رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيادة المحافظ.. تربية الفساد وصنيعة الكذب




ضرب العارفون بأمر هذا الرجل، منذ أن كان رئيسًا لمدينة السادات، كفًا بكف، بعد صدور قرار تعيينه محافظًا للمنوفية، بالرغم من تاريخه الذى جاء امتدادًا لوالده، المتورط من قبل فى تهمة اختلاس بمديرية الصحة بالمنيا، واجترائه هو على الكذب، بحصوله على الدكتوراه، وعدم مبالاته بزميلنا الأهرامى الذى فضحه على رءوس الأشهاد، بأنه لا يحمل، حتى، شهادة ليسانس الحقوق التى ادعى أنه حصل عليها من جامعة بنى سويف.
وبالرغم من الهمسات المنتشرة حول الرجل الذى يعشق العمل ليلًا، فى مكتبه بالمحافظة، ظنًا منه أن الليل ستار للعيوب، مدخلًا لملء الجيوب، فإن واحدة من الجهات المسئولة فى المنوفية، لم تلق بالًا لما يدور حولها من فساد المحافظ، ربما عن جهل بما يحدث، وربما خوفًا من رئيس جمهورية محافظتها.. لكن الرقابة الإدارية بالقاهرة ألقت بشباكها على المحافظ، فى قضية فساده الأخيرة، مع رجلى أعمال من المحافظة، خصص لهما قطعة أرض دون سند قانونى. وكأنما جاء موعد إلقاء القبض على المحافظ، قبل يوم واحد من زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لافتتاح بعض المشروعات الخدمية بالمنوفية، تأكيدًا على صدق ما ذهب إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى تكليفه اللواء محمد عرفان، برئاسة هيئة الرقابة الإدارية فى أبريل ٢٠١٥، وأن صيغة التكليف لم تكن مجرد كلام بلا معنى، ولكنه، التكليف، كان دعوة لاستئصال شأفة الفساد الذى استشرى فى البلاد، منذ زمن، وكان صنوانًا للإرهاب الذى يضرب البلاد، إذ قال (اشتغل وما ترجعليش، ولك كل الصلاحيات فى ضبط وقائع الفساد).. وكان اللواء عرفان ورجال هيئته على قدر المسئولية الكبيرة والصعبة، فى مواجهة آفة استشرت فى المجتمع عبر سنوات طويلة مضت، وما زالت جذورها تنبت الفروع فى كل حين.
وللحق.. فإنه لا يوجد حصر دقيق أو بيانات رسمية عن قضايا الفساد فى مصر، أو حجم الأموال التى أُهدرت وضاعت على الاقتصاد المصرى نتيجة للفساد. كل ما نعرفه أن مصر تحتل المرتبة ١٠٨، ضمن ١٧٦ دولة فى العالم تعانى الفساد، وتأتى القاهرة فى المقدمة، تليها الجيزة والقليوبية والإسكندرية، فيما جاءت محافظة جنوب سيناء فى المرتبة الأخيرة. ومع أن الجهاز المركزى للمحاسبات هو الجهة التى تقوم بمراجعة الإجراءات المالية والمحاسبية فى الأجهزة الحكومية، وكثيرًا ما يضع رجالها أيديهم على كثير من مناطق العوار فى مسيرة هذه الأجهزة، والتى تستلزم المساءلة والمحاسبة، إلا أن تقاريرها تظل سرية، ولا يمكن الاطلاع عليها إلا من أعضاء البرلمان فقط، وبعض هذه التقارير تظل حبيسة الأدراج، وغير مسموح بنشر تفاصيلها، مع أن حرية التعرف على تلك التفاصيل ربما مثّلت رقابة عامة، يمكن أن تُحجّم كثيرًا من هذا الفساد، وتضع بعضًا من الأخلاقيات ومواثيق الشرف الإلزامية فى الإدارة الحكومية.. ثم تأتى هيئة الرقابة الإدارية، كتيبة محاربة الفساد المقاتلة، لتتولى الرقابة على الأعمال الحكومية، التى صارت صاحبة الكلمة الطولى فى مدى صلاحية ما يتم من إنجازات من عدمه، درءًا للشر فى مهده، وهى المسئولة عن إعداد تقارير كفاية وكفاءة تولى بعض الوظائف القيادية، وتتولى متابعة ورقابة تصرفات بعض المسئولين، وهى المسئولية التى أدت إلى سقوط العشرات من بؤر الفساد فى كل المجالات، والقبض على بعض المسئولين، كنا نظن أن بعضهم فى حالة عصيان على المساءلة، ولم نكن نعتقد أنهم على هذه الحالة من السوء.
وهنا يجب أن نشير إلى ملاحظة مهمة، يعد إهمالها نوعًا من إتاحة الفرصة أمام استشراء الفساد فى مصر، وتهاونًا فى استئصال جذوره من منبتها.. فنحن نفتقد وجود قاعدة بيانات تضم تصنيفًا للقوى البشرية فى مصر، ومدى ملاءمة كل فرد فيها لشغل وظائف بعينها، يمكن الرجوع إليها عند الحاجة إلى تعيين قيادة كبيرة كانت أم صغيرة، الأمر الذى ألقى بالكرة فى مرمى هيئة الرقابة الإدارية وبعض الجهات الأخرى، ومسئوليتها فى التأكد من صلاحية من يتم ترشيحهم لشغل منصب ما.. وعلى هذه الجهات أن تقدم تقاريرها عن تلك الشخصية خلال أيام معدودة، لا تكفى للإحاطة بكل ما يتعلق بها وسيرتها ومدى كفاءتها ونزاهتها.. هذه الشخصية التى ما زال اختيارها يتم (غالبًا) على أساس معايير أبعد ما تكون عن تقديرات الكفاءة والموهبة والصلاحية لشغل المنصب، وتقترب كثيرًا من الاجتهاد الشخصى، واعتبار الصحب والأهل والعشيرة، وأهل الثقة، حتى ولو كانوا من غير أصحاب الخبرة.. وهى ثقافة موروثة، تحتاج إلى من يُلقى حجرًا فى بحيرتها الراكدة، التى تلقى يومًا بعد آخر بالآسن ممن يعيشون فيها، وإلا، ما كان لمثل محافظ المنوفية أن يحتل منصبه على رأس سُلم المحافظة، لو أن هناك معلومات متوافرة وموثقة عنه، تم الاهتمام بها دون تنحيتها، بالرغم من الكثير الذى تم تداوله عن هذا المحافظ، ويندى له الجبين، وتم الشكوى منه إلى مسئولين نافذين، مع أننا أول من يؤمن بأنه (ما فيش دخان من غير نار)، لكن من الواضح أننا تعودنا أنه لا بد من احتراق أيدينا حتى نشعر بهذه النيران.
وفى النهاية.. فإن الفساد إذا لم يعبر عن نفسه، فى سرقة مباشرة للمال العام، أو استغلال المنصب الوظيفى فى التربح وقبول الرشوة، فإنه يعبر عن نفسه كثيرًا فى إهدار المال العام، نتيجة قصور فى إدارة من تم اختيارهم لمناصب، على غير كفاءة منهم، وهو ما سبق أن أشار إليه الرئيس السيسى بأن من قبل تقلد منصب دون كفاءة منه لهذا المنصب، فهو فاسد.. فهل تتغير ثقافة الاختيار لمن يتولى مقاليد الإدارة، حتى تحظى مصر بما تستحقه من رجال أكفاء، يحملون مسئولية مستقبلها؟.. عسى!.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.