رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تتحرك «خفافيش الجماعة» فى قلب أوروبا؟

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

على مدار عقود، أدى وجود الإسلام السياسى فى أوروبا والنشاط المنظم لجماعاته إلى هيمنة تلك المجموعات على قطاع مهم من الفضاء السياسى الأوروبى، ما أثر على وجهات نظر الدول الغربية تجاه الأحداث التى مرت بها المنطقة فى السنوات الأخيرة.
وفى ظل الهجمات الإرهابية التى شهدتها القارة الأوروبية فى الفترة الأخيرة، والجهود الدبلوماسية التى بذلتها الحكومة المصرية، وبعض الدول العربية من أجل توضيح مخاطر الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها «الإخوان»،- بدأت بعض الدول مؤخرا فى مراجعة مواقفها من الجماعة، واستضافة عناصرها فى بلادها.
«الدستور» ترصد الوجود الإخوانى فى الدول الغربية وتكشف فى السطور التالية أسباب التردد الذى يهيمن على تعامل الدول الأوروبية مع التنظيم الإرهابى، فى ظل العلاقات والتفاهمات المشتركة التى ربطت بين عناصره وبعض الحكومات الأوروبية على مدار عقود.

التنظيم الدولى تغلغل فى لندن على مدى عقود.. والمدينة تحولت إلى مركز قيادة إخوانى
منذ أربعينيات القرن العشرين، وفرت بريطانيا الدعم والحماية واللجوء السياسى لقيادات جماعة الإخوان، رغم أن نشاط الجماعة لم يظهر بشكل مؤثر فى بريطانيا إلا مع حقبة السبعينيات.
وبحلول عام ١٩٩٧، أسس الإخوان الرابطة الإسلامية (MAB)، التى كلفها التنظيم الأم فى مصر بمهاجمة أنظمة الحكم فى كافة الدول الإسلامية، للتأثير على صانع القرار البريطانى، وجعل الرأى العام هناك يتبنى مواقف الجماعة ومظلوميتها.
واستند نشاط الإخوان فى المملكة المتحدة إلى المؤسسات، التى يديرها كوادر التنظيم الهاربون من مصر والعراق والأردن وفلسطين، وعلى رأسها، مركز «الرفاه الإسلامى» ومؤسسة «إنتيربال»، (التى تتهمها وزارة الخزانة الأمريكية بتمويل الإرهاب)، ومركز «المشرق» للخدمات الإعلامية، ومركز الدراسات السياسية الدولية فى لندن، والمجلس الإسلامى البريطانى، وهو مظلة شاملة تضم فى عباءتها كل المنظمات الإخوانية العاملة فى بريطانيا، بالإضافة إلى ذلك، أسس الإخوانى عصام الحداد منظمة «الإغاثة الإسلامية فى لندن»، وافتتح لها العديد من الفروع فى جميع أنحاء العالم.
وفى السنوات الأخيرة، أحكمت قيادات الإخوان فى المملكة المتحدة قبضتها على ١٣ منظمة فى لندن وحدها، من خلال إدارتها من قبل ٣ قيادات هاربين من مصر، هم: عبدالله عصام الحداد وإبراهيم منير وإبراهيم الزيات. وتركز نشاط هذه المنظمات على تحويل الأموال من الخارج، والتلاعب عبر شركات الاستثمار فى المملكة المتحدة، للتأثير على المؤسسات التجارية، والشركات العقارية فى مصر، كما امتلكت الجماعة عددا من شركات «غسل الأموال»، تعمل فى جزر فيرجن البريطانية، من أجل تمويل أنشطة التنظيم عبر الاستفادة من أوجه القصور فى مراقبة التحويلات والمالية.
وحقق التنظيم الدولى للإخوان بتلك الخطوة القدرة على الهروب من أى محاولة لرصد مصادر تمويله، أو محاولات تتبعها من قبل الأجهزة المعنية بمكافحة غسل الأموال ومحاصرة تمويل الأنشطة الإرهابية.
ومع اشتداد أزمة الجماعة عقب انهيار مشروعها فى السنوات الأخيرة، تطلع الإخوان إلى لندن، من أجل تحويلها إلى مركز تتشكل به كيانات للمعارضة فى المنفى، وبمرور الوقت، زاد هذا التوجه، وقررت الجماعة التوسع فى نقل الصلاحيات إلى مكتب لندن، ما شكّل نقلة نوعية فى عملية اتخاذ القرارات داخل التنظيم. ورغم نجاح الإخوان فى صناعة بعض الكيانات، التى زعمت تمثيلها للمعارضة فى الخارج، مثل «المجلس الثورى» و«لجنة إدارة الأزمة» إلا أنه سرعان ما تراجع تأثير هذه الكيانات، فى ظل الجهود الدبلوماسية للدولة المصرية، حتى أصبحت عامل انقسام لعناصر الجماعة أكثر من كونها عامل توحيد للجهود.

