رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جهاز أمن الدعوة الإخوانى


شخص مجهول يدعى أنه من المخابرات المصرية، يتحدث تليفونيا مع شخصيات إعلامية، يعطيهم أوامر لتنفيذ أجندة إعلامية، بخصوص قضية القدس وقرار ترامب! يتم تسجيل الحوارات القصيرة من خلال هذا الشخص المجهول، ليتم بعد ذلك نشر هذا الحوار فى جريدة نيويورك تايمز الأمريكية، فتقوم وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية بترديد ونشر هذا الخبر! ما هذا الغباء الكبير، وما تلك السذاجة المفرطة؟ ليس الغباء فى نشر الخبر، ولكن الغباء والسذاجة فى صناعة الخبر نفسه.
الأغبياء لا يفكرون فى إتقان الفبركة، لا يهمهم هذا، فهم فى الأصل يستهدفون جمهور الإخوان بهذا الخبر المصنوع، ثم يستهدفون بعد ذلك الشعب المصرى ثم الشعب العربى، والهدف هو الإساءة لسمعة النظام ليسهل اتهامه كذبا بأن له علاقة توافق مع أمريكا وإسرائيل فى خصوص موضوع القدس، يا لغباء الاختلاق، كان من الممكن أيها الأغبياء أن تسكت مصر فى مواجهة قرار ترامب الغبى، كان يمكن أن تسكت كما سكتت توابع أمريكا وإسرائيل مثل قطر وتركيا، ولكن مصر تحركت على المستويين السياسى والدبلوماسى وفى الأمم المتحدة وحققت أكبر نصر دبلوماسى فى تاريخنا الحديث ضد أمريكا، وهو الأمر الذى جعل أمريكا تستشيط غضبا فأخذت تهدد وتتوعد من قام بالتصويت ضد قرارها، ومصر كانت هى صاحبة المبادرة، وصاحبة التحرك الدبلوماسى الذى أدى إلى إدانة قرار ترامب، ولأن ذلك كان نصرا، لذلك يجب تشويهه بمكالمة تليفونية من شخص مجهول لشخصيات لا علاقة لها بالإعلام حاليا، فمفيد فوزى لا يقدم برنامجا وكذلك يسرا، وحساسين ترك الإعلام نهائيا قبل أن يُصدر ترامب قراره، ولكن لم يكن الهدف هو الشخصيات المصرية إنما الهدف أن يُنسب لمخابرات مصر أنها توجه الإعلام ليُخفف من حدة الهجوم على قرار ترامب، فهل كان المتكلم من مخابرات مصر؟.
هو من المخابرات لا شك عندى فى ذلك، ولكنه من جهاز مخابرات الإخوان، وهو جهاز محدود القدرات، وإن حاول اتباع طرق تدريب أجهزة المخابرات الغربية، وكان من السهل على هذا الشخص المخابراتى أن يشترى خطا لهاتف محمول ثم يضع اسما وهميا فى برنامج «الترو كولر»، الذى يكشف أسماء المتصلين بك، وليكن اسمه مثلا «النقيب أشرف الخولى مخابرات حربية» ويظل يتحدث فى مكالماته بما يريده هو، ومن خلال نقاء صوته وبُعد صوت المتحدث الآخر تعرف أنه هو الذى يسجل المكالمة، لأنه لو تم اختراق هذه المكالمات من أى جهاز مخابرات فى العالم فسيكون صوت المتحدثين على درجة واحدة وليست متفاوتة، فهل يعقل أن يكون ضابط مخابرات مصرى يعمل فى المخابرات الحربية، وله زملاء ورؤساء، يقوم بتسجيل مكالمات ثم إرسالها لجريدة أمريكية؟! هذا من المستحيلات لو كانوا يعقلون، هو يقينا من مخابرات الإخوان، ويقينا سافر من مصر إلى أمريكا بعد تسجيل هذه المكالمات، وقد يكون تابعا بشكل أو بآخر للمخابرات الأمريكية، ولكن ما هى قصة مخابرات الإخوان؟
سبق أن كتبت عن هذا الموضوع تفصيلا فى كتابى «قلب الإخوان» ثم فى كتابى «سر المعبد»، والإخوان يطلقون عليه منذ زمن بعيد «جهاز أمن الدعوة» وفكرة جهاز المخابرات الإخوانى قديمة، حيث بدأ حسن البنا فى التفكير فى تأسيس هذا الجهاز المخابراتى بعد أن أسس النظام الخاص، ثم كلف حسن البنا تلميذه محمود عساف ليكون على رأس هذا الجهاز.. وتم تقسيم المهام إلى جمع السلاح القديم من الصحراء الغربية والمتفجرات وأدوات التدريب، استعدادًا لإعلان الجهاد الإخوانى. أما المهمة الثانية لجهاز الاستخبارات فكانت هى جمع المعلومات والتجسس على باقى أعضاء جماعة الإخوان فى جميع فروع الجماعة المنتشرة فى أنحاء مصر وإرسال هذه المعلومات أولًا بأول لحسن البنا مباشرة.
