رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صدى رسالة البابا فرنسيس


قدم لنا البابا فرنسيس نموذجًا نادرًا فى الإنسانية فى زمننا الصعب الذى يموج بكل أشكال الإرهاب والعنف والتطرف.. إنه زمن من النادر فيه أن نجد من يتحدث بصدق للعالم عن قيم التسامح والسلام والإنسانية. إنه زمن ارتفع فيه صوت مطلقى الرصاص حتى كاد أن يطمس تمامًا صوت صُناع السلام.



إننى أتوقف أمام رسالة البابا التى بعث بها إلينا قبل زيارته.. لأنها ليست مجرد رسالة للتعبير عن زيارة لدولة.. إنما هى كلمة تاريخية سيتوقف أمامها التاريخ طويلًا لأنها نداء موجه إلى العالم بهدف نشر قيم السلام والمحبة والحوار بين الأديان.. نداءً يعكس عظيم التقدير للمصريين ولمكانة مصر كأرض سلام استضافت العائلة المقدسة حين لجأت إليها هربًا من بطش الملك هيرودس.. وأرض سلام تبذل الشهداء وتقدم للعالم شجاعة نادرة فى محاربة الإرهاب والتطرف.

إنها رسالة مهمة تذكرنا بأهمية مصر التى يحاول بعض عملاء وخونة الداخل التقليل من شأنها وزرع الفتن بين أهلها وتدمير صلابة شعبها المخلص لها.. لقد مست رسالة البابا أوتارًا مهمة من مشاعر المصريين الذين هم فى أشد الحاجة إلى من يذكرهم بمكانة وأهمية مصر.. وأن نصبر وأن نعمل وأن نتحد حتى نعبر كل المحن وحتى يسود الاستقرار والازدهار كل ربوع المحروسة.

لقد ذكرتنا رسالة البابا فرنسيس بأن مصر هى مهد الحضارة الإنسانية وأنها أرض مقدسة تستحق أن نلتف حولها وأن نتمسك بقيمها، وأن الانتصار فى حربنا ضد الإرهاب الأسود قادم لا محالة.

إنها رسالة تمس القلب حقًا.. وستبقى فى ذاكرة المصريين لفترة طويلة.. ونأمل أن تكون بداية لتغيير حقيقى ضد التطرّف الذى يعشش بين بعض الدعاة الذين ينتشرون فى السنوات الأخيرة ،محاولين بث الدعاوى المتطرفة والذين نحن فى حاجة إلى أن يعيدوا حساباتهم ويصبحوا دعاة للتسامح والمحبة بين الأديان.. إننا فى حاجة إلى أن تبدأ حركة إصلاح حقيقية تنطلق من الأزهر الشريف ليصبح منبرًا لنشر هذه القيم النبيلة فى العالم، وحتى يمكن تصحيح الصورة المشوهة التى يعكسها المتطرفون، الذين يدعون إلى العنف والقتل والتطرف بدعوى الإسلام.

إننا نرحب برسالة البابا فرنسيس ضيفًا عزيزًا يجىء إلينا بدعوى من الرئيس السيسى تسبقه رسالة، استطاع من خلالها أن يحظى بعظيم الاحترام من كل محبى مصر من أبنائها.. ونامل أن نكون على مستوى الرد عليها.. فنحن مازلنا شعبا يحب الحياة رغم المحن، والأغلبية من المصريين لم يفقدوا الأمل بعد فى استعادة القيم المصرية التى يحاول المتآمرون علينا طمسها وتغييرها، وكأنها لم تكن.

إن الشعب المصرى رغم كل الصعاب والتحديات والمؤامرات الدولية والداخلية التى يواجهها.. مازال يأمل فى القضاء على الإرهاب وفِى تطهير البلاد من خفافيش الظلام، ومازال يتحمل الصعاب أملًا فى أن تتحسن الأحوال وأن يعود الأمان إلى شوارعنا، وأن تتقدم خطى التنمية وأن تتبوأ مصر المكانة التى تستحقها بين الدول.

لكن فى مقابل رسالة السلام والتقدير والمحبة التى بعث بها البابا.. فإنه لم يتلق ردًا فى المقابل يتناسب مع عظمة محتواها وعمق مغزاها من قادة الدين فى بلدنا.. إن هذا الرجل يستحق أن ننصت إلى رسالته وأن نعمل من جانبنا على تفعيل محتواها.. لذا من الضرورى أن يدعو شيخ الأزهر إلى السلام ومحاربة الإرهاب واحترام الأديان ونبذ التطرّف المقيت.. إننا لابد أن نكون على مستوى المكانة التى تحظى بها مصر فى عيون العالم من ناحيه القيم الأخلاقية ونبذ التطرّف.. إن نظرة سريعة على مسيره البابا فرنسيس تجعلنى أقول إنه رجل تتطابق أفعاله مع أقواله.. وإنه قائد دينى من طراز فريد.. فهو قد اختار الرحمة شعارًا بابويًا له منذ انتخابه فى ١٣ مارس ٢٠١٣.. كما أنه يحسب على الجناح الإصلاحى.. وهو أيضًا رجل مثقف يتقن ٧ لغات هى: الإسبانية واللاتينية والإيطالية والألمانية والفرنسية والأوكرانية.. بالإضافة إلى الإنجليزية.

كما عرف عنه على الصعيد الشخصى وكقائد دينى.. أنه متواضع ويدعم الحركات الإنسانية و يعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ويُشجيع الحوار والتواصل مع مختلف الخلفيات والثقافات.. فبعد انتخابه حبرًا أعظم وصف بأنه «البابا القادر على إحداث تغييرات».. فقد اختار على سبيل المثال أن يقيم فى بيت القديسة مارثالا بالبابوى.. واختار اسم فرنسيس تيمنًا بالقديس فرنسيس أحد معلمى الكنيسة الجامعة والمدافع عن الفقراء.. أما اسمه الأصلى فهو «خورخى ماريو بيروجوليو».. أرجنتينيًا- فاتيكانيا.. ويعتبر أول بابا من العالم الجديد وأمريكا الجنوبية والأرجنتين.. وأيضًا أول بابا من خارج أوروبا منذ عهد البابا «جريجورى الثالث» ٧٣١ -٧٤١ ميلادية.. وهو أيضًا بابا الكنيسة الكاثوليكية.. ومن أشهر أقواله التى أعجبتنى.. والتى انتقيتها للقارئ هنا أنه قال عن السلطة: «إن السلطة الحقيقية هى فى الخدمة».. وعن الأخلاق قال: «إن الأخلاق لا تسقط أبدًا بل دوما تنهض من جديد».. كما قال أيضاً: «إن زمن الشهداء لم ينته».. فتحية لكل كلمة قالها هذا القائد الدينى.. صانع السلام.. والذى جاءنا بروح مُحبة نبيلة وقلب عاشق لبلدنا ليخفف من أحزاننا على فقدان إخوة وأبناء شهداء من المسلمين والمسيحيين.