الحكومة تبدأ تحريات تمهيدًا لتصنيف الجماعة «منظمة إرهابية»
بعد عقود من تغلغل الإخوان داخل مؤسساتها، واستخدامها فى الترويج للأنشطة الإرهابية، اكتشفت الحكومة البريطانية مؤخرا، وفى ظل تعرضها للهجمات، أن التنظيم استغل المنظمات الخيرية، التى يديرها فى لندن، لإرسال الأموال من أجل دعم العمليات والتنظيمات الإرهابية فى الشرق الأوسط وأوروبا.
الاكتشاف غير المفاجئ، والضغوط العربية، وتغيرات المواقف الدولية، دفعت حكومة المملكة المتحدة إلى اتخاذ قرار مراجعة أنشطة تنظيم الإخوان فى عام ٢٠١٥، ما مثل استجابة من رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، للضغوط السياسية أكثر من كونه موقفا مبدئيا للحكومة البريطانية.
وفى ظل تأكيدات كاميرون وقتها على اهتمامه البالغ بنتائج المراجعة، وتأكده من تبعية عدد كبير من المنظمات والجمعيات الخيرية والروابط لتنظيم الإخوان، أصبح اسم الإخوان مرتبطا بمؤشرات التطرف، ورغم ذلك لم تتخذ الحكومة البريطانية قرارها بحظر التنظيم الإرهابى، أو أى من المنظمات التابعة له.
ولم يتغير الموقف إلا عندما دقت الهجمات الإرهابية على رأس لندن، ما دفع الشعب البريطانى لمطالبة حكومته وبرلمانه باتخاذ كافة التدابير اللازمة لوقف نزيف الدم فى المملكة المتحدة، ووضع حد لسقوط الأبرياء فى حوادث إرهابية.
مؤخرا، اهتمت الأجهزة الأمنية فى لندن بمراقبة اتصالات الأفراد والمنظمات المشتبه بها، لتكتشف أنشطة تجرى على قدم وساق، عبر وسطاء أتراك، لتسهيل نقل الأموال وتسلل الأفراد من الجماعات الإرهابية من الأراضى السورية إلى مصر، وبالتحديد إلى سيناء، وذلك عقب الهزيمة الساحقة التى منى بها تنظيم «داعش» فى المنطقة. وكشفت التحريات البريطانية عن مخططات تنظيم الإخوان لشن هجمات جديدة تستهدف سفارات ومصالح أجنبية فى مصر، بما فيها السفارة البريطانية، علاوة على ضلوع التنظيم فى دعم معسكرات الإرهابيين فى ليبيا، والتخطيط لاغتيال مسئولين مصريين من أجل نشر الفوضى فى مصر، وتمويل شراء الأسلحة والمتفجرات بغرض تنفيذ عمليات إرهابية ضد القوات المسلحة المصرية.
كما تضمنت التحريات، اعترافات مسجلة من أعضاء تنظيم الإخوان، الذين أعلنوا أنهم ارتكبوا هجمات إرهابية بدعم لوجستى من عناصر التنظيم الهاربين إلى بريطانيا، بالإضافة إلى اعترافات باستغلال التبرعات لدعم عائلات الإرهابيين فى القاهرة.
وفى الآونة الأخيرة، طلبت الحكومة البريطانية من السلطات المصرية مزيدًا من الوثائق والتقارير، تمهيدًا لإدراج تنظيم الإخوان على لائحة المنظمات الإرهابية فى المملكة المتحدة، وهو ما يمكن أن يحدث فى المستقبل القريب.
وفى ضوء التطورات، رحلت بريطانيا بالفعل العديد من قيادات الإخوان من أراضيها إلى دول أخرى، بعد ثبوت علاقتهم بالكيانات الإرهابية.
وفى ظل تباطؤ الحكومات الغربية فى التعامل مع تلك الجماعات، ورفضها التعاطى مع الواقع بزعم عدم كفاية الأدلة، تصاعدت الانتقادات الأوروبية على المستوى الشعبى، وطالبت بوضع حد لعبث الإخوان بالأمن البريطانى، والأوروبى.
