رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تأملات استراتيجية فى التغيرات الجارية


إن من يراقب التغيرات الحادثة قد لا يلحظ التغيرات الجارية وانعكاساتها الاستراتيجية فى المستقبل، وإن كانت ليست فى المستقبل القريب، وقد لاحظت خلال الأسبوع علامات تؤدى فى المستقبل إلى احتمالات التغير الاستراتيجية، التى لا يمكن أن تؤدى وحدها إلى التغير، ولكنها تحتاج إلى من يتولى رعايتها وتنميتها حتى تؤتى أكلها.

ربما كان أول هذه التغيرات تدشين حركة «خليجيون فى حب مصر» والتى تشير إلى احتمال أن ينتقل الخليج بكل ما فيه إلى وسيلة لعودة الفكر القومى والوحدوى، وكما عبر أحدهم «تحقيق الحلم العربى»، بعد أن تصور كثيرون أن الخليج قد تحول إلى إنشاء كيان منفصل عن محيطه العربى، أما ثانى التغيرات فارتبط بانعقاد مؤتمر الشباب بالإسماعيلية بعد أن انعقد فى شرم الشيخ وفى القاهرة وفى أسوان، وأخيرا، وليس آخرا زيارة بابا الفاتيكان، رئيس الكنيسة الكاثوليكية البطرسية، لمصر وما صاحبها من لقاء حار وقدرة على الحوار والتعاون الذى يمكن أن تكون له نتائج كثيرة فى المستقبل القريب.

فقد تلقيت دعوة لحضور احتفال بتدشين حركة «خليجيون فى حب مصر» واهتممت بتلبية الدعوة، وكان قد قد أثار فضولى أن مجموعة من رجال الأعمال الخليجيين ارتأوا إنشاء كيان مؤسسى يلتقون تحت مظلته، بغية إثراء التعاون مع مصر بتنسيق محكم يراعى المصالح المشتركة، وهكذا أسسوا منظومة تعاون مشترك أطلقوا عليها اسم «خليجيون فى حب مصر» وقد عرفوا أنفسهم بأن حركتهم هى أحد كيانات المجتمع المدنى، وبالتالى فإنها إحدى الجمعيات الأهلية غير الربحية، وأنشئت لخدمة الصالح العام المصرى الخليجى من خلال التعاون المثمر مع شركات وجمعيات ومنظمات وهيئات حكومية وأهلية فى كل من مصر ودول الخليج بهدف أشمل يحقق نموذجا من الدبلوماسية الشعبية المثمرة.

كما عبروا عن رؤيتهم بأنها الوصول بـ«خليجيون فى حب مصر» إلى مكانة إقليمية وعالمية مرموقة وكيان قادر على تعميق العلاقات الخليجية المصرية، بهدف تعزيز التعاون المثمر لتحقيق المصالح المشتركة بين المجتمعين الخليجى والمصرى. وأن أهدافهم تتلخص فى تطوير أوجه التعاون بين المجتمعين الخليجى والمصرى من خلال العمل المتواصل على تطوير العلاقات المصرية الخليجية، وتعزيز الخبرات المصرية الخليجية فى مختلف المجالات، ودعم وتطوير مجتمع أعمال ناجح يسهم فى تقديم الرؤى المستقبلية الواعية لتعزيز وتطوير مناخ العمل المشترك، وبناء قاعدة بيانات مشتركة فى الأبعاد البيئية والقانونية والاجتماعية المشتركة، وتوفير ومراجعة فرص استثمارية مناسبة للأعضاء والمساهمة فى ضمان نتائج استثمارية جيدة، وتعزيز العلاقات مع مؤسسات القطاعين الحكومى والخاص، ذات الاهتمام المشترك.

وكذلك تعزيز التعاون المعرفى والعملى من خلال المهرجانات السياحية والثقافية فى مصر ودول الخليج لتنشيط السياحة ودعم الاستثمار السياحى، وتفعيل دور المرأة والشباب فى مجالات العمل العربى المشترك من خلال مجموعة من الفعاليات التى تخدم الهدف الاستراتيجى، الذى تسعى للوصول إليه، والمشاركة الفاعلة فى المشاريع الثقافية والفنية التى تخدم مصر ودول مجلس التعاون الخليجى والمساعدة فى تسويقها ودعم الاقتصاد الثقافى، والقيام بدور مجتمعى مشترك مع منظمات المجتمع المدنى من خلال المشاركة فى الأعمال الاجتماعية داخل مصر، ودعم وتشجيع الاستثمار الفعال فى مصر ليصل إلى النجاح المرجو.

لا شك أن ما سبق يعتبر طفرة فى الموقف الخليجى بشرط الالتزام به، وبالانتقال من الأهداف والمبادئ النظرية إلى المواقف العملية والعمل والالتزام، مع التركيز على ما جاء عن مجالات العمل العربى المشترك وليس الخليجى فقط، أو المصرى الخليجى فقط، وإن كان من الممكن البدء بالعمل المصرى الخليجى، مع الاهتمام أيضا بأن المصلحة المصرية الخليجية تعنى أن يربح الجانبان لا جانب واحد. ولقد تساءلت عن الخطوات التالية فلم أجد إجابة شافية، ولكنى سمعت أنه ستكون هناك اجتماعات ولجان، وهى التى ستبدأ العمل وعلينا أن ننتظر!.

كنت أعتقد أننا نخطئ حينما نركز على الشباب، كما لو كان السن أحد مؤهلات الفرد لتولى عمل ما، وينطبق ذلك على أى فئة يجرى تمييزها عن الباقى كالمرأة ومتحدى الإعاقة، لكن مؤتمرات الشباب قد نبهتنى إلى أنه كان قد حدث تباعد بين تفكير أجيال الشباب الحالى وما سبقهم من أجيال، وأن مؤتمرات الشباب قد نجحت فى اجتذاب بعض أفراد الأجيال الجديدة، وهكذا فإن هذه المؤتمرات تحاول الإعداد لتولى هذه الأجيال المسؤولية فى زمن تغيب فيه الأجيال الأكبر بحكم الطبيعة، ولكن الاستجابة لبعض ما يثيرونه يجب أن تحكمها قواعد هامة، بحيث لا تكون الاستجابة للمطالب طريقا إلى الفوضى والانفلات. أما زيارة بابا الفاتيكان فربما تناولتها فى فرصة أخرى.