رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سعيد نوح: جائزة «ساويرس» أول مكسب مالي أحصل عليه منذ دخولي عالم الأدب

سعيد نوح
سعيد نوح

سعيد نوح، روائي مصري صدر له الكثير من الروايات منها: «كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد» والتي صنعت له اسمًا حقيقيًا في شبابه، ومن وقتها يكتب سعيد نوح لنفسه، لا ينشغل بما حوله، يكتب فقط، التقت «الدستور» بـ«نوح» وكان معه هذا الحوار:

ماذا يعني الفوز بجائزة ساويرس لـ«سعيد نوح»؟
الجائزة في حد ذاتها تمثل أول مكسب مالي أحصل عليه منذ دخلت إلى عالم الأدب بنص شعري في جريدة الأهرام عام 84 تحت عنوان «من طفل في الوطن العربي إلى السادة في ريكيافيك»، حيث اجتمع الرئيس الروسي مع الأمريكي حينها، رغم أن «فلوس» الجائزة لا تمثل إلا جزء قليل مما صرفته على الأدب.
أما على مستوى القيمة الادبية، فهي قد برهنت لي أنني لم أحرث في الماء طوال تلك السنوات، فتلك التهاني التي غمرني بها الأصدقاء من الكتاب أصحاب التجارب الحقيقية في ساحة السرد والشعر قد منحتني السكينة التي لطالما كنت أبحث عنها.. وهذا يخجلني بقدر ما يسعدني.
أما على مستوي ما يحدث داخل القبو الثقافي وحكايات البست والسفر إلى الخارج والترجمة والكاتب العضو والحظيرة وكل تلك المعاني فهو يظهر زعزعة وخلخلة ربما أتت أكلها في يوم من الأيام ليختفي ذلك الغثاء الذي أصبح يملأ الحياة.

كتبت الكثير من الروايات وكان لها ضجة كبيرة مثل سعاد، هل تعتبر الجائزة تتويج لمسيرتك؟
رواية سعاد كتبت في بدايات التسعينيات، وبالتحديد في الفترة من 13 يناير من عام 92 إلى 20 يناير، أي أن الرواية كتبت في أسبوع وكانت تجربة حقيقية كتبتها من أجل أن أعوض فقد أختي سعاد، كنت أبكي وأكتب، ولم أعد إليها مرة أخرى حتى طبعت بعد ذلك بثلاثة أعوام، وربما كان فضل سعاد على استقبال الرواية هو الأقوى، وأنا نفسي أقول من يريد أن يعرف كتابتي عليه أن يقرأني بعد سعاد، فـ«أحزان الشماس» التي كتبت ما بين عام 94 حتى 96 كانت تجربتي الروائية الأولى وليست سعاد، ومن خلال ذلك العمل المكتوب من المخيلة قدمت عالم لم يتم التعرف عليه داخل السرد العربي وهو عالم الدير، ورغم ذلك ترك لمدة طويلة حتى أعادته إلى الوجود الصديقة الكاتبة أمينة زيدان، أما عن التتويج الذي تسأل عنه، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.. فقط أكد أن ما ينفع الناس يبقى في الأرض.

