رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد فودة يكتب: فى الروضة الشريفة .. تذوب المعانى ويتوقف الكلام

الروضة الشريفة
الروضة الشريفة

ما أروع أن نرى فضل الله علينا بأعيننا نحس به ونعيشه ونتنفسه بل نشم رائحته العطرة ..لأن فضل الله على البشر له طعم ولون ورائحة ..هذا ما شعرت به وعشته واستمتعت بنفحاته وفيضه الكريم حينما أكرمنى الله جل شأنه بزيارة بيته الحرام والاستمتاع بالقرب من قبر سيدنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام فى المدينة المنورة حيث يرقد الحبيب .
في رحاب الحبيب بين الجوار والحوار تنطلق الأحاسيس والمشاعر ، تتجلي علي الانسان أصدق المعاني والجواهر حين تجتمع بركة الزمان بنفحات الأيام وبركة المكان فما أطيب يثرِب في ثراها اقدام الحبيب وفيها تتنزل الرحمات محفوفة بالتجليات ، انها لحظة صفاء. وحالة من الوصل والاتصال تسمو فيها الروح وترتقي النفس ويتحول الانسان من حال الي حال لو اقسم علي الله لأبرّه حيث تستجاب الدعوات وتجاب الطلبات وتتضاءل الأشياء مهما غلت وتصغر الأمور مهما علت ولَم يبقي لك الا جاه حبيبك المصطفي بين الجوار والحوار ليحدث الوصل والوصال بخالقك وبارئك ومقدرك فتخرق النواميس وتذوب الأحاسيس عشقا في رسول الله وحبا في مولاه
فما أن دخلت المدينة المنورة تملكنى احساس خاص لا مثيل له ، احساس بالاحتواء وكأن مدينة رسول الله تفتح ذراعيها لتحتوينى ، وعلى الرغم من أننى زرت من قبل المدينة المنورة عدة مرات الا أننى فى كل مرة اشعر نفس الشعور وينتابنى احساس بأننى ازورها لأول مرة ،الطيبة تكسو وجوه اهل المدينة الانقياء والسماحة عنوانا لتعاملاتهم اليومية والنية الصافية والصادقة تحكم تصرفاتهم مع عشاق الحبيب المصطفى .
أما دخول المسجد النبوى فهو يمثل حالة مختلفة تماما .. حالة تمتزج فيها الروحانيات بعبق الايمان الذى يفوح من كافة ارجاء المسجد .. الانوار المحمدية تطغى على انوار الاضاءة العادية.. شئ ما يأخذك الى عالم التقوى والورع ويسحبك بعيداً وكأنك تعيش مسحوراً بشئ ما لا تراه بالعين المجرده وانما يخطفك بسحره وغموضه ليجعلك تعيش حالة روحانية لا مثيل لها.
والأمر يختلف تماما حينما تقترب من الروضة الشريفة تلك البقعة الصغيرة من الارض المباركة التى تتوسط بين قبر الرسول الكريم وبين منبره والتى قال عنها الرسول المصطفى "بين قبرى ومنبرى روضة من رياض الجنة" ..
يا الله .. ما أجملها لحظات وانا اصلى فى تلك الروضة واسجد لله حامداً شاكراً فضله الذى اغترف منه صباح مساء ..وما احلاها واطيبها تلك الكلمات التى تخرج من القلب داعيا الله عز وجل وانا فى هذا المكان الطاهر مخلصاً الدعاء لأحبتى واصدقائى واقاربى .. وما اروعها وأطيبها ايضا لحظة الصدق التى ادعو فيها لمن اعلم جيداً انهم يناصبونى العداء .. نعم أدعو لهم بصدق وبنية مخلصة ان يطهر الله قلوبهم ويهديهم طريق الصواب ويمنحهم القدرة على التعامل مع الآخرين من منطلق أن الحياة فيها متسع للجميع وأنه لا مبرر لهذا الكم الهائل الذى يملأ قلوبهم من الغل والحقد والكراهية والسواد الذى يكاد يكسو وجوههم .
لقد عشت أياماً لن انساها ما حييت وأنا فى ظل مدينة رسول الله .. اياماً هى بالفعل اجمل واصدق واروع ايام العمر ، فقد جئت الى زيارة قبر رسول الله وانا يحدونى الأمل فى البقاء اكبر وقت ممكن فى ظل تلك الحالة الروحانية شديدة التعلق بسيدنا رسول الله فقد اعتدت وعلى مدى سنوات أنه كلما ضقت ذرعا من هموم الدنيا أجدنى مشدوداً الى المدينة الطاهرة منساقاً وراء رغبة عارمة تتملكنى وتشدنى شداً نحو المكان الذى عاش ومات فيه سيدنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام .. لأغترف من روحانياته واغتسل من هموم الدنيا واصفى ذهنى من تلك الأزمات التى تظهر فجأة وتختفى فجأة ، ولكن هنا وعلى وجه الخصوص عرفت السر وفهمت معنى الانسلاخ عن هذا الواقع الذى نعيشه ، الواقع المليئ بالصراعات والمهاترات والمعاناة .. صحيح خلقنا الله فى حالة عراك مستمر مع الحياة بقوله جل شأنه فى كتابه الكريم "لقد خلقنا الانسان فى كبد" صدق الله العظيم .. الا أنه حتى هذه المعاناة وهذا الصراع مع معترك الدنيا يذوب ويختفى من حياتى تماما حينما تطأ قدماى ارض المدينة ولحظة أن أتوضأ لأقف بين يدى الخالق فى الروضة الشريفة .
اللهم تقبل منى زيارة بيتك الحرام وأداء مناسك العمرة .. وامنحنى القدرة على التزود من بركة ونفحات الاقتراب من قبر حبيبك المصطفى فى المسجد النبوى الشريف.
اللهم آمين .. اللهم آمين.