رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يا سلام عليك يا سيسى


فى مؤتمر «حكاية وطن» تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى، كما لم يتحدث من قبل، خرج كلامه من القلب فوصل للقلوب المضيئة، إلا أنه لم يصل للقلوب المريضة، تلك القلوب التى استولى عليها الحقد والغل والغيرة والرغبة فى الانتقام، كان الرئيس صريحًا بشكل يخالف الأعراف الانتخابية، فلم يحدث من قبل فى أى انتخابات فى أى دولة أن يقف المرشح، صاحب الفرص الأعلى ليقول للناخبين: «إذا نجحت هتتعبوا معايا»! ولك أن تضع عند تلك العبارات ما تشاء من عبارات التعجب.
فالأصل أن المرشح يقدم الوعود، ويعد الشعب بجنات النعيم وحل جميع المشاكل، ولكن الرئيس عبدالفتاح السيسى لا يستطيع أن يكون إلا صادقًا، حتى ولو كان صدقه ضد معايير الدعاية الانتخابية، وفى مؤتمر «حكاية وطن» يستطيع المستمع للرئيس بروح متجردة أن يعرف أنه رجل يمتلك منظومة أخلاقية ودينية وإنسانية رائعة، فضلًا عن روحه الوطنية وحبه الشديد لمصر، يستطيع من شاهده وهو يتكلم فى المؤتمر أن يعرف أنه رجلٌ أمين صادق الوعد، بسيط متواضع، سريع البديهة، حاد الذكاء، كانت إجابته عن المرأة لا مثيل لها، ولا أظن أن أحدًا من رؤساء مصر قال فى مؤتمر عام بلا خجل أو مواربة إنه يساعد أهل بيته فى قضاء شئون البيت، وإنه يساعد فى تجهيز سفرة الطعام تكريمًا وإكرامًا لزوجته، أما حديثه عن والدته -رحمها الله- وحبه لها وتقديره لمكانتها فهو يدل على طيب الأصل وسمو الخُلُق، وقد شدنى الإعجاب إلى لفتاته الدقيقة وهو يضع أمام الجميع فارقًا بين الرجولة والذكورة، ثم يتحسر على الشاب الذى يتعرض للنساء فى الطرقات ويتحرش بهن، ويرد هؤلاء إلى الأصل الذى يجب أن يكونوا عليه، رجالا أصحاب خُلق ودين وإنسانية.
هذا جزء من كل، وأنا فى تلك الرؤية لا أفتعل من عندى وأعطى للرجل أكثر من حقه، ولكننى أنقل المعانى التى قالها هو، وأتحدث عن الصدق الذى أصبح جزءًا رئيسًا من شخصيته، والحقيقة أننى فى تقييمى للرئيس عبدالفتاح السيسى لا أتوقف كثيرًا على البرنامج، ولكننى أتوقف عند الشخصية وقدرتها على العمل والإنجاز، أتوقف عند مواقفه السياسية، أبحث فى شخصيته، عن خلفيته المعرفية، وعن ملكات الإتقان لديه، وقدرته على التفكير خارج الصندوق، وعن عفة لسانه، وعن مشاعره الفياضة التى قد تدفعه للبكاء، وهو حينها يُخفى دموعه أو قُل يحبسها، ففى بلادنا لا نتوقف كثيرًا فى اللحظات الفارقة للأمة على البرامج، ولكننا نتوقف عند الشخصيات، ونذهب إليها، ونستشرف ملكاتها وإمكاناتها، ونبحث فيها عن كنوزها المخفية فنستخرجها لكى يصبح صاحبها زعيمًا أسطوريًا، هكذا فعلنا عبر تاريخنا الحديث مع الوالى محمد على ومع مصطفى كامل، وسعد زغلول، ومصطفى النحاس، وجمال عبدالناصر، ولذلك فإن عبدالفتاح السيسى لم يتقدم هو للشعب فى المرة الأولى مخاطبًا إياه كى ينتخبه لرئاسة الجمهورية، ولكن العكس هو الذى كان، فقد ذهب الشعب إلى عبدالفتاح السيسى وكلفه بالترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، وهذا من الأمور النادرة فى تاريخ الشعوب، لم تحدث فى تاريخ مصر إلا مع قادة عسكريين ثلاثة هم سيف الدين قطز الذى كان يواجه التتار، ومحمد على الذى كان قائدًا ألبانيًا واجه مع المصريين الحملة الفرنسية، ثم مؤخرًا عبدالفتاح السيسى الذى واجه مع الشعب المصرى تتار الإخوان، خوارج الأمة، الذين كان الأمريكان يحركونهم لتقسيم مصر والقضاء عليها قضاءً تامًا.

