رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ربما يدرك «السقا» أن «البورنو» هو الحل!


 

أكثر ما أتمناه، الآن، هو أن أرى تعبيرات وجه الأستاذ وحيد حامد، وهو يقرأ تدوينة تصف فيلمه «سري للغاية» بأنه «فيلم مهذب»، ويتعرّض للشخصيات السلبية بـ«منتهى الأدب». غالبًا، سيفقد القدرة على النطق، وسيعلو وجهه شبح ابتسامة ساخرة من زمن أغبر، امتلك فيه «ممثل» جرأة وبجاحة أن يكتب «قسمًا بربي لم أسمح.. إلخ» بعد مشوار طوييييييل، لم نسمع خلاله أن السيناريست الكبير أتاح لممثل (أو لمخرج) أن يسمح أو لا يسمح!.

ردود فعل متباينة، قوبلت بها التدوينة البائسة أو المرتبكة، التي كتبها أحمد السقا، وكشفت أنه يحتاج إلى ناصح أمين «يطبطب» عليه ويشرح له بهدوء طبيعة «شغلانته» أو مهنته. وعلى كثرة التعليقات التي نالتها التدوينة، فإنها لا تُقارن بتلك التي قوبلت بها تدوينة، تزامنت معها، كتبتها «سورا أوي» على موقع التواصل الاجتماعي «ويبو»، النسخة الصينية من موقع «تويتر»، زفّت فيها إلى متابعيها خبر زواجها السعيد، مع صورة لخاتم الزواج: مليون تعليق، وما يقترب من الـ٢٠٠ ألف إعجاب، في أقل من ٢٤ ساعة!.

اليابانية «سورا أوي»، ممثلة أفلام إباحية، «بورنو يعني»، لعبت بطولة أكثر من ٩٠ فيلمًا، استطاعت بها أن تحقق شعبية جارفة في الصين، قبل اليابان، وعموم دول آسيا، وفي كثير من دول العالم. ويرجع الاهتمام بها، إلى أنها لعبت دورًا مهمًا في ذاكرة جيل كامل من الشباب الصيني. وخففت حدة التوترات السياسية، التاريخية، بين الشعبين الياباني والصيني. واللافت هو أنها بذلت جهدًا كبيرة لتتعرف على الثقافة الصينية، وتمكنت من كتابة منشوراتها بنفسها باللغة الصينية، بل إنها تعلمت فن الخط الصيني، وبيعت لوحة رسمتها (أو كتبتها) في ٢٠١٣ بما يساوي ٩٢ ألف دولار!.

ومع أن الجنس لا يزال موضوعًا محظورًا (تابو) في المجتمعات الآسيوية، ومع أن الصين تحظر عرض الأفلام الإباحية وتعدها غير قانونية، إلا أن ذلك لم يكن عقبة أمام نجومية «أوي» ولم يمنع الرجال الصينيين من مشاهدة أفلامها أو التعلق بها. بل إنها أصبحت معلمة ومصدر الثقافة الجنسية «بالنسبة للعديد من الرجال الصينيين الذين لم يتمكنوا من تلقي تربية جنسية في سنين مراهقتهم» بحسب ما قاله «ليو تشيانج» لشبكة الإذاعة البريطانية BBC، الذي أضاف أنه اعتاد مشاهدة أفلام «أوي» وكان يشارك في توزيعها على أصدقائه باستخدام أجهزة تشغيل الـ«إم بي ٤» عندما كان في المدرسة الثانوية، ومع تطور التكنولوجيا تحوّل إلى مواقع العرض المستمر لمشاهدة الأفلام، لأن ذلك «أسهل بكثير».

في ١١ أبريل ٢٠١٠، ظهر حساب «أوي» على موقع «تويتر»، المحظور في الصين، ومع ذلك انتشر الخبر بين الصينيين وتدفقوا بالملايين على الحساب، مستخدمين الشبكات الافتراضية الخاصة (في بي إن) لتجاوز الرقابة، للدرجة التي جعلت الاسم الشائع لتلك الليلة هو «ليلة سورا أوي». وتكرر الأمر بعد سبعة أشهر، حين أنشأت حسابها على موقع «ويبو» الصيني، وهو كما أوضحنا النسخة الصينية من موقع تويتر. وتكفي معرفة أن عدد متابعي الحساب تجاوز الـ١٨ مليونًا حتى الآن، بزيادة ستة ملايين عن عدد متابعي صفحة أحمد السقا على «فيس بوك»!.

توقفت «أوي» رسميًا عن العمل في الأفلام الإباحية سنة ٢٠١١، لكنها لم تلبس الحجاب أو النقاب وتتجه إلى إلقاء الدروس الدينية، بل لتشارك بالتمثيل والغناء في الأفلام التقليدية، المهذبة أو التي تتعرض للشخصيات السلبية بـ«منتهى الأدب». وظلت تؤكد «لم تنظر إلى نفسها بطريقة تقلل من قيمتها أبدًا»، وما زالت تكرر أنها كانت «تستمتع بعملها» لأنها تتمكن عبره من السفر إلى الخارج وتتحدث إلى معجبين في كل أنحاء العالم. وحتى عندما تتلقى تعليقات تتضمن ذمًا أو شتيمة، فإنها ترد بأدب وحميمية، بالضبط كما فعل الأستاذ أحمد السقا!.

ظاهرة الإعجاب بـ«أوي» في الصين تستحق التأمل، خصوصًا في ظل توتر العلاقات الصينية اليابانية، على المستويين الرسمي والشعبي، تحديدًا من جانب الصينيين الذين لا يزالون يشعرون بالمرارة من قسوة تعامل اليابانيين معهم، خلال الحرب العالمية الثانية. وطبقًا لشهادة «وينوي هوانج»، الكاتب الصيني الذي يعيش في اليابان، فإن «أوي» لعبت دورًا ملطفًا فعلًا في العلاقات بين الصين واليابان وخففت حدة التوترات الحضارية والسياسية بين مواطني البلدين. واستند في ذلك إلى مقولة شائعة لدى الصينيين بأن جزر «دياويو» تنتمي إلى الصين و«سورا أوى» تنتمي إلى العالم.

حتى تتضح الصورة، نشير إلى وجود نزاع بين البلدين، بشأن مجموعة من الجزر تسميها الصين «دياويو» واسمها «سينكاكو» في اليابان. وقد تتضح الصورة بدرجة أكبر، بالتفسير الذي طرحه البروفسور «واي - مينج نج» أستاذ الدراسات اليابانية في الجامعة الصينية، في هونج كونج، وأوضح فيه أن «ظاهرة سورا أوي في الصين كشفت أن طريقة تعريف الناس لأنفسهم، في زمن العولمة، لا تتشكل عبر الهويات القومية فحسب، بل عبر استهلاك المضامين التي تقدمها وسائل الإعلام أيضًا».

تجربة «سورا أوي»، إذن، تؤكد أن أفلام «البورنو»، استطاعت أن تذيب الخلافات السياسية والثقافية. وهي بالطبع تجربة مهمة، وتستحق أن يتوقف عندها الأستاذ أحمد السقا، بعد أن اكتشف أن «الأفلام المهذبة» والتي تتعرض للشخصيات السلبية بـ«منتهى الأدب»، لم تمكنّه من الحصول على «اللايكات» التي يتمناها من أعضاء جماعة الإخوان والتابعين والمركوبين. وربما يدرك، لو تأمل تلك التجربة وقام بدراستها جيدًا، أن «البورنو هو الحل»!.