رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فاروق الباز.. قصة «عالم فضاء» إنجازاته بين السماء والأرض

جريدة الدستور

فاروق الباز.. عالم الفضاء المصري العالمي، صاحب الإسهامات الجليلة في مجال الفضاء، حيث استطاع أن يعمل مع وكالة ناسا؛ للمساعدة في التخطيط للاستكشاف العلمي للقمر، واختيار مواقع الهبوط لبعثات «أبولو» عليه؛ إلا أنه لم يتوقف على العمل في مجال الفضاء فقط، فاستخدم اكتشافاته واختراعاته في الفضاء ليصنع بها إنجازات في الأرض.

ولد فاروق الباز في 2 يناير عام 1938، في بلدة دلتا النيل التابعة لمدينة الزقازيق، وحصل على شهادة البكالوريوس في علوم الكيمياء والجيولوجيا من جامعة عين شمس في عمر 20 عامًا، وحصل على شهادة ماجستير العلوم في الجيولوجيا عام 1961.

وأكسبه أداءه عضوية الجمعيات العلمية الفخرية «سيجما أكسي، وسيجما جاما إيبسيلون»، وحصل أيضًا على شهادة ماجستير العلوم في الجيولوجيا من كلية «ميسوري» للمناجم والتعدين عام 1961، وفي عام 1964 حصل على شهادة الدكتوراه في الجيولوجيا من جامعة «ميسوري» في كولومبيا؛ وذلك بعد إجرائه عدة أبحاث بين عامي 1962-1963، كما عمل في معهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا في جامعة كامبريدج، ثم التحق بالعمل في وكالة ناسا خلال برنامج «أبولو» بين عامي 1967 و1972، حيث كان أمينًا عامًا للجنة اختيار مواقع الهبوط لبعثات «أبولو»، والباحث المسؤول عن الملاحظات المرئية والتصوير، بالإضافة إلى رئيس مجموعة تدريب رواد الفضاء.

وتأتي إنجازات «الباز»، لتكشف حقيقة دوره الكبير في مساعدة البشرية، فقد ساعدت أبحاثه عن الصحاري في إفريقيا والشرق الأوسط والصين، في فهم منشأ الصحراء وتطورها، وبعد نهاية برنامج «أبولو» عام 1972، التحق بمعهد «سميثسونيان»، في العاصمة الأمريكية واشنطن؛ ليؤسس ويدير مركز دراسات الأرض والكواكب «سيبس»، والمتحف الوطني للجو والفضاء «ناسم»، وفي الوقت ذاته انتُخب عضوًا في مجموعة عمل التسميات القمرية التابعة للاتحاد الفلكي الدولي، واستمر بالمشاركة في تسمية معالم القمر المكتشفة من قبل بعثات التصوير القمرية.

وفي عام 1973، اختارته وكالة ناسا، كباحث مسئول عن تجربة عمليات رصد الأرض وتصويرها في مشروع اختبار «أبولو- سويوز»، وكانت أول البعثات «الأمريكية-السوفيتية» المشتركة في يوليو عام 1975، حيث انصب الاهتمام على تصوير البيئات الصحراوية، وبشكل خاص الصحراء الكبرى بشمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، والتركيز على دراسة منشأ الأراضي القاحلة وتطورها، وجمع بيانات حقلية أثناء زياراته لكل صحراء كبرى على وجه الأرض.

وانتخب «الباز» زميلًا في الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم، ورئيسًا للجمعية العربية لبحوث الصحراء، وقبل الشروع في رحلاته الميدانية إلى الصحاري القاسية، حلل فاروق الباز الصور الفضائية بتقنيات مبتكرة لاختيار مواقع رصد مفصلة، كما يُعد «الباز» أول من استخدم هذا المنهج في صحراء مصر الغربية وبعدها طبقت الطريقة على دراسة الصحاري في الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وصحاري الصين وراجستان الهندية.

