رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أرض التراب والنار (5).. وزيرة ثقافة جنوب السودان: طلبنا بعثات من القاهرة لتعليمنا

الدكتورة نادية آروب
الدكتورة نادية آروب

مع أولى خطواتى على سلم الطائرة، التى حطت فى مطار «جوبا» الدولى، أيقنت أننا لا نعرف أى شىء عن دولة جنوب السودان، سوى اسمها فقط، بالإضافة إلى معلومة أنها تلك البلاد التى انفصلت عن السودان، وأصبحت دولة مستقلة منذ ٢٠١١.
كنت أتخيل أن الرحلة، التى أقدمت عليها فى الذكرى الرابعة لنشوب الحرب الأهلية، التى بدأت فى ديسمبر ٢٠١٣، لن تمتد سوى يومين أو ٣ فقط، ثم سأتمكن من رصد كل شىء هنا، إلا أن المشهد منذ البداية جعلنى أغير رأيى تماما، بعد أن وجدت نفسى فى أرض غزيرة الخيرات، تتنوع فيها العادات والتقاليد بشكل مدهش، لتستمر رحلتى إلى «بلد الخير» -الذى يتوارى خلف الحروب التى دمرته- نحو ١٢ يومًا. وخلال تلك الرحلة تجولت فى العاصمة جوبا، وذهبت إلى ولاية بور، التى أبادتها الحرب، ورصدت ملامح هذه الصراعات ونتائجها على الأرض، والتقيت سياسيين ومسئولين، وتحدثت مع مواطنين، لأنقل صورة كاملة عن هذا البلد المجهول لنا كمصريين، رغم اشتراكنا سويا فى شريان جامع واحد، هو نهر النيل، الذى يربط بلدينا.
فى الحلقة الخامسة، التقينا وزيرة الثقافة فى جنوب السودان، الدكتورة «نادية آروب»، والدكتورة «إيمانويلا جورج»، فى حوارين، كشفتا فيهما الكثير عن الثقافة والسياسة فى بلدهما.

وزيرة الثقافة: طلبنا بعثات من القاهرة لتعليمنا صناعة التمثيل
نادية آروب: مصر دولة تاريخية مذكورة فى «الكتاب المقدس».. ونقدر تاريخها وموروثاتها وحضارتها
تحدثت الدكتورة نادية آروب، وزيرة الثقافة فى جنوب السودان، عن تفاصيل الحياة الثقافية فى بلادها، وكيف يتم التعامل مع الثقافات المتعددة الموجودة هناك، فضلًا عن ملامح التعاون الثقافى مع مصر.
■ ما طبيعة الوضع الثقافى فى جنوب السودان؟
- بداية أرحب بكم فى الجنوب، وشعبا مصر وجنوب السودان شعب واحد، على المستوى الشعبى والسياسى، وعلاقات البلدين جيدة للغاية، وأتمنى لهما فى ٢٠١٨ مزيدا من الاستقرار والازدهار.
أما طبيعة الوضع الثقافى، فلدينا ثقافات متعددة ومعروفة، ترتبط بالعادات والتقاليد، التى تميز كل قبيلة عن الأخرى، ويهمنا كدولة وحكومة كيفية تثبيت وتطوير وحفظ هذه الثقافات، فى ظل أننا دولة حديثة العهد، بدأت عام ٢٠١١ بـ«الانفصال».
قبل الانفصال كانت ثقافتنا تختلف عن «السودان الأم»، وأحيانا تتشابه معها فى بعض الأمور، مع وجود بعض الثقافات «الدخيلة» بسبب «انفتاح» الدولة، وتعاقب الأجيال.
وعامة، لدينا ٦٤ قبيلة، يتقارب ويختلف أبناؤها فى الأفكار، لكنهم يتوحدون فى العادات والتقاليد.
■ فى رأيك.. ما الذى تتميزون به عن مختلف الثقافات الأخرى؟
- ثقافة جنوب السودان ترتبط بشكل كبير بـ«دين» البلاد وهو «المسيحية» الذى يتضمن مجموعة من الضوابط تتماشى مع عاداتنا وتقاليدنا، ومن بينها «تقيد» الفتاة بمجموعة من الأمور، فنحن نرى ضرورة أن تكون فى موضع يحافظ على كيانها، وأن تتمتع بمكانة واحترام مختلف عن الشاب.
■ وماذا عن التبادل الثقافى بينكم والدول الأخرى؟
- يحكم التبادل الثقافى وفى مختلف القطاعات الأخرى بين الجنوب وبقية الدول، تلاقى المصالح العامة، لكن بالتأكيد يتم الحفاظ على العادات والتقاليد الخاصة بكل دولة.
