وثالثهم الديناصور الأخير

كانت تعد الطعام للديناصور حين أرسل عمر رسالة على «واتس آب» يذكرها بموعدها معه.
لا تعرف ليلى إن كان من آكلى اللحوم أم أنه ديناصور عشبى، لكنها تعرف أنه سيأكل ما تعده له دون أدنى شكوى طالما كانت تحب ما تفعله، ولا تتعجل فتتنازل عن إتقان طبختها. تتحسس حبات البهارات بأصابعها، تتركها لتتخلل السبابة والإبهام، ثم تتساقط على الطعام بحسبان، تتشمم الأبخرة المتصاعدة، وتغمض عينيها بوله، قبل أن تتذوق طعام ديناصورها المدلل، وتغلق مفتاح البوتوجاز، وعلى وجهها أمارات الرضا.
تضع الطعام فى الطبق وهى تفكر كيف ستشرح لعمر أنها تستضيف آخر ديناصور على الأرض!.
كان عمر، أيضًا، يفكر كيف سيقنعها أن الديناصور الأخير يرافقه كظله!.
يسير بجواره وهو فى طريقه للقائها، ليس عملاقًا كما قد يظن الناس، بل حجمه فى حجم إنسان طبيعى، ولا يصدر عنه أى صوت، فقط، يتابعه أينما ذهب، ظل يوازيه فى الحجم؛ فى حالة سيره على أطرافه الأربعة، إلا أنه يبدو أطول منه إذا سار على قدميه، فقط، محاكيًا صورًا سينمائية لبنى جنسه، ويمكنه، أيضًا، التحليق إن أراد كأى ديناصور مجنح، لماذا لا يستفيد منه ليتفادى الزحام، ويصل إلى موعده طائرًا مثل شخصيات الحكايات الخرافية؟!
يحاول الديناصور أن يصدر صفيرًا من فمه مثل ذلك الشاب الذى عبر الشارع غير مبالٍ بالعربات الطائشة، لكنه يفشل فتزداد كآبته. يشعر به عمر دون أن يعبر عن نفسه، فماذا يمكن أن تكون حالة آخر كائن من سلالته! وما تحمله ذاكرته من صور الموت والدمار؟ كم هم الأحباب الذين ماتوا وهو مازال على قيد الحياة بين كائنات لا تراه أو تشعر به؟!
لم يكن هناك سوى ديناصور واحد، انقرض أهله جماعات وفرادى حين اصطدم كويكب بالأرض، أو تغير المناخ أو لأى سبب آخر، لن يستطيع الديناصور رواية قصته، وهو لا يستطيع أن يصدر ولو صفارة من فمه. كانت إمكانياته تتطور مع الزمن، يتعامل مع الواقع بقدرات حرباء، امتلك القدرة على التخفى، كائن لا مرئى، لا يراه إلا من يشبهه، لكنه يرافقهما معًا، ولا أحد منهما يعرف ذلك، يعتقد كل منهما أنه سره الخاص.
على باب السينما وقف برفقة ديناصوره، منتظرًا ليلى.
لم تستطع إقناعه بالانتظار فى المنزل، بدا ديناصورها الأخرس غاضبًا حين حاولت الهروب منه وهو يتناول غذاءه، نظرته الجانبية إليها وهى تحاول أن تتسحب من المطبخ، وتفتح الباب بهدوء كانت كفيلة لإثنائها عن خطتها؛ أغلقت الباب من جديد، واتجهت إلى أقرب كرسى من المطبخ، وجلست فى انتظار انتهائه من تناول طعامه، على أية حال لا يمكن لبشرى مواجهة ديناصور غاضب والخروج لحضور عرض سينمائى مع صديقه دون إصابات تشوهه.
كان عمر فى انتظارها أمام السينما برفقة ديناصوره، وكانت ليلى قادمة إليه برفقة ديناصورها، ولم يكن أحد يعلم أنه ديناصور وحيد، حتى الديناصور ذاته، لم يشغل باله كثيرًا بالتفكير فى قصتيهما، لم يهتم بكونه سرهما الكبير، فما الذى يعنى ديناصور انقرض أهله بالبشر، يكفيه أنه قابع فى حياتهما، يفكران فيه أكثر مما يفكران فى بعضهما البعض، ويرهقهما وجوده بقدر ما ترهقهما حياتهما، فلم تكن أفضل حالا من دونه، وربما وجوده يُكسب المعاناة بعدًا آخر.
وضع عمر قناع مرحه، ووضعت ليلى قناع توهجها، كانا كما يليق باثنين يحبان بعضهما البعض، منحها قبلة سريعة على خدها مرحبًا بقدومها، لم تنظر حولها خوفًا من نظرات البشر، فقط كانت محرجة من ثالثهما القادم من عصور غابرة. كانت ترغب فى أن تحكى له عن صديقتها التى وصفت إحساسها فى ليلة سوداء قائلة: أشعر كأننى ديناصور أخير فقد أهله وأصحابه، وما زال على قيد الحياة.
جاءها خبر انتحارها منذ أشهر قليلة، هل يمكن أن ينتحر ديناصورها أيضًا؟
شعرت بخوف مفاجئ ورغبة ملحة فى البكاء، تماسكت خوفًا من تكدير صديقها الآدمى، واكتفت بترك أصابعها وادعة بين كف يده، بينما فكر عمر فى النعوش التى حملها خلال السنوات الأخيرة وهو بالكاد قد أكمل العشرين من عمره! ثم أبعد الفكرة عن ذهنه، وضغط على أصابع ليلى المستكينة فى كفه، وكانت بطلة الفيلم تقول إنها تشعر بإحساس الديناصور الأخير. ففرح ثالثهما الجالس على مسندى الكرسيين بينهما، وفكر أنه جائع، وأن الويكيبيديا تقول: الديناصور المصرى من آكلى اللحوم، وأن عليه أن يتعشى الآن، حتى وإن كان ذلك بدماء صديقه وصديقته.
من مجموعة: فى بيت مصاص دماء، الفائزة بجائزة ساويرس لكبار الكتاب