رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«النجم الثاقب» وأصل الخلق


عندما كنت طالبًا فى المرحلة الإعدادية، حدثنا أساتذة العلوم عن دورة حياة الماء -التبخر من المحيطات والبحيرات، التكاثف وتشكيل الغيوم، هطول المطر ليعيد ملء المحيطات والبحيرات- كل هذا كان له معنى، باستثناء شىء واحد: وهو أن أيًا من التفاصيل لم يشرح من أين أتى الماء، ليبدأ دورة حياته هذه، سألت هذا السؤال، لكن لم أسمع إجابة وقتها.. والآن مع تقدم العلم بات السؤال سهلًا والإجابة أسهل، وسنجدها فى السطور التالى:
حدث ذلك عندما وُجدت النجوم، بعد الانفجار العظيم، وقد أجاب علماء فيزياء الفلك عن هذا السؤال من خلال الاستناد إلى حدث فلكى يحدث خلال المراحل التطورية الأخيرة لحياة النجوم العملاقة يسمى بـ«المُسْتَعِرُ الأعظم»، أو الطارق الأعظم (Supernova سوبرنوفا)، حيث يحدث انفجار نجمى كارثى وهائل يقذف فيه النجم غلافه فى الفضاء عند نهاية عمره.
الكون فى نشأته كان مليئًا بسحب الغاز الكثيف الذى تشكلت منه النجوم بفعل قوى الجاذبية، والنجم ليس جسمًا مضيئًا فى الفضاء وحسب كما يظنه البعض، لكن داخل النجم تحدث سلسلة من التفاعلات النووية لإنتاج العناصر الأثقل ثم الأثقل، مثل السيلكون والكبريت والنيون والكالسيوم والنحاس والكروميوم والكربون والأكسجين.. وآخرها الحديد النيكل والحديد.
وكلما كان النجم عنصرًا من العناصر تمدد وتمدد، مثل الكرة عندما تظل تنتفخ وتزيد فى الحجم، وكل العناصر التى يكونها النجم فى حياته تتجمع حول مركزه فى صورة طبقات، أما مركز النجم فيتكون فيه النيكل والحديد.. يستمر النجم فى التمدد كلما كوّن عنصرًا من العناصر، لكن أول ما يكون النجم «الحديد» ومكانه هو مركز النجم نفسه، يفقد النجم قدرته على التمدد لأن مركزه يكون «حديد أصلب» من الصلب ولا يسمح بالتمدد، وفى هذه الحالة يكون شكل النجم مثل طبقات البصلة المشقوقة نصفين، كل العناصر التى كونها متجمعة فى صورة أغلفة أو طبقات حول مركزه، أما مركزه فهو عبارة عن كرة من الحديد فى حجم كوكب الأرض تقريبًا.
ينفجر النجم أول ما يتكون الحديد، وكأنّ الحديد هو كلمة السر، ويظل مركز النجم هذا كنوع ثان من النجوم أصغر فى الحجم، لكنه طبعًا دليل على انفجار نجم أكبر منه. والنجم الجديد الناتج هذا (مركز النجم الكبير)، له مواصفات خاصة جدًا.
أولًا: مادته أصلب من الصلب وفائق الكثافة جدًا، ووزن ملعقة شاى من مادته، مثل وزن جبال إيفرست وهذا هو تشبيه وكالة «ناسا»، أطلق عليه علماء الفيزياء اسم النجم النابض، أو «بالسر»، وذلك لأنه يرسل نبضات تطرق صفحة الفضاء بصورة مستمرة.
صورته «ناسا» بأشعة إكس، وهو يثقب أحد الأقراص النجمية فى الفضاء، ونشرته عبر صفحتها فى ٢٣ يوليو ٢٠١٥، وعلقت قائلة: «النجم النابض الناتج عن الانفجار النجمى سوبر نوفا (الاسم العلمى لانفجار النجم الكبير) يحدث ثقبًا فى أحد الأقراص النجمية».
أما العناصر الترابية التى تشكلت فى النجم الكبير، فتقذف فى الفضاء ساعة انفجاره فى صورة تراب.. تراب النجم، وأول ما يقذف تراب النجم المحمل بالأكسجين فى الفضاء يتحد الأكسجين بالهيدروجين لأول مرة، ويكونان الماء على سطحه، وبهذا تكون خرجت أول مياه فى الكون ما بين الحديد الصلب، أو مركز النجم المتصلب الذى أصبح النجم النابض بعد ذلك، وما بين أنواع التراب المختلفة.
وتلك هى المواد النجمية التى مثلما قال عنها كارل ساجان، إنها السبب فى خلقنا وخلق كل شىء نراه حولنا، وحتى فى خلق الكرسى الحديد المتحرك الذى يجلس عليه عالم الفيزياء الشهى رستيفن هوكينج، مثلما قال الأخير عن نفسه بالضبط.
وقبل أن يولد كارل ساجان وأجداد أجداد أجداد أجداده، أقسم لنا ربنا فى القرآن بنجم محدد بذاته وخصه بصفة إنه نجم ثاقب، إننا قد خلقنا من مياه بتخرج من بين الصلب وأنواع مختلفة من الترابة، «وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ. النَّجْمُ الثَّاقِبُ. إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ. فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ. خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ». ما هى الترائب هى لفظة جمع لكلمة «ترابة» وتعنى أسمنت. تماما مثلما تجمع كلمة «عمامة» عمائم.