العادات والتقاليد فى جنوب السودان تعتبر «موروثات» لا يستطيع أحد أن يغيرها، سواء حدث تقدم حضارى، أو تم الاحتكاك مع ثقافات دول أخرى، ومع اختلاف طريقة التفكير من جيل إلى آخر، تعمل حكومة جنوب السودان على الحفاظ على ثقافتنا الخاصة.
ويعد اختراق ثقافتنا الجنوبية من الخارج أمرا صعبا فى ظل تمسك الجنوبيين بثقافاتهم وموروثاتهم، لكن نظرا للتواصل مع الآخرين يوجد تداخل بسيط فى الموسيقى وتقليد الإفريقية منها.
■ ما أهم ملمح مميز لتلك الثقافة «الخاصة»؟
- أكثر ما يميز ثقافتنا «الخاصة» هو اللغة، فرغم وجود الكتب فإنها تكون بنسبة ضئيلة جدا، لذا تعد «لهجة» كل قبيلة من قبائل الجنوب عاملا أساسيا للحفاظ على ثقافتها، وينتشر كذلك «الفلكلور الفنى» من خلال مجموعة من المهرجانات، سواء العزف على الطبول، أو الرقص، أو الغناء، خاصة فى الأرياف.
■ ما خطتكم لتطوير المشروع الثقافى الوطنى؟
- وضعنا خطة لتطوير المنشآت الثقافية فى البلاد، وإقامة بنية تحتية قوية فى الثقافة، بداية من المسارح، وصولًا إلى المكتبات والمراكز الثقافية، لكن للأسف الإمكانيات فى جنوب السودان «ضئيلة»، خاصة المادية.
ورغم ضعف الإمكانيات، بسبب الأوضاع الاقتصادية، تحاول الدولة المساهمة فى تقديم الخدمات الثقافية، والحفاظ على الموروثات والعادات والتقاليد، وإعداد خطط العمل لدعم الثقافة.
■ هل توجد خطط للتعاون بين مصر وجنوب السودان؟
- تصل ثقافتنا إلى مصر، لكن ليس بشكل قوى بسبب ضعف الإمكانيات، وتوصلنا لاتفاق مع وزارة الثقافة المصرية لتبادل الثقافات بين البلدين، فى ظل تواجد عدد كبير من الجنوبيين فى مصر، يمثلون عاملا هاما لنقل ثقافتنا للشعب المصرى، ثم تأتى الخطوة الأخرى بإقامة مهرجانات بين البلدين لتبادل ونقل الثقافات بينهما، ونخطط حاليا لإقامة مهرجان مشترك للطبول، بهدف الدعوة إلى السلام.
■ هل توجد مشروعات أخرى للتعاون مع مصر؟
- سيتم التعاون مع مصر، ومحاولة الاستفادة من خبراتها الكبيرة فى صناعة الفن - التمثيل على وجه التحديد- وذلك بإرسال بعثات مصرية إلى بلادنا لتعليمنا هذه الصناعة، كما اتفقنا مع مسئولى مهرجان الأقصر للسينما، العام الماضى، لتبادل الخبرات المصرية، والاستفادة منها، فضلا عن التعاون فى المسرح.
■ ما المتطلبات اللازمة لتنمية التبادل الثقافى بين البلدين؟
- مصر دولة تاريخية مذكورة فى «الكتاب المقدس»، ونحن تعلمنا الحفاظ على التاريخ والموروثات، وشعب مصر لديه عادات وتقاليد مثل شعب جنوب السودان، فهما متشابهان، لذلك من السهل تنمية التبادل الثقافى بين الدولتين، ونطالب وزارة الثقافة المصرية بدعم جنوب السودان من خلال قوافل متبادلة.
■ كيف تدعمون المرأة فى جنوب السودان؟
- المرأة الجنوبية قوية تتحمل المسئولية، والشقاء بالنسبة لها شىء طبيعى وبمثابة جزء من حياتها، وهى متمسكة بالعادات والتقاليد، ومصدر فخر فى كل مكان، ويمكن دعمها من خلال منحها الإمكانيات، وإشعارها بأنها جزء من المجتمع ولها دور كبير ومؤثر.


إيمانويلا فاسيلى: مصر أكبر دولة فى الإقليم يمكنها مساعدة بلادنا
اتهمت الطبيبة الجنوب سودانية إيمانويلا جورج كرياكو فاسيلى، الحكومة الحالية فى بلادها بالتسبب فى تدهور أوضاع الشعب الجنوبى نتيجة انتشار ما وصفته بـ«الفساد»، وتربح بعض ذوى النفوذ من موارد الدولة.
