رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فعلًا.. الأطباء أبدعوا!


 

رئيس الإدارة المركزية للعلاج الحر والتراخيص، لم ينكر أن ما فعلته إدارة المستشفى غير أخلاقي وأكد أنه يتنافى مع الأمانة، ونضيف أنه لا يمت إلى شرف المهنة، أو لأي شرف في المطلق بأي صلة. لكن الطبيب «اللي جواه» جعله يسبق ما لم ينكره وما أكده بأن الفريق الطبي قام بـ«عمل إبداعي» مع المريض، وهو يزرع ساعد مريض تم بتر ذراعه!.

ما حدث، باختصار قد يكون مخلًا، هو أن الإدارة، التابعة لوزارة الصحة، تلقت شكوى من أسرة مواطن قالت فيها إن إدارة مستشفى السلام الدولي أجبرتها على تحرير إيصال أمانة «لصالح شخص وليس لصالح المستشفى» قيمته نصف مليون جنيه، مقابل إجراء عملية جراحية عاجلة لهذا المواطن، بعد تعرضه لحادث سيارة. وانتهت لجنة تم تشكيلها لفحص الشكوى إلى صحة الواقعة، وصدر قرار وزير الصحة بإغلاق المستشفى، الإثنين الماضي، وفي اليوم التالي، قام محافظ القاهرة بالتصديق على القرار، وتشكلت لتنفيذه لجنة من مديرية الشئون الصحية بالقاهرة والإدارة الهندسية.

المعلومات المتاحة تقول إن المريض ذهب إلى المستشفى وهو يعاني من كسور متعددة بالساعدين والحوض، واستدعى الأمر أن يتم بتر الساعد الأيسر. ولأن حالة المريض لم تكن تسمح، تم إكراه شقيقه بالتوقيع بالنيابة عنه. ولا يوصف ما حدث إلا بأنه «سرقة بالإكراه»، لأن وضعًا كهذا، قد تفصل فيه ثوانٍ معدودة بين الحياة والموت، وبالتالي، لو قيل لأسرة المريض «بيعوا أنفسكم»، لن يترددوا. ومع أن قرار إغلاق المستشفى، لمدة شهر، يعزز ثقة المواطنين في الحكومة، ويقول إنها لم تتهاون في معاقبة المخطئ، إلا أنه وبكل أسف، يقول أيضًا إننا أمام جهود مشتتة، وحلول جزئية، لا تكفي لضمان عدم تكرار تلك المأساة التي سبقتها مآسٍ كثيرة، تم فضح بعضها أو قليلها، وتم التستر على الآخر الذي يسهل استنتاج أنه أكثر!.

كل تلك المآسي، لم يمنعها قرار رئيس الوزراء رقم ١٠٦٣ لسنة ٢٠١٤ الذي يُلزم جميع المنشآت الطبية الجامعية والخاصة والاستثمارية المرخص بإنشائها طبقًا لأحكام القانون رقم ٥١ لسنة ١٩٨١، والمستشفيات التابعة لشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، بتقديم خدمات العلاج لحالات الطوارئ والحوادث بالمجان لمدة «٤٨» ساعة، وبعدها يتم تخيير المريض أو ذويه بين البقاء بالمنشأة على نفقته الخاصة بالأجور المحددة المعلن عنها، أو يتم نقله بشكل آمن إلى أقرب مستشفى حكومي. على ألا يتم نقل المريض إلا بعد التنسيق مع غرف الطوارئ المركزية أو الإقليمية المختصة أو غيرها، لتوفير المكان المناسب لحالته الصحية في جميع الأحوال.

القرار، كما قلنا، مُلزم، وينص أيضًا على مساءلة من يخالفه. ووقت صدوره عرفنا أن الوزارة ستقوم بتكليف لجان للمرور على المستشفيات لتحديد مدى التزامها به وتوقيع العقوبات على المقصرين، كما طالبت المتضررين من عدم تنفيذ القرار، بأن يتقدموا بشكاواهم. ووقتها أيضًا، وصفت النقابة العامة لأطباء مصر، في بيان، القرار بأنه «بداية جيدة»، وأعلنت أنها تنتظر تحويله إلى «واقع فعلي، وهو ما لا يمكن أن يتحقق دون توفير إمكانيات تشغيل في المستشفيات الحكومية تمكنها من استيعاب تلك الحالات، وتقديم العلاج المناسب لها، وكذلك تشديد الرقابة على المستشفيات الخاصة لضمان التزامها بتنفيذ القرار». والإشارة هنا مهمة إلى أن القرار لم يطلب من المستشفيات أن تفعل ذلك لوجه الله والوطن، وإنما ألزم الدولة بأن تتحمل تكاليف العلاج من موازنة العلاج على نفقة الدولة.

بعد هذا القرار الوزاري، صدر دستور ٢٠١٤ الذي نص في المادة ١٨ على تجريم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة. لكن ثلاث سنوات مرت على صدور القرار، ثم الدستور، دون أن تصدر آليات وضوابط تنفيذية واضحة. ودون أن يصدر تشريع قانوني يترجم ما جاء في الدستور، ويجيب عن العديد من الأسئلة بشأن ضمان حصول المواطن على أبسط حقوقه، وبكيفية منع المستشفيات الخاصة والأطباء العاملين فيها من التحايل، ومن ابتكار أشكال متعددة، لابتزاز المرضى وذويهم أو سرقتهم بالإكراه.

وصل الأمانة، كما أشرنا، شخصي، أي لصالح طبيب وليس لصالح المستشفى، وعليه، نتمنى أن تقوم نقابة الأطباء بالواجب، أقل واجب، وتشطب اسم الطبيب الذي تم تحرير الإيصال لصالحه من جداولها، وكذا كل الأطباء الذين شاركوا أو تواطأوا. مع تسليمنا بأن تحقيق هذه الأمنية يكاد يكون مستحيلًا، وأننا سنخسر أي رهان على نقابة لم نسمع أنها عاقبت أحد أعضائها، حتى لو ثبتت إدانته. كما اعتدنا ألا نسمع لنقيبها وأعضاء مجلسها صوتًا، ربما لحرصهم على ألا يفقدوا أصواتًا انتخابية. وعليه، يكون الرهان، على قانون العقوبات، ولا يصح هنا، فيتصوري، تطبيق المادة ٣٢٦ التي تعاقب بالحبس كل من حصل بالتهديد على مبلغ من النقود أو أيشيء آخر، وإنما المادة ٣١٤ التي تعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مَن ارتكب سرقة بإكراه. ولأن الإكراه هنا، كاد يقتل مواطنًا، تكون العقوبة هي الأشغال الشاقة المؤبدة.

أعرف مثلك لا واقعية في انتظار أو تمني تطبيق إحدى المادتين على الأطباء الذين ارتكبوا الجريمة التي تناولناها أو غيرها. لكن لا مانع من أن نراهن على «الإبداع الموازي» لأعضاء مجلس النواب، في استصدار قانون يتضمن عقوبات تليق بأطباء تخلوا عن شرفهم، قبل أن يتخلوا عن شرف مهنتهم، ولم يجتهدوا أو يبدعوا إلا في أساليب السرقة بالإكراه!.