وشيئا فشيئا اكتسب أعضاء جهاز الإخوان المخابراتى خبرات متعددة ثم بدأوا فى دراسة مدارس استخباراتية مختلفة من الشرق والغرب إلى أن وقع اختيارهم على المدرسة الروسية، حيث رأوا أن أساليبها هى أفضل الأساليب بالنسبة للإخوان وطريقة عملهم وتسلسل تنظيمهم، وفى مذكرات محمود عساف يذكر أنه كان يلتقى أعضاء جهازه المخابراتى بمسجد قيسون بالحلمية الجديدة فى صلاة العشاء، وبعد الصلاة ينصرف ويجوب شوارع وطرقات ملتوية بالحلمية حتى يصل إلى باب خشبى ضخم لمنزل رجل كبير السن، وكانت جميع غرف هذا المنزل مظلمة لا يوجد بها سوى قطع أثاث قليلة جدًا، وكان الجالسون فيها يتحدثون عن كيفية وضع الخطط، وتنفيذها، وتوزيع الأدوار، وخلال إحدى المرات حضر حسن البنا ليستعرض نصائحه على أعضاء الجهاز، وبينما البنا منخرطًا فى الحديث وفجأة، ودون أى مقدمات، طالبهم باختراق الأحزاب والهيئات الأخرى والمؤسسات الحكومية حتى يكون الإخوان يقظين لما يجرى على الصعيد السياسى فى مصر، فإذا بشاب يقاطعه، متسائلًا: «القرآن الكريم يحرم التجسس على الغير.. فيقول الله تعالى فى سورة الحجرات (ولا تجسسوا) فيرد عليه البنا متهكمًا «إنت عبيط»!.
وكان أخطر ما تمت كتابته فى هذا الشأن ما قاله محمود عساف فى كتابه عن زرعهم الجواسيس فى كيانات أخرى للتجسس عليها فيقول: (اشتد موقف الشيوعيين ضدنا وهاجمونا فى نشراتهم، الأمر الذى دفعنا فى عام ١٣٦٥هـ - ١٩٤٦م إلى أن نزرع عندهم أحد المتعاطفين مع الإخوان «هو الآن أستاذ جامعى»، وكان يتقاضى خمسة جنيهات شهريًا نظير أن يمدنا بأخبار الشيوعيين. ما كان منها يصلح للنشر فى مجلة الكشكول الجديد- التى كنت صاحبها- نشرناه.. أما الأخبار الأخرى فكنا نعرض ما يهم الدعوة منها على الإمام الشهيد)، وقد ظلت الجماعة على أسلوب زرع الجواسيس أو شراء المعلومات لم تتخل عنه ولو ليوم، وقد كان جواسيس الإخوان أصحاب الدور الأكبر فى الوشاية عن حركة بعض ضباط الشرطة ومن ثم استهدافهم، مثل الذى حدث للشهيد محمد مبروك، حيث ثبت أن الذى وشى بحركة سيره للإخوان أحد ضباط الشرطة، وكذلك اغتيال بعض القضاة فى العريش، فقد أرشد عن مخطط سيرهم وخروج بعض الموظفين فى محكمة العريش، ممن ينتسبون لجماعة الإخوان.
وفى ص ١٦٦ من «كتاب النقط فوق الحروف- الإخوان والنظام الخاص» تأليف أحمد عادل كمال. قال المؤلف تحت عنوان «مخابرات الإخوان»، وكان يتبع للنظام الخاص قسم للمخابرات يبدو أنه أنشئ مبكرا فأدخل بعض إخوان النظام فى الأحزاب والهيئات الكبرى بمصر من أجل التجسس عليهم».
وغير ذلك كثير وكثير، ولا يبقى إلا أن نعرف أن محمود عزت ظل يقود جهاز المخابرات الإخوانى مدة من الزمن، إلى أن أصبح محمد كمال مسئولا عنه، ثم أصبح الآن تحت يد أجيال جديدة، وأصبحت تبعيته للمخابرات البريطانية ثم للأمريكية أمرا لا ينكره أحد، وآخر عملية قاموا بها هى عملية النقيب أشرف الخولى، ولكنهم كتلة من الغباء.