رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يسرى عبد المحسن فى حواره لـ«الدستور»: 40% من المصريين مرضى و25% منهم مكتئبون

الدكتور يسرى عبدالمحسن
الدكتور يسرى عبدالمحسن

مع كل ضغوط معيشية، أو أسرية، يتعرض لها الأفراد، يثور تساؤل عن دور الطب النفسى، باعتباره حلًا للأزمات الناتجة عن تلك الضغوط، بعيدًا عن اعتباره «وصمة اجتماعية» كما كان فى السابق، فضلًا عن أهميته الكبيرة، كأحد الأسلحة المهمة فى معركة مكافحة الإرهاب.

«الدستور» ومن خلال حوارات ومقالات لخبراء الطب النفسى، تلقى الضوء على مجموعة من القضايا المتعلقة بذلك الملف، سواء آخر تطورات العلاج النفسى فى مصر، أو دوره فى مواجهة المتطرفين، وتأهيل التائبين من العنف، وصولًا إلى الأرقام المتعلقة بالأمراض النفسية فى حياة المصريين، إلى جانب تقديم «روشتة» للتعامل النفسى مع ذوى الاحتياجات الخاصة، خلال عامهم الذى أطلقه الرئيس 2018.

يرى الدكتور يسرى عبدالمحسن، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة، أن الوسيلة المثلى للتصدى للشائعات التى تواجهها مصر هى مزيد من الشفافية، والتواصل بين القيادة السياسية والشباب، مشيدًا بتوجه الرئيس عبدالفتاح السيسى لإقامة منتديات الشباب.

ورفض فى حواره مع «الدستور»، فكرة إجراء اختبارات نفسية لكبار المسئولين قبل اختيارهم، معتبرًا أن خبراتهم السابقة، وتقدير المجتمع لهم، يمثلان عوامل أكثر أهمية فى التعرف على شخصياتهم، خاصة أن الأمراض النفسية لا يمكن إخفاؤها لمدة طويلة عن المجتمع.

■ بداية.. كم تبلغ نسبة المرضى النفسيين فى مصر؟
- لا بد أن نفرق أولًا بين المرض النفسى الناتج عن اضطرابات كيميائية فى المخ أو عن العوامل الوراثية، والأمراض النفسية الناتجة عن الاضطرابات الثانوية بسبب الظروف الاجتماعية والتقلبات المزاجية العامة والحالة الاقتصادية وغيرها التى لا تعد شيئًا مرعبًا رغم زيادة نسبتها، لأنها تغيب بغياب أسبابها.

النوعية الأخيرة هى الأكثر انتشارًا فى مصر، ونسبة المرضى بسبب الاضطرابات الحياتية والضغوط اليومية تبلغ ٤٠٪ من الشعب تقريبًا، أما نسبة الاكتئاب فتبلغ 25٪.

■ هل هناك فارق فى النسبة بين الرجال والنساء؟
- الأمراض العاطفية، مثل الاكتئاب والقلق، تكون السيدات أعلى فى نسبة الإصابة بها من الرجال، نظرًا لأن قدرتهن على احتمال هذه النوعية من الضغوط أقل وأضعف، كما أن تغير الهرمونات عند النساء يعد أيضًا عاملًا مهمًا فى تزايد نسب الإصابة، أما فى الأمراض غير العاطفية، مثل الوسواس، والفصام، والهوس العقلى، فنسب الإصابة متساوية بين الرجال والنساء.

■ متى ينبغى على المرء أن يلجأ للطبيب النفسى؟
- إذا تعثرت أموره وخط سيره ومواقفه فى الحياة لدرجة الإعاقة، فكل شخص فى هذه الحياة يمر بكبوات وأخطاء، ومواقف صعبة فى حياته، لكن بعض الأشخاص لا يستطيعون تجاوز هذه المواقف بسهولة، واستكمال الحياة بصورة طبيعية، لذا هناك كبوات تعيق الإنسان عن العمل والإنتاج والتواصل مع المحيطين به، وفى هذه الحالة تكون زيارة الطبيب النفسى واجبة.

■ هل لا يزال المجتمع المصرى يرفض الاعتراف بالمرض النفسى ويراه وصمة عار؟
- هذه النظرة تتلاشى تدريجيًا مع التقدم ودخول التكنولوجيا، واتساع الأفق والمفاهيم الخاصة بطبيعة المرض النفسى، وانتشار فكرة أنه مجرد مرض مثل أى مرض آخر، ولا يقلل أبدًا من شأن صاحبه.

■ هل تعانى مصر من ضعف الإمكانيات فى الطب النفسى مقارنة بالخارج؟
- على العكس، جميع الإمكانيات الخاصة بالطب النفسى متوفرة لدينا، ومتطلبات الدراسة متوافرة فى الجامعات، والأطباء النفسيون فى مصر يواكبون العالم من خلال حضورهم المستمر للمؤتمرات العلمية بالخارج. 

