رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العملية الاستراتيجية الشاملة اختبار للدولة




بدأت القوات المسلحة المصرية، اعتبارا من صباح الجمعة ٩٢٢٠١٨، عملية عسكرية شاملة بعد أن رفعت درجة استعدادها إلى الدرجة العليا.. وأوضحت، فى بياناتها المتتالية، أن العملية شاملة وفى جميع الاتجاهات الاستراتيجية.
وبدا من الواضح أن القوات ستشارك فى العملية، وأنها فى نفس الوقت تتدرب وباستخدام الذخيرة الحية، كما أن القوات المسلحة تعاونها الشرطة فى تأدية مهامها، بل باقى أجهزة الدولة، وربما لأول مرة يقال إن الشعب مشارك فيها، وهو ما يشير إلى أن العملية حقيقية وليست مجرد تدريب، وأنها موجهة فى القسم الأكبر منها ضد العناصر الإرهابية، حيث لا مقاومة للإرهاب بدون مشاركة الشعب، وهو ما بدا فى الأشهر الأخيرة، خاصة بعد عملية مسجد الروضة.
بدت العملية الشاملة غريبة على القارئ المصرى، باعتبار أن القوات المسلحة لم تتعود على دعوة الشعب، أما التعاون مع وزارة الداخلية، بما فيها الشرطة المدنية، فهو أمر لم يكن غريبا، خاصة بعد أحداث ٢٨ يناير ٢٠١١، ولكن التعاون مع باقى أجهزة الدولة لم يرتفع كثيرا فى الفترة السابقة.. وأصبح من الضرورى استمرار شرح التعاون الممكن بين الشعب وأجهزة الدولة وتطويره، ولعلنا لا ننسى أن العدو الصهيونى لا يتوانى عن تنظيم وإجراء مثل هذه العمليات.
من الواضح من بيانات القوات المسلحة، حتى وقت كتابة المقال، أن هناك معلومات استخباراتية قد سبقت العملية الشاملة، وأن المعلومات تقول بأن جهات ما كانت تخطط للقيام بأعمال لنشر الفوضى فى مصر، فى محاولة للإيحاء بأن النظام أو الدولة غير قادرة على فرض السيطرة على البلد، وأن القيادة قررت أن تجرى العملية فى هذا التوقيت كعمل استباقى يحبط تحضيرات القوى المخططة للإرهاب ويمنعها من تحقيق أهدافها، غير أننى أرجح أن الدولة كانت تخطط لإجراء مثل هذه العملية، وربما يتذكر القراء أنه سبق لرئيس الجمهورية أن تحدث عن انتشار القوات فى مصر خلال ست ساعات، بما يعنى أنه كان هناك تخطيط لشىء من هذا، كما نتذكر أن رئيس الجمهورية سبق أن كلف رئيس أركان حرب القوات المسلحة بالقضاء على الإرهاب خلال ثلاثة أشهر.
من أهم ما يمكن تحقيقه خلال عملية شاملة من هذا النوع أن تتدرب القيادات على مواجهة الاحتمالات المختلفة خلال ظروف مشابهة للحرب، وألا تكون الاحتمالات كلها عسكرية، فإدارة الأزمة يمكن أن تواجه احتمالات سياسية بأن تغير دولة أو أكثر من توجهها السياسى ليكون مضادا لمصلحة مصر، بينما تختفى سلعة استراتيجية أو أكثر من الأسواق، واحتمال تعرض المواصلات البحرية للتهديد، كما تتعرض معنويات الشعب لشائعات وأخبار ذات أثر سلبى تنتشر فى زمن الحروب والبحث عن كيفية مواجهتها. فى مثل هذه العمليات نجد أن السلطات وأجهزتها التنفيذية، بصفة خاصة، عليها أن تجد حلولا للمواقف التى تتعرض لها، وأن تكون هذه الحلول ذات طابع فورى من جهة، بينما يجرى التفكير لحلول طويلة المدى. وعلى السلطات الأخرى أن تستنبط واجباتها وأدواتها فى مثل هذه الظروف بعد انتهاء العملية.
من الطبيعى أن تكون عناصر القوات المسلحة هى أكثر المستفيدين من تنفيذ هذه العملية، سواء عن طريق القضاء على بعض العناصر المضادة، أو من خلال ما تتعرض له من مواقف أن تطور من أدائها واستخدام وسائلها وأدواتها لمواجهة المخاطر ولتمكينها من تحقيق أهدافها، لكن هذه القوات يجب ألا تنسى أنها لها دور سياسى، وأن حماية المواطن من أعمال أعدائه يجب ألا تؤدى إلى الإضرار بهذا المواطن قدر الإمكان، ولنتذكر أن الأعداء سيظلون يتصيدون الأخطاء حتى يسلبوا قواتنا ما حققته من وحدة مع الشعب، بل ربما كان من المناسب البحث عن أساليب تمكن من اجتذاب بعض العناصر التى أمكن للعدو تجنيدها.
مثل هذه العمليات تحاكى احتمال أن تواجه الدولة كل التهديدات المحتملة لها فى وقت واحد، والتهديدات هنا هى تهديدات لا تقتصر على العسكرية منها أو على نوع واحد من التهديدات، فيفترض فرض احتمال التهديد السياسى والاقتصادى، والإعلامى وغيرها لاختبار باقى أجهزة الدولة ووعيها بنوع التهديدات المحتملة، لذا فإن دراسة العملية بعد انتهائها، أو انتهاء مرحلة منها أمر ضرورى لتقييمها والخروج بدروس مستفادة لمحاولة تصويبها أو العمل على ذلك، وألا نكتفى بما يحدث خلال العملية، بل نستمر فى محاولة استنباط إجراءات وأساليب لمواجهة نقاط الضعف التى تظهر. هكذا فإن العملية الشاملة تشكل اختبارا للدولة يجب أن نستفيد منه أقصى استفادة ممكنة.