وكان نتيجة ذلك أن بادر وزير الخارجية البريطانى، بوريس جونسون، باتهام الإخوان على الصفحة الرسمية لوزارته بتاريخ ٧ ديسمبر ٢٠١٧، بدعم الإرهاب، قائلًا إن بعض أتباع الجماعة يغضون الطرف عن الإرهاب، ووصف مسلكهم بـ«المشين».
وأضاف جونسون أن الإخوان سعوا كثيرًا إلى التستر على جرائم «داعش»، وحتى عندما يعلن التنظيم مسئوليته عن بعض الجرائم، إذا بالإخوان يوجهون لومهم عن نفس الجريمة إلى الحكومة المصرية.
ووجَّه وزير الخارجية البريطانى ملاحظة للإخوان حول وجوب التفريق بين ما يعد معارضا للحكومة المصرية، وما يعد دعمًا للجرائم الإرهابية، مؤكدًا أن تضليل التنظيم يبرئ الجناة الحقيقيين، ويشجع الإرهاب باختلاق ادعاءات مبالغ فيها حول الحكومة المصرية.

تحقيقات جينكيز: الانتماء للتنظيم بداية التطرف
التراجع المتدرج فى الموقف البريطانى، وميله مؤخرا إلى حسم تردده بشأن استضافته عناصر التنظيم الإرهابى الهاربين إلى لندن، يعود إلى ديسمبر ٢٠١٥.
وقتها أصدر رئيس وزراء بريطانيا السابق ديفيد كاميرون، بعد ضغوط من مجلس العموم، ومطالبات برلمانية، أمرا بالتحقيق فى أنشطة الإخوان المريبة، وتم تشكيل لجنة فرعية منبثقة عن لجنة الشئون الخارجية، برئاسة سير جون جينكيز، سفير المملكة المتحدة السابق فى الرياض، لتولى التحقيق.
وأشارت تحقيقات جينكيز وجلسات الاستماع، التى عقدتها اللجنة الفرعية المعنية بالنظر فى أنشطة الإخوان، إلى وجود صلات قوية بين الجماعة والأفكار المتطرفة والمتشددة، إلا أن التحقيق لم يصدر قرارا نهائيا باعتبار تنظيم الإخوان منظمة إرهابية.
وبعد حوالى ٢٠ شهرا من تحقيقات جينكيز، خلصت اللجنة إلى نتيجة، مفادها أن «الانتماء إلى تنظيم الإخوان بداية الطريق نحو التطرف»، كما أكدت على تورط الإخوان فى أعمال متشددة واستغلالهم الدين لأغراض سياسية وسعيهم لإقامة دولة خلافتهم دون احترام للمكونات الأخرى.
ووفقًا لخبير مكافحة الإرهاب الكولونيل تيم كولنز، تضمن التقرير العديد من الوثائق التى تؤكد أن الإخوان لم يحظوا بثقة طوال تاريخهم الطويل فى بريطانيا، بسبب استخدامهم لغتين لمخاطبة الآخرين، فكتاباتهم وخطاباتهم للغرب باللغة الإنجليزية مختلفة بشكل كبير عن خطاباتهم المتشددة لجمهورهم باللغة العربية.
وأوضح كولنز أن شهادات الخبراء أمام لجنة العلاقات الخارجية، بمجلس اللوردات، أكدت أن تنظيم الإخوان هو عبارة عن جماعة متشددة تدعو للعنف، كما أثبتت تجربتهم فى مصر، والمناطق العربية والإسلامية، كما أن دعمهم للعنف أصاب بعضا من الدول الغربية.
وقال كولنز: «الإخوان استغلوا منظمات وجمعيات خيرية تم تسجيلها فى الغرب لتمويل أعمالهم ونشاطهم السياسى، علاوة على قدرتهم على التلاعب بعقول بعض المواطنين المسلمين المقيمين فى الغرب وتحويلهم إلى أشخاص خطيرين ومستعدين للقيام بأعمال تضر بأوطانهم». وتابع: «هذا التنظيم يقدم الدعم للمجرمين المستعدين للقيام بأعمال خطيرة ضد أوطانهم الجديدة فى الغرب، عبر شبكة تنظيمية سرية ذات أجندات خفية لا تتطابق مع ما يدّعيه فى خطابه للغرب»، مضيفا: «قيم تنظيم الإخوان تدعم التشدد والأعمال الإرهابية ولا تتطابق مع القيم فى الغرب ولا يحترم حقوق الإنسان أو القوانين الوطنية أو الحريات ولا قيم التسامح».