■ نلاحظ ظهور أشخاص يدعون قدرتهم على «العلاج الروحانى».. كيف تنظر إليهم؟
- ألوم الإعلام الذى يستضيف هذه الشخصيات التى لا تفقه أى شىء، وبعض الإعلاميين يهدفون من وراء هذا «التهريج» إلى تحقيق الرواج والانتشار، فالأشخاص الذين يصفون أنفسهم بأنهم معالجون بالأعشاب أو متخصصون فى الطب الروحانى، هم فى حقيقة الأمر مجرد وجه من أوجه «الدجل والشعوذة»، لذا أطالب بضبط هؤلاء، والعقاب لمن ينتحل مهنة وشخصية مخالفة لحقيقته.

■ ما أسباب انتشار ظاهرة الانتحار بين الشباب؟
- هناك فارق بين الانتحار الفعلى ومحاولة الانتحار، كما أن الإحصائيات الخاصة بالانتحار على وجه الخصوص غير دقيقة، لأن الوصول إلى المعلومات الحقيقية فيها صعب للغاية، ومعظم محاولات الانتحار تكون غير صادقة، بل إن هناك من يلجأ إليها فى أحيان كثيرة لجذب الانتباه ولفت الأنظار، أو لتهديد المحيطين به، أما باقى المحاولات الجادة، فكثير منها يبوء أيضًا بالفشل.

■ ماذا عن ظاهرة التطرف الدينى؟
- التطرف والتعصب والخروج على المألوف، سببها خلل فى الشخصية والبناء النفسى والاجتماعى للإنسان، وهذه النقطة تحتاج إلى تعديل للسلوك، والتوعية الدينية أمر أساسى فى هذا التعديل، ومضاعفات التطرف تؤدى إلى شيئين لا ثالث لهما، إما المرض النفسى، أو التوجه لارتكاب الجرائم، وتحتاج الحالة الثانية إلى الردع السريع من المجتمع، نظرًا لكون التطرف أمرًا معديًا، ويمثل عدوى اجتماعية تنتشر بسهولة بين الشباب، لذا فالرقابة الدقيقة، والضبط الأمنى يشكلان نوعًا من التصدى لهذه الظاهرة.

■ كيف نتصدى لحرب الشائعات التى تتزامن مع هذا التطرف؟
- المصداقية السبيل الوحيد للقضاء على الشائعات، ووأدها فى مهدها، كما نحتاج لسرعة كشف الحقائق دون تزييف أو تأخير، ومن جانب مستويات عالية من الدولة، وربطها بالأدلة والحقائق، للتصدى لهذه الشائعات قبل فوات الأوان.

■ هل تؤثر اللقاءات الدورية التى يعقدها الرئيس السيسى مع الشباب فى التصدى لهذه الظاهرة؟
- احتضان الرئيس السيسى للشباب فى المنتديات، والسماح لهم بالحديث بحرية، يدلان على عدم خوفه من كشف بعض السلبيات، وقدرته الذكية على احتواء المواقف، لذا فإيجابيات تلك المنتديات لا يمكن إنكارها، لأنها حولت الشباب من مجرد مستمعين إلى متحدثين ومنظمين، ما شجعهم على عرض مشكلاتهم فى ظل وجود آذان مصغية من قيادات الدولة.
هذه الإجراءات وغيرها تعزز من ثقة الشباب بأنفسهم، لأننا تعودنا سابقًا أنه لا يجوز لأحد أن يرفع صوته أو يعترض فى حضور القيادات السياسية، ما كان له أثر سلبى كبير على الحالة النفسية للمجتمع.

■ هل تؤيد فكرة إجراء اختبارات نفسية على كبار المسئولين قبل تولى مناصبهم؟
- الفحوص النفسية لمن يريدون شغل منصب قيادى ومسئول أو الترشح فى الانتخابات ليس لها معنى على الإطلاق، ولا فائدة منها، فمن يرشح نفسه لخوض عمل قيادى يكون قد مر سابقًا بمراحل ومناصب ومسئوليات كشفت عن قدراته، كما أن المجتمع يكون على علم بمدى استحقاقه لتولى هذه المسئوليات، ومعظم الأمراض النفسية تظهر بسهولة على الملأ، ولا يمكن للأشخاص تحت الأضواء أن يخفوها لمدة طويلة.

كما أن الربط بين مهنة الشخص وتصرفاته وردود فعله غير دقيقة، إلا لو كان شخصًا غير سوى، فالأشخاص الأسوياء يستطيعون الفصل بين مهنتهم وتعاملاتهم الاجتماعية، دون أن تختلط الأمور بينهما.