ويبقى مسقط رأس الدكتور الباز، وهي مصر في ذاكرته دائمًا، حيث قدم خدماته للبلاد حين عُين كمستشارًا للعلوم للرئيس المصري الراحل أنور السادات من عام 1978 وحتى عام 1981، وبسبب النمو السكاني وما يصاحبه من متطلبات الغذاء والألياف، آمن الرئيس السادات، أن على المصريين ألا يبقوا متمركزين في وادي النيل وأن عليهم استصلاح المزيد من أراضي الصحراء، وقد كلف «الباز» بمهمة اختيار المساحات الصحراوية التي سيتم تطويرها، دون الإضرار ببيئاتها، وسافر إلى زوايا بعيدة من مصر واصفًا الموارد الطبيعية لكل منطقة وكيف يمكن استخدامها بشكل مناسب، واستمرت المشاريع العديدة التي بدأت خلال هذه الأعوام الأربع بمساعدة شعب مصر حتى اليوم.

واقترح الدكتور الباز، تطبيقًا بارزًا لتحليل صور الأقمار الصناعية لموقع موارد المياه الجوفية، في جنوب غرب مصر، وهو جزء من المنطقة الأكثر جفافًا على الأرض، وقد تم من خلاله اختيار مواقع لآبار الاستكشاف في سهل مغطى بالرمل، كان يعتقد أنه بحيرة سابقة في العصور الجيولوجية الماضية، وقد أثبت «الباز» وجود المياه الحلوة بكميات هائلة لتوريد أكثر من 1000 بئر بعمقٍ أكثر من 100 متر، التي يمكن استخدامها لريّ القمح والحمص وغيرها من المحاصيل في منطقة شرق العوينات.

وقام الدكتور الباز، بتأليف وتحرير عدة كتب عن استخدام التصوير الفضائي لتحديد المعالم الجيولوجية، بما في ذلك: «القمر كما شوهد من قبل (1970)، وأبولو على سطح القمر (1978)، وملاحظات رائد الفضاء من مهمة أبولو-سويوز (1978)، وتقرير موجز عن العلوم: الرصد البصري والتصوير الفوتوغرافي 1979».

وترأس الدكتور الباز، عدة جمعيات علمية، منها، اللجنة الوطنية الأمريكية للعلوم الجيولوجية التابعة للأكاديمية الوطنية للعلوم، وجمعية جائزة تشارلز ستارك درابر للأكاديمية الوطنية للهندسة، واللجنة التوجيهية لمبادرة كيك المستقبلية في علوم التصوير من الأكاديميات الوطنية.

وفاز أيضًا بالعديد من الجوائز والأوسمة، أبرزها، جائزة الإنجاز لأبولو التابعة لناسا، وميدالية الإنجاز العلمي الاستثنائية وجائزة كارولين وتشارلز إيرلندا المرموقة لعام 2013 من جامعة ألاباما في برمنجهام، وفي عام 1999، أنشأت الجمعية الجيولوجية الأمريكية "جائزة فاروق الباز لبحوث الصحراء"، وهي جائزة سنوية تهدف إلى مكافأة التميز في دراسات الأراضي القاحلة من قبل الخبراء في جميع أنحاء العالم، و"جائزة فاروق الباز للطالب"، التي تقدم سنويًا إلى طالب واحد وطالبة من خريجي الدراسات العليا؛ لتشجيع البحوث الصحراوية في جميع أنحاء العالم.

وامتزجت حياة الدكتور الباز، بين الرقي والبساطة، فقد تزوج من سيدة أمريكية، والتي لها اهتمامات بالعلوم مثله، مما جعل التوافق بينهما كبير، وأنجب منها أربعة فتيات، وهن: منيرة، وهي البنت الكبرى، التي أنجبها قبل سفره إلى ألمانيا، ثم ثريا وكريمة وفيروز، الذي أنجبهن في أمريكا.