة الظهر على مسمع من جميع نزلاء العنبر».
وأضافت: «بالطبع الصمت المهيب يكون حاضرًا أثناء إلقاء الرسالة، فيما كان الغائب منهم يتساءل عن مضمون الرسالة وتفاصيلها، حتى وإن كانت مجرد أمور عادية بسيطة من وعاء الحياة».
وتابعت: «لكن، وبعد أعوام طوال مرت على محابسهم، وبعد أن دق شبح الانقسام مسمارًا آخر فى نعش جماعتهم، فإن تلك الرسائل أصبحت لا تصل إلى ذات المسامع، فغدت لا تلقى على الإطلاق قبولًا بين عامة أنصار الإخوان، فيما انقسم شباب الجماعة بين متهكم على أقوال (فضيلته)، ومتندر بها، وبين مشفق على قائد بلغ من العمر عتيًا، فيما أصبح لسان حال شباب آخرين يتمتم (يا ليته سكت)».
وواصلت المصادر: «أما الفئة الأخرى من شباب الجماعة، فتستمع إلى رسائل المرشد بدافع الفضول أو التطلع لانتهاء الأزمة، واستهلال بشائر النصر، وبالطبع يحصل أولئك على جرعات كبيرة من مسكنات يتطلعون دومًا إلى تعاطيها، فيما لاتزال هناك كتلة صلبة على موقفها السامع المطيع المنتظر للأوامر».
وعادة ما يكون أكبر «الإخوان» سنا، أو الأرفع منصبا، هو المسئول عنهم فى السجن، لكن بعد أن تعالت أخيرًا أصوات المنادين بـ«المؤسسية»، أصبح سجناء الإخوان، فى بعض السجون، ينتخبون فيما بينهم مسئولا عنهم. ولأن عقيدة «الإخوان» تتلخص فى كونهم «أصل»، والكون كله من حولهم تابع لهم، وكل الآخرين هم محض «دوائر تأثر» بهم، فإن ذلك المسئول الإخوانى يعين، بمعرفة كبار الجماعة، مسئولًا للتواصل مع إدارة السجن، فيرفع طلبات النزلاء ويتدخل فى حل المشكلات. وبالطبع يشترط فى ذلك المنسق الأمنى أن يكون من «الإخوان» لضمان ولائه.

دروس فى الفقه والتفسير.. والألعاب «دومينو» و«سودوكو»
يتكون سجن الاستقبال من ٤ عنابر «أ، ب، ج، د»، ويكون العنبران الأخيران للعناصر الخطرة، أما «أ، ب»، فيتكون كل منهما من ٤ أدوار، فى كل دور أكثر من ٣٠ غرفة، وفى كل غرفة ٢٠ فردًا، ويوجد بهذا السجن خليط من كل الأفكار، فيسجن به أعضاء اللجان الإخوانية المسلحة، وكذلك أعضاء «داعش»، الذين يستغلون ساحة التريض لإقامة حلقات دعوية نقاشية مع أعضاء اللجان الإخوانية، واستطاعوا جذب عدد كبير إليهم.
وأجبرت ظروف السجن أعضاء الإخوان على الاجتماع مع أعضاء «داعش»، وجهًا لوجه لشهور كاملة، مما أدى لحدوث مشكلات، أو نقاشات.
وفى إحدى المرات، وقع نقاش وصل إلى إدارة السجن ليلًا، صعد خلاله أحد أعضاء «داعش» وألقى كلمة دينية كفّر فيها العاملين بالديمقراطية، داعيًا شباب الإخوان للانضمام إليه، فتصدى بالرد عليه عضو إخوانى من محافظة الفيوم، سجين، وتوالت النقاشات والمعركة الكلامية، التى انتهت صباحًا بمعركة بالأيدى بين عدد من الأفراد من كلا التنظيمين. يفتح التريض ما بين العنابر يوميًا لكل الزنازين، وفى ذلك يتفاوت سجن وآخر، فسجن الفيوم كان حظه أكبر من سجن الوادى الجديد، أو وادى النطرون، وحاول الإخوان بالسجون تجميل صورتهم بعبارات باهتة تدعو نزلاء السجن لممارسة الأنشطة المختلفة الرياضية، والثقافية، والاجتماعية، فى حرية كاملة.
وفى الحقيقة، فإنهم كانوا يخفون تسلطًا مخيفًا، فهم لا يمانعون عقد الدروس الدينية، أو الدورات التدريبية، أو المسابقات الرياضية، أو المنتديات الثقافية من غيرهم، لكن شريطة أن تتم من خلالهم وتحت إشرافهم، فضلا عن المنع والقمع لأى أصوات معارضة تمارس نقدا ذاتيا من داخلهم.
فى بعض السجون، يلتقى الإخوان دوريًا ببعضهم فى مجموعات صغيرة، تتناول محتويات ثقافية محددة، تتعلق فى الغالب بدراسة آيات وأحاديث تخدم الأهداف المرحلية للتنظيم، وتهدف أيضًا تلك الملتقيات لتعميق الروابط بينهم، حتى لا يتهددهم خطر الانقسام أو دعاوى النقد.
فى التريض، تلك الساحة الكبيرة التى يلتقى فيها السجناء وقت الفسحة، تعقد الدروس اليومية التى يحاضر فيها رموز الجماعة، يحاولون التنويع بين المحتويات الثقافية، فيدرجون فقرة طبية مثلًا، أو نشرة أخبار، أو دورة تنمية بشرية، لكنهم فى الأغلب يدورون فى فلك علوم شرعية كالفقه، والحديث، والسيرة النبوية، والتاريخ الإسلامى، وهى علوم بالكاد تقيم صلب داعية إسلامى هاوٍ، مع إهمال ممنهج للعلوم الإنسانية كعلوم السياسة والاجتماع والفلسفة والاقتصاد.
أما فى الزنازين فمعظم الدروس لا يشتمل برنامجًا ثقافيًا، ولا يدرس سوى أحكام تلاوة القرآن وخواطر قرآنية وقصص الأنبياء والصحابة.
ويمكننا أن نجمل يوم الإخوان فى السجون، بأنه يمضى بين دروس الجماعة لهم، ولعب الدومينو وحل السودوكو والكلمات المتقاطعة وقراءة الجرائد والأحاديث الجانبية التى لا تنتهى.