ورغم الشعبية الجارفة للرئيس عبدالفتاح السيسى، إلا أنه واجه حربًا شرسة، فالإخوان اعتبروه عدوهم الأكبر، ألم يكن هو السيف الأكبر الذى أطاح بأحلامهم وأمانيهم، كما أن الأمريكان خصصوا أجهزة متخصصة لشن حرب إعلامية ضده، وقد تحركت هذه الأجهزة من خلال جمعيات مدنية، وقنوات فضائية، وشخصيات سياسية تربت على موائد أمريكا ونما جسدها من الهامبورجر، ولكن «الشيف» الأمريكى لم ينجح بطبخته الفاسدة فى إفساد صلابة الجسد المصرى الصحيح، كما لم يستطع التأثير فى حدة «السيف» المصرى المسمى عبدالفتاح السيسى، ورغم الإلحاح الشديد على الرئيس أن يصنع حزبًا يكون هو بمثابة الحزب الحاكم، إلا أنه رفض، وكان على حق عندما رفض، فذكريات الحزب الواحد مؤلمة ونتيجتها كانت فسادًا وإفسادًا، ولك أن تعتبر أن الحزبية الحقيقية بدأت من عهد السيسى، ولكى تكون التجربة ناجحة يجب أن نخلصها من سدنة الرئيس وكهنته، الباحثين عن كل حاكم والممجدين لكل رئيس، أولئك يصنعون قانونًا خاصًا بهم يتحول تدريجيًا إلى قانون يحكم مفاهيم العمل السياسى، ومن هذه المفاهيم ما كانت عليه الأحزاب فى عهد مبارك، إذ كانت أحزابًا لا تسعى للحكم ولا تفكر فيه وليس مطروحًا على خريطتها تداول السلطة، ولكن أحزاب جمهورية السيسى وإن كانت وليدة إلا أنها أخذت تشق طريقها دون عائق، فلم يضع السيسى عراقيل تحول دون التحام هذه الأحزاب بالجماهير، كما أنه لم يعظم من دور حزب بعينه ليعلو على باقى الأحزاب، ولكنه ترك الحياة السياسية تحبو على مهل، يدفعها للأمام ويتعهدها برعايته، وقد أثار هذا اندهاش البعض، إذ كانوا يعتقدون أن السيسى بخلفيته العسكرية سيخنق الحياة السياسية الحزبية ويجعلها كسابقتها، وقد زادت دهشتهم عندما وجدوا الرئيس، صاحب الخلفية العسكرية، يدعم كل مؤسسات المجتمع المدنى.
وبشكل متوازٍ بدأت عدة مشروعات قومية متخصصة، سواءً فى مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وبناء المدن العمرانية التى من شأنها أن تقضى على العشوائيات، فضلًا عن العاصمة الإدارية الجديدة، ذلك المشروع العملاق، والمفاعلات النووية، وتعظيم قدرات الجيش وبناء الأساطيل البحرية وغير ذلك كثير، المهم أن مشروعات كثيرة بدأت منذ اليوم الأول للرئيس، ولكن خفافيش الظلام أشعلوا حربًا ضد تقدم مصر، وكانت التحديات التى واجهها الرئيس كثيرة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وقد كان الإرهاب، ولايزال، هو أكثر تلك التحديات خطورة على الوطن، فالإرهاب غول يريد أن يمتص دماءنا، وحسنًا أن أدرك الرئيس أن مواجهة هذا الإرهاب لا يمكن أن تتم أمنيًا فقط، فكان أن أصدر قرارًا جمهوريًا، كان هو من القرارات الأولى له، بإنشاء مجلس قومى لمواجهة الإرهاب، وقد ضم هذا المجلس مجموعة من كبار علماء مصر ومبدعيها، وقد أعطى الرئيس لهذا المجلس سلطات واسعة، وجعل وزراء التعليم والإعلام والثقافة والشباب أعضاءً فيه بحكم وظائفهم وذلك لتنفيذ قرارات المجلس، وفى الوقت نفسه طلب الرئيس من الأزهر الشريف تبنى مشروع كبير للإصلاح الدينى، وفى خطبة تكليف الأزهر بالإصلاح الدينى طلب الرئيس منه أن يقدم للأمة مشروعًا دينيًا حضاريًا، يتواءم مع العصر ويدفع الأمة للأمام، على أن يفصل بين الدعوى والسياسى، وقال الرئيس فى خطبته إنه لا يُعقل أن نظل محكومين دينيًا من القبور، بحسب أن الاجتهادات توقفت وأصبحنا ننقل ما قاله الفقهاء القدامى الذين ماتوا وشبعوا موتًا، وكانوا قد اجتهدوا لزمنهم لا لزمننا، وجيلهم لا لأجيالنا، وطلب من الأزهر أن تكون ملامح هذا المشروع واضحة تمام الوضوح فى التفريق بين الفقه والشريعة، وبين التدين والدين، وبين النص المقدس وفهمنا لهذا النص.

ولم يغفل الرئيس دور مصر الخارجى، فبدأ فى عدة زيارات استُقبل فيها بشكل أسطورى واتضح منها أنه بدأ يعيد الهيبة لمصر، ثم دخل الرئيس بمصر إلى علاقات قوية مع دول إفريقية، وبدأ يعيد لشركة النصر دورها فى بلاد إفريقية كلها، مع دعمه لمشروعات مشتركة مع بعض هذه الدول، ومع زيادة التواصل مع روسيا والصين وكوريا الشمالية، وبعض الدول الآسيوية، إلا أن الصلة مع أوروبا وأمريكا لم تنقطع، بل ظلت قوية مع تحويل مصر من دولة تابعة إلى دولة مستقلة تمامًا، وأنا أعتبر أن هذا هو أفضل ما قدمه الرئيس لمصر، وسيظل التاريخ يذكر هذا رغم أنف الحاقدين.