رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد أحمد فؤاد: الجائزة تأكيد للموهبة وليست وسيلة لخلق مبدع

محمد أحمد فؤاد
محمد أحمد فؤاد

استلهم من المكان أحداث مجموعته القصصية «زعربانة»، فجاءت المجموعة عبارة عن تنغيمة، أو عدة ضربات على عود، إنه محمد أحمد فؤاد، الذي وصلت مجموعته القصصية «زعربانة» للقائمة القصيرة لجائزة ساويرس، الدستور التقي «فؤاد» وكان معه هذا الحوار:

- زعربانة منطقة في الإسكندرية.. كيف وظَّفها «فؤاد» في مجموعته القصصية؟
كنت محظوظًا جدًّا لأنني أتيحَت لي فرصة الإقامة في منطقة زعربانة، بين عامَي 2011 و2012، فهي منطقة حافلة بالأحداث اللافتة، ويكتنفها الغموض، ويستطيع أي شخص سكندري، أن يدُلَّك على مواطن هذا الغموض، بدايةً من أصل تسمية المنطقة المُختلَف فيه، وانتهاءً بالحكايات العجيبة التي تتواتر عنها. والشارع الرئيسي بـ«زعربانة»، ضيق ويمتد وسط سوقٍ صاخبة، حتى تخال أنك لن تبصر له نهاية، وهو يبدو كأنه نموذج مصغَّر لوادي النيل، وخصوصًا مع التنوع الديموغرافي على جانبيه، الذي يشمل أهل النوبة والصعيد والوجه البحري، وقد استطعتُ أن أستلهِم من إقامتي بزعربانة، عددًا من قصص المجموعة، وأخص بالذكر قصة «زعربانة» التي تعرَّضتُ فيها لأصل تسمية هذه المنطقة، وجانب من الحياة فيها، يتعلق بما يمكن أن يؤدي إليه سلوك يومي شائع في مصر مثل ذبح الحيوانات في الطريق، على مرأى من الأطفال.

- هل ترى أن عدم انتشار القصة بالنسبة للرواية هو ضعف المنتج القصصي أم قوة الرواية؟
القارئ يريد أن ينفصل عن الواقع أطول فترة ممكنة، والرواية تحقق له هذا الأمر، أما القصة القصيرة - وفق المفهوم الذي أشاعه بيننا النقاد - تومض في خيال القارئ لحظاتٍ، وتمنِّيه بلذةٍ، ثم تفرُّ منه قبل أن تشبعه، ولهذا اهتميت في مجموعة «زعربانة» بأن أغير مفهوم القارئ عن طبيعة القصة القصيرة، فهي ليست «قصيرة» لأن حجمها صغير، أو لأن كلماتها قليلة، بل لأنها تتناول الأمور تناولًا خاصًّا، بحيث إنها تُفجر طاقات الموقف الواحد بالتركيز على نقاط التحول فيه، ويحدث فيها فوران لحظي يجتمع فيه الماضي والحاضر والمستقبل في وقت واحد، بحيث تبدو الأزمنة المتعاقبة كأنها متعاصرة، فالقِصَر هنا صفة للحدث لا القالب السردي، ولهذا ستجد في «زعربانة» قصصًا تمتد لأكثر من ثلاثين صفحة، وبرغم هذا تظل قصصًا قصيرة، ويمكنها أن تحقق للقارئ رغبته في الانفصال عن الواقع لفترة طويلة، إضافةً إلى نموِّها في خياله كامتدادٍ لهذا الانفصال بعد الانتهاء من القراءة.

- كيف ترى جائزة ساويرس؟
استطاعت جائزة ساويرس خلال الأعوام الماضية أن تحقق مصداقيةً في الوسط الثقافي، وأن تلفت أنظار القراء إلى الأعمال الأدبية المتميزة التي تطغى عليها الأعمال الأكثر مبيعًا التي قد تكون في بعض الأحيان شديدة الرداءة، وهي كذلك تهتم بدعم الكتاب الموهوبين، وهذا ضروري لكي لا ييأس صاحب الموهبة، ويواصل الإبداع.

- هل ترى أن الجوائز تصنع المبدعين في العموم؟
الجائزة تقدير واعتراف وتأكيد للموهبة، وليست أبدًا وسيلة لخلق مبدع، وأي إنسان يمكنه أن ينبغ في مجالٍ ما دونَ شهادة، أو أن يُثبت موهبةً نادرةً دونَ أن يحصل على جائزة.

- كتبت شعر عامية وتفعيلة.. هل هو تشتت أم بحث عن التوافق؟
أضِفْ إلى ذلك أيضًا أنني كتبت الشعر العمودي والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدًّا والرواية والمقال، ولا أجد على الإطلاق في ذلك تشتتًا، لأن الموضوع يخلق القالب، وهناك أفكار تتولد في ذهني، ولا أتصوَّر أنني يمكنني صياغتها في قالب غير القصة، وأفكار أخرى لا تتبدَّى لي إلا في ثوب القصيدة العامية، وإذا استطاع المبدع أن يتملَّك أدوات القوالب الأدبية المختلفة، فلن يشقَّ عليه الإتيان بما هو جديد في كل صنفٍ أدبيٍّ تختارُه أفكاره.

- لماذا تغير اسم المجموعة من «ثرثرة خمرية» إلى «زعربانة»؟
اللغة العربية تتميز عن كثير من اللغات بأن دلالة العديد من الكلمات لا تقتصر على ما تختزنه المُعجَمات من معانٍ اشتقاقيةٍ واصطلاحية، فالطاقة الدلالية للكلمة تشمل أيضًا الدلالة الصوتية للحروف المشكلة للكلمة، لا شك في أن كلمة مثل «هَمْس» تؤدي تمامًا صوت الهمس، وكلمة مثل «كشيش» - التي تعني صوت احتكاك جلد الأفاعي بعضه ببعض - تؤدي تمامًا هذا الصوت، وما دفعني إلى تفضيل عنوان «زعربانة»، هو أن هذه الكلمة - ككلمة معرَّبة - اكتسبت هذه الخاصية، فأصبحت الدلالة الصوتية لها، تدعو إلى الذهن معاني مثل: الذعر - العنف - العشوائية - العبث - السخرية - اللامبالاة - القلق، ولكل هذه المعاني حضورٌ واضحٌ داخل المجموعة.