رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محسن عيد يكتب: الثورات المزيفة

جريدة الدستور

أذهلني ذلك التطابق المدهش والغريب بين ثورة "السوسن" في قرقيزستان وأحداث "25 يناير" وثورة 30" يونيو" في مصر للدرجة التي جعلتني أتصور – في لحظة جنون – أن 25 يناير مستنسخة من ثورة "سوسن"الاولي و30 يونيو من رحم ثورة السوسن الثانية..خاصة أنه تفصلنا بعض أيام عن ذكري أحداث يناير التي كانت الصورة المشوهة والمزيفة عن الشعب المصري..
ففي عام 2005 قامت ثورة السوسن الاولي "المزيفة "في دولة "قرقيزستان" التي تقع في آسيا الوسطي ضد "أسكار أكاييف" أول رئيس للدولة بعد انفصالها عام 1991عن الاتحاد السوفييتي السابق الذي لم يف بوعوده في إحداث ثورة أقتصادية واستمرت الدولة في حالة التردي الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.. وأصبح الفساد نظام الدولة علي كل الاصعدة.
عمد أكاييف إلي الاستئثار بالسلطة،وترك حاشيته وأسرته وأصدقاء أسرته يحكمون من وراء ظهره رغم معاركه ومواقفه في مواجهة الاتحاد السوفييتي حتي تحقق الاستقلال،فخرجت الجماهير غاضبة في وجه "أكاييف" وتحولت بشكيك العاصمة القؤقيزية إلي حالة من الفوضي والسلب والنهب...وهو الامر الذي نجده بكافة تفاصيله في فتره حكم الرئيس السابق حسني مبارك الذي يمثل قيادة عسكرية ساهمت وشاركت في صناعة أعظم إنتصار عسكري مصري في التاريخ الحديث،إلا أنه في سنوات حكمه الاخيرة تزايد الفساد وسيطر علي مقاليد الحكومة أناس لم يكونوا فوق مستوي الشبهات،فكانت أحداث 25 يناير التي لا تحمل غير معني "الثورة المزيفة" والتي انفجرت في وجه مبارك بعد أن ذرعت الايدي الخارجية قواعد العبث بالوطن،وصار الامان هو أقصي أماني كل مواطن..
وجاء عام 2010 لينهي علي فترة حكم الرجل الذي حاول في البداية التشكيك في هذه الثورة وأن أيدي خارجية هي التي تعبث بالدولة،وإذا بثورة "السوسن الثانية" تنطلق في كل الشوارع حتي الوصول إلي القصر الابيض القرقيزي، وخرجت الجماهير الغاضبة تهتف بسقوط "أكاييف" وسقوط حاشيته،وهو ما نجده ماثلا في 30 يونيو عندما خرجت جموع الشعب المصري في كل شوارع مصر وميادينها معلنة النهاية الحتمية لجماعة حاولت سرقة الوطن واختلاسه..
وتولي أحد وجوه المعارضة "كرمانبيك باكييف" السلطة في غفلة ولحظة "توهان" من الشعب القرقيزي الذي كفر بوعوده التي لم يحقق منها شيئا،ولم يمتلك غير حاشيته التي أطلق أيديها تعبث في خسة بمقدرات القرقيزيين،فانهار الاقتصاد وتهاوت كل القيم،وضاعت حقوق الانسان..وهو ذات التطابق المدهش مع ثورة مصر العظيمة بعد أن فطن الشعب المصري لالة الكذب والتضليل الاخوانية،وأن الاخوان لا يريدوا وطنا ولكنهم ينظرون للوطن باعتباره "كوبري" للوصول إلي مخططاتهم الدنيئة..
وكان "باكييف" قد انغمس وجماعته من أتباعه وأقاربه في فساد هو الاكثر خسة وجرما،فأصبح الفساد عنوانا لفترة خمس سنوات قضاها علي رأس السلطة،ولم يهتم إلا بتمكين حاشيته وأسرته التي راحت تقبض علي زمام الامور في الدولة رغم حالة الغضب والغليان التي راحت تسكن النفوس وخاصة الشباب ضد هؤلاء الذين يحاولون أن يفقدوا الوطن هويته ويسلبوا إرادته من أجل أهواءهم وأغراضهم..وهو ذات التطابق الغريب في مصر مع جماعة الاخوان الارهابية الذين حاولو امتطاء الوطن دون أن يدركوا بجهلهم وغبائهم أن شعب مصر أبدا لا يفقد هويته ولا يتنازل عن تاريخه..