■ بداية.. كيف بدأت علاقتك بعالم السياسة؟
- منذ الطفولة تقريبًا، فأنا ولدت عام ١٩٧٥، فى ولاية «واو»، بجنوب السودان، وبعد انفصال والدىّ، انتقلت مع أبى إلى ولاية «واراب» وأنا فى الثالثة من عمرى، وظللت معه حتى تدخل الزعيم الراحل جون قرنق لإعادتى إلى والدتى، التى تحمل الجنسية اليونانية، وأنا فى الثامنة، متحديًا بذلك عادات وتقاليد أهالى «واراب»، وكلف بعض المسئولين بالولاية بنقلى إلى العاصمة الكينية «نيروبى»، وبالفعل ذهبت إلى هناك، وأقمت بالسفارة الفرنسية، حتى تسلمتنى والدتى، وبعدها انتقلت للدراسة فى فرنسا، وتخصصت فى الطب، وبمجرد تخرجى عملت فى منظمة «أطباء بلا حدود»، واستمرت علاقتى بـ«الدكتور جون»، وبالأوضاع فى بلادى إلى الآن.
■ هل يعنى هذا أن الدكتور جون قرنق هو سبب اهتمامك بالسياسة؟
- لست وحدى، فكل أهالى الجنوب كان لديهم قبول واسع لما يقوله دكتور جون، نظرًا لرأفته وكلامه الموزون، الموجه إلى الفئات المهمشة من المواطنين، واهتمامه بحقوق الإنسان فى السودان بأكمله، ونتيجة لذلك عملت معه، وواصلنا جميعًا طريق النضال فى الغابة، وأصبحت شريكة فى رحلته، وبدأت أساعد فى تحرير جنوب السودان، واستمرت مسيرتنا إلى أن نجحنا فى عقد مفاوضات للسلام فى ٢٠٠٥، وبعد رحيل دكتور جون، واصلنا برنامجنا، وعملت مع سلفاكير ميارديت، الذى كان يشغل وقتها منصب نائب أول لرئيس جمهورية السودان.
كنت أحضر المناقشات بينه وبين الرئيس السودانى عمر البشير، بحكم عملى كنائبة حكومية، وأبحث فى سبل تنمية الجنوب، وبناء المدارس والمستشفيات والطرق واستكمال البنية التحتية، والسدود لإنتاج الكهرباء والمياه، وكذلك قضايا حقوق المرأة الجنوبية.
■ لماذا اخترت صف المعارضة؟
- منذ بدأت الحكومة الحالية العمل فى ٢٠٠٥، وحتى الآن، لم يحدث أى تطوير فى الخدمات التى تقدم للمواطنين، بل اقتصرت المزايا على أفراد بعينهم، واستبعدت الكفاءات، لذا فإنى أرى أنه تم خذلان جميع أعضاء «الحركة الشعبية»، التى كانت تضم فريقًا كبيرًا من المكافحين والمناضلين، وقيادات الجيش، وعددًا من الذين عملوا مع الدكتور جون قرنق، ومن بينهم زوجى السابق، الذى كان أحد أكفأ الجنرالات فى الجيش، واستطاع فى ٢٠٠٦ تأهيل ١٣ ألف شخص للعمل فى القوات المسلحة، لكن هذه الجهود توقفت، نتيجة عدم تقدير جهود هؤلاء، واستبعاد المجموعات التى كانت تعمل على مساعدة الشعب، ومراعاة حقوق الإنسان، والجميع الآن يبكون على رحيل الزعيم جون، الذى رحل فجأة عن المشهد إثر سقوط طائرته، فى وقت كنا نحتاج فيه إليه.
■ هل كنت من بين المستبعدين عن العمل فى المناصب القيادية؟
- أنا نصفى جنوبى والنصف الآخر يونانى، لذا لا توجد طريقة لشغلى مناصب حكومية قيادية، لأن القبلية تسود بشدة فى الدولة، والرئيس منشغل بالأمور السياسية عن تطوير الأوضاع الاجتماعية، وبشكل عام يمكن القول إن الأشخاص الذين يتم تعيينهم فى الحكومة أصحاب نفوذ كبير، ويتصرفون كأن الدولة تم بناؤها لصالح أفراد بعينهم، ولتحقيق مصالحهم المادية والخاصة، لذا لا يهتمون أو يلتزمون بأى واجبات وطنية بل يدمرون الدولة.