لماذا أدرجت بريطانيا «حسم» و«لواء الثورة» على لائحة الكيانات الإرهابية؟
فى خطوة مفاجئة، وبعد مراجعة أدلة الاعتداءات التى نفذها أنصار حركتى «حسم» و«لواء الثورة» ضد أفراد الأمن المصريين، قررت المملكة المتحدة إدراج التنظيمين على لائحة المنظمات الإرهابية، وهما حركتان معروفتان بانتمائهما لجماعة الإخوان، كما أكدت عناصرهما نفسها بشكل علنى.
ورغم استماتة التنظيم الإرهابى فى نفى انتماء «لواء الثورة» و«حسم» له، وزعمه أن التنظيم ليس لديه أجنحة مسلحة، إلا أن قيادات «حسم» و«لواء الثورة» أنفسهم أعلنوا انضواءهم وانتماءهم للإخوان.
وبعد مقتل القيادى الإخوانى محمد كمال، كشفت «حسم» فى بيان لها، أنها ردت على ذلك بعملية إرهابية، وفى ٨ أبريل الماضى، اعترفت منصات إعلامية تابعة للتنظيم ومجموعات «لواء الثورة» و«حسم» فى توقيتات متزامنة، بانتماء الشابين اللذين أعلنت وزارة الداخلية عن مقتلهما، أثناء اقتحام مزرعة بقرية الإمام الغزالى، بمحافظة البحيرة، إلى تنظيم الإخوان.
وفى مارس ٢٠١٧، أصدرت «جبهة محمد كمال» بيانًا اعترفت فيه أن «حسن محمد جلال» الذى أعلنت الداخلية المصرية اسمه ضمن أفراد حركة «حسم» - من أعضاء الإخوان، فيما دافع عنه الإخوان، وأثنوا على ما ارتكبه من جرائم.
وينظر عدد من المراقبين إلى أن إدراج حركتى «حسم» و«لواء الثورة» من مصر، وتنظيمى «سرايا الأشتر» و«سرايا المختار» من البحرين على قائمة المنظمات الإرهابية، لم يكن سوى البداية، بعد أن أدركت لندن خطورة تلك الجماعات على أمنها الخاص.
وعن نشاط المجموعتين، قال مختار عوض، المتخصص فى شئون الجماعات الإسلامية والسلفية فى الشرق الأوسط والباحث بجامعة جورج واشنطن: «يبدو أن (حسم) و(لواء الثورة) تمكنتا من تجنيد عدد محدود من شباب الإخوان، وهذه الاستجابة المحدودة للعنف يمكن إرجاعها على الأرجح إلى مجموعة من العوامل على رأسها الرفض المجتمعى واسع النطاق فى مصر للعنف فى حد ذاته». وأوضح أن سبب تركيز القرار البريطانى على «حسم» و«لواء الثورة» تحديدًا، هو أن الاستقرار الأمنى المستقبلى لمصر يتوقف جزئيًا على مسار هاتين المجموعتين، وما إذا كانت هناك أصوات أخرى داخل تنظيم الإخوان ومجتمع الإسلام السياسى الأوسع ستظهر دعمها العنف.
وقال: «تصاعد خطاب العنف الذى يحظى بالتأييد لن يقتصر نشاطه على الحدود المصرية، أى أن العنف إذا ازدهر، ووجد من يناصره سيتحول إلى موجات عنف عالمى عام، ولن يصبح أحد بمأمن منه، وحتى لو لم ينتشر هذا الجيل من الإخوان المسلحين، ففى نهاية المطاف، فإن انتشاره التدريجى يمكن أن يورط مجموعة واسعة من أعضاء التنظيم الإرهابى فى أعمال إرهابية ويزيد من احتمال تجنيد المزيد من الإخوان فى جماعات عنف صريح مثل تنظيمى القاعدة وداعش». وأضاف: «فى هذه الحالة، تكون حسم ولواء الثورة قد ساعدتا فى تدشين الاستعداد لدى شباب الإخوان للقبول بالعنف، على خلاف الادعاءات التى تنشرها الجماعة وتروج لها حول نبذ العنف، ما تسبب فى تحول الموقف الدولى تجاه التنظيم». وتابع: «أدى نجاح ثورة ٣٠ يونيو فى الإطاحة بنظام الإخوان، وهروب بعض القيادات والأعضاء إلى السودان وتركيا وقطر والعديد من الدول الأوروبية، إلى أن القدرات المالية التى كانت مقصورة إلى حد كبير على أنشطة الجماعة فى مصر صارت مشتتة، وتوافرت لها حرية الحركة الدولية، كما أن هناك شبكة متطورة عاكفة على جمع الأموال وإدارة أنشطة التدريب فى بلدان مجاورة مثل السودان، وهذا ما لم يتوافر للتنظيم الإرهابى من قبل».