وبسببه وحاشيته تربع البؤس في جنبات البلد الذي كان يحلم بانطلاقته،إلا أنهم كبلوه بالقيود بمختلف صورها وأشكالها حتي لا تجد رأيا غير رأيهم،ومحاولة سيطرتهم علي كل مفاصل الدولة،فلا مناصب إلا لحاشيته،ولا وجود في كل المواقع إلا لهم،وكأن الدولة هي دولة "مرسي" أقصد "باكييف" وحاشيته..
ومن أجل أن يحقق مبتغاه في سيطرة تامة علي البلاد باع الوطن في سوق الولايات المتحدة الامريكية لتكون البداية مع وجود قاعدة عسكرية أمريكية،وأصبحت كونداليزا رايس وزير الخارجية الامريكية هي مهندسة الحكم في الدولة،وباع الرجل عقله وضميره وقراره لأمريكا التي وجدتها فرصة سانحة للسيطرة علي جمهوريات آسيا الوسطي التي انفصلت عن الاتحاد السوفييتي السابق بعد إنفراط عقده..وهو ما فعله الاخوان في مصر عندما باعوا مصر للامريكان وذيول الامريكان وأصبح أوباما الرئيس الامريكي السابق ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون هم الذين يملون كل قرار علي مرسي وجماعته،ولم يعد مرسي غير صورة ماسخة لا تليق بمصر وتاريخها..
لم يكن "باكييف" هو الاذكي ولا الاكثر وطنيه ولا المعروف عنه بالاعتدال،ولكنه كان الاكثر تملقا،والاكثر طاعة للولايات المتحدة الامريكية،فمهدوا له الطريق إلي القصر القرقيزي،في لحظة غياب العقل الشعبي..ولم يكن مرسي بصفات غير تلك،فكان مجرد ذيل في جماعة الاخوان يقبل يد مرشدهم،ويملون عليه أوامره.
قام "باكييف" وجماعته بتزوير الانتخابات،والضغط واعتقال واحتجاز السياسيين،وتكميم الصحافة إلا التي تمجده وحاشيته،فذا بالشعب يسترد وعيه وينتفض ويثور عليه وعلي حاشيته التي بلغت الفرار وآثرت الهروب إلي دول أخري،ولكن الشعب لم يمكنهم الهروب بما سرقوه وما نهبوه..أما في مصر فقد حاول مرسي وجماعته طمس الهوية المصرية وتزوير الارادة وبث الرعب في نفوس الناس مثل محاصرة المحكمة الدستورية العليا،ومظاهرات أتباعهم..
حاول "باكييف" أن يحدث حالة من الفوضي التي غطت كل الاقاليم في الدولة فساد السلب والنهب،وأعلنوا الحرب علي الشعب،وهو ما حدث في مصر لولا وعي الشعب ووقوف الجيش والشرطة إلي جانب قرار الوطن بضرورة إقصاء المجرمين من فوق سدة الحكم ومحاكمتهم.
وتولت "روزا أوتونيابيفا السلطة المؤقتة في البلاد،ووقفت مخاطبة الجماهير التي احتشدت في ميادين بشكيك العاصمة وتالاس مؤكدة نهاية الحكم الديكتاتوري السلطوي،وحاول "باكييف" النجاة من المحاكمة باعلانه الاستعداد للاستقالة إلا أن"روزا" رفضت قاطعة بأن الشعب القرقيزي لابد وأن يقتص من الطغاة،فاستخدم الجيل حتي فر هاربا إلي جنوب البلاد متخفيا ومنها إلي مناطق أخري هاربا طريدا.. ولكن في مصر كان الجيش حاميا للدولة وسلطاتها ومؤسساتها فلم يجد مرسي نفسه وإلا وهو رهن محاريب العدالة للمحاكمة علي جرائمهم التي ارتكبوها في حق الشعب المصري...وتولي المستشار عدلي منصور السلطة المؤقتة في فترة عصيبة وخطيرة في تاريخ مصر..
واستمرت روزا في السلطة حتي تم انتخاب رئيس للبلاد في ديسمبر 2011،وبدأت الدولة في مرحلة الازدهار والنمو والتخلص من التبعية.. واستمر عدلي منصور حتي تم انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسا للبلاد لتبدأ مصر مرحلة البناء والنهوض والتقدم بعيد عن الزيف والكذب والتضليل والتبعية..