■ هل تقولين إن الأوضاع ساءت بعد الانفصال؟
- منذ الانفصال عام ٢٠١١، لم يشعر أى شخص فى السودان شمالًا وجنوبًا بالراحة، رغم أن الجنوبيين اعتقدوا أنهم سيحصلون على كل حقوقهم بمجرد إتمامه، وكنا أثناء نضالنا فى الغابة نحلم بحياة كريمة للمواطنين، وهو ما لم يحدث.
■ لماذا لم يحدث ذلك؟
- اللوم الأكبر فى رأيى يجب أن يوجه إلى الخرطوم، لأنه كان من المفترض أن يقدموا مزيدًا من المساعدات للجنوب، فى مجالات التعليم والصحة والموارد المائية والكهربائية، وفقًا لاتفاقات السلام، لكن ما حدث هو أن الانفصال تم، ولم يتحقق ذلك.
كما أن حكومة الجنوب، رغم أنها تجنى أموالًا كبيرة من بيع البترول والمعادن، فإن هذه الأموال تستغل لصالح فئات بعينها، لا تتأثر بالأحوال السيئة، التى يعانى منها أهالى الجنوب، الذين قدموا أبناءهم فى الحرب بين الجنوب والشمال لتحقيق الاستقلال، ثم لم يحصلوا على أى نتائج لتضحياتهم، بل أصبحوا نادمين على منح صوتهم لصالح انفصال جنوب السودان، لأنهم يعانون بشكل كبير.
■ ما أهم معوقات التنمية فى الجنوب؟
- الحرب والفساد، فالحرب هى العامل الرئيسى فى منع التعليم، وتؤثر على جميع الأسر، وتسببت فى انتشار التشرد والمجاعة والإرهاب داخل الدولة، فلا يوجد قانون لحماية المواطنين، أو للحفاظ على حقوق المرأة والأطفال، وكبار السن، أما الفساد فيمنع التطور، فهناك من يستغلون مناصبهم، ويستولون على أراضى الدولة ومنشآتها ومواردها، ويبيعون كل شىء للمستثمرين مقابل صفقات خاصة.
■ فى رأيك ما الذى يحتاج إليه جنوب السودان لتجاوز الأزمة؟
- لو كنت مكان الرئيس سلفاكير لوجهت كل الجهود نحو البنية التحتية فى الجنوب، لأننا نحتاج التنمية، فى مجالات الصحة والسكن والتعليم والمياه والكهرباء، كما أننا نحتاج حكومة حقيقية، بعيدة عن الأفكار القبلية، التى تفرق بين المواطنين، وبعيدة عن مجموعات العصابات، التى تسيطر على موارد الدولة.
■ ماذا عن أوضاع المرأة فى الدولة؟
- أوضاع المرأة تحتاج كثيرًا من الاهتمام والتنمية، وقديمًا منح الدكتور جون المرأة حق التمثيل البرلمانى بنسبة ٢٥٪، ووعد بأنه حال إتمام الأهداف وتحقيق السلام، فإن النسبة سترتفع إلى ٥٠٪، لكن ذلك لم يحدث، ولا يتعدى الوجود النسائى فى البرلمان ٣٥٪، رغم النجاحات التى حققتها المرأة فى كل ما أسند إليها، كما تراجعت قضايا المرأة، نتيجة الدمار الذى تعانى منه البلاد منذ ٢٠١١.
■ كيف تقيمين عمل المنظمات الدولية فى جنوب السودان؟
- هناك بعض المنظمات المجهولة أو المشبوهة التى تعمل فى بلادنا، وتقوم بأدوار مرفوضة، لكن ما نرحب به هو جهود منظمات الأمم المتحدة، التى تعمل بجد من أجل رعاية حقوق الإنسان فى إفريقيا، ودولة جنوب السودان، لكن المشكلة أن دولتنا تفتقد الأمن والأمان، ما سلب الحرية من المواطنين، الذين لا يستطيعون ممارسة حياتهم الطبيعية، لكن رغم ذلك، تستمر جهود الأمم المتحدة فى حماية المواطنين، وتوعيتهم عن طريق إقامة ورش عمل، لتقديم النصائح إلى المتعلمين من الشباب، من أجل نقل خبراتهم إلى باقى المواطنين.
■ كيف تنظرين إلى الدور المصرى فى جنوب السودان؟
- مصر هى أكبر دولة يمكنها مساعدتنا، وأقول ذلك بلا تحيز أو مجاملة، فهى وحدها يمكنها الوقوف بنزاهة، دون أغراض أخرى إلى جانب كل فئات الشعب، خاصة المستضعفين منهم، من الأطفال والأمهات.