كثيرًا ما تعتمد على الحكي الشفاهي والذي يؤطر لشيء من الحميمية في رواياتك.. حدثنا أكثر؟
نحن أبناء الحكواتي، ذلك المصدر الأول لنا نحن أبناء القطب الأعظم نجيب محفوظ وكثيرًا ما قلت ولن أتنازل ابدًا عن أن فن كتابة الرواية هو فن الملاحظة، كيفية هذه الملاحظة واستخلاص العبر هو ما يميز البعض عن البعض الآخر، جميعنا لدينا الخبرات والممرات ولكننا لا ننتبه إلى هذه الأشياء وعندما تتوقف الملاحظة سنكتشف ما الحقيقة، فنحن نعيش بسرعة كبيرة لا ننتبه إلى تفاصيل الحياة ونتجه نحو العادات والتقاليد، وهي أسوأ أنواع المعرفة، أريد أن أقول أن روح الرواية هي روح الاستمرار، والمبدع الحقيقي هو رد فعل لمبدعين رائعين سابقين عليه في الحياة، أما الكتابة التي أعنيها فلابد لكل عمل جديد من شكل ومضمون جديد، وهذا ما أبحث عنه فإذا جاء بالعامية التي هي اللغة الأصل لنا المصريين، أو جاء بالفصحى.
وحتى أستطيع أن أصل معك ومع القارئ بدلًا من الكلام النقدي، سأحكي لك ما حدث لي أو ما شبه لي لا أتذكر السيناريو الذي حدث لأجلس بجوار جدي شيخ البلد في العربة المتجهة إلى طنطا، كل ما أتذكره هو يده وهي تربت بين الحين والحين على رأسي ليأخذني من حلمي بالنوم المستمر، لكن في ظلام دامس مرت يده على رأسي ففتحت عيوني لأقف في نفق صغير غير مضاء قبل الدخول إلى ساحة السيد البدوي، مرت اللحظات في رعب حقيقي وأنا بين يد جدي من يد العفريت الذي تخيلته، أفقت تمامًا قبل أن ننزل أمام إحدى المقاهي، رحب صاحب القهوة بجدي الذي كان يشبه إلى حد بعيد الشيخ طلعت في رواية «الأيام الإنسان السبعة» لعبد الحكيم قاسم، كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشر مساء، جرى عامل المقهى وجاء لي بـ3 أرغفة من العيش الفينو وورقة كبيرة مليئة بالحلوة الشعر، كنت أمضغ الطعام بشهية واحترام وجدي يقص على صاحب المقهى سبب تأخره والعمال تنزل أشياء لا أعرف كنهة من العربة، مضى الوقت والجلسة تزداد بين لحظة وأخرى وجدي يضع يده الممسكة بالسبحة على رأسي فتشغل أفكاري عن الكلمات التي تمر من بين عيوني المشغولة بمدى المحبة التي ألحظها لكل من يأتي للسلام على جدي، اخيرًا شاهدت للمرة الأولى في حياتي راوي سيرة مولانا شيخ العرب، أتذكر جيدًا، كان نحيل الجسد تكاد تحسبه طفل كبير، كما أن ولد في طوله يمسك بيده الموضوع عليها نظارة ملفوف ذرعيها بالكامل بالخيوط البيضاء، جلس بعد أن صافح جدي وأخبره أنه لولاها ما خرج في تلك الساعة ابدًا ولو قالوا إن مصر قد هزمت إسرائيل، كنا في شهر أغسطس عام 1969 وكان عمري لم يتعدى الخامسة، أتذكر أن جدي كاد أن يقبل يديه وهو يقول له بحب وإجلال: متأخذناش يا سيدنا، قلقنا روحك من الذكر، لكن تقول إيه للمعلم عبد الحميد، على العموم ربنا يسامحه ويكرمنا بيك بحق جاه من كنت في نوره.
كلمات مثل تلك هي ما قيلت لكني الآن وأنا أكتبها أحس أن هذا ما حدث، جلس الرجل على كنبة عبارة عن كنبة نورج، سكت الجميع وراح ينشد بصوت عذب على آلة بوتر واحد، لحظات كثيرة مضت وأنا أرى الفرح في عيون كل الرجال لصوت ذلك الرث الثياب، شاهدت بعد ذلك كثيرًا من رواة السير لكن ابدًا ما غاب صوت الشيخ أبو الأحامد كما كان يقولها جدي، سنوات كثيرة مرت وظللت أحلم أن أنال ما يناله ذلك السفيف من الهبة والوجود والجمال.

تتاخر بعض أعمالك عن الصدور مثل الشماس و61.. كيف ترى ذلك؟
بالطبع أقول لك إن تلك الأعوام التي ظلت مصائر أبطالي حبيسة الأدراج كانت أصواتهم تحز في قلبي حز السكين، لكن لم يكن لي حيلة، لكن دعنا من المرارة ودعني أرى من مخيلة كاتب أن ما حدث هو لعنة أصيب بها كاتب حقيقي غيري هو الروائي والشاعر ياسر شعبان.. ولما كنت أعرفه منذ بداية التسعينيات وكانت لنا خطوات مشتركة في الحياة، وكثيرًا ما جمعني به نص، فلدي حدث يقول إن تلك اللعنة أصابتنا سويًا ذات مساء ونحن نمشي في الحياة، لكني سوف أسرد لك شيء لتعلم أن هناك أشياء إن تبد لك تسرك في النهاية.
انتهيت من كتابة رواية «دائمًا ما أدعو الموتى» في شهر نوفمبر من عام 2000، وكانت هناك دعوة من المسئولين عن الهيئة المصرية للكتاب للمشاركة في مكتبة الأسرة من العام الجديد الذي على بعد شهر. قدمت العمل وفي منتصف يناير 2001 طبعت في مكتبة الأسرة، انتهيت من رواية «ملاك الفرصة الأخيرة» في منتصف شهر يونيو 2008، وطبعت في بداية يوليو من نفس العام، وكما للبشر حظوظ كانت مصائر أبطال رواياتي حظوظ أيضًا.
لتعلم يا صديقي في النهاية: ليس كل حرب ورائها غنائم.. هذا ما تعلمته من الأيام منذ منحني الله بعض فضله.

قلت إنك تكتب في مشروع أساسه الفني هو التجديد، وبعض النقاد قالوا إن سعيد نوح يحمل داخله وداخل أعماله هم العالم كله، فأنت تتحدث عن الموت والرهبان والمهمشين، كيف ترى ذلك؟
التجديد يجب أن يخرج من النوع، والمحلية فيه شيء أساسي.. وحين قلت في منتصف التسعينيات تلك المقولة كنت أعي تمام الوعي أن أي تجديد يأتي من خارج التجربة هو حرث في الماء، ولما كنت قارئ نهم من قبل ومن بعد، فلقد أسست في أحزان الشماس رغم الاعتماد الكلي والجزئي على المعمار الذي بناه سيدنا نجيب إلا أنني أسست لدخول الكاتب في عمله ومناقشة الأبطال فيما هم سائرون.