رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأصولية الدينية وتدمير الحضارة الإنسانية «1-2»


شهد شارع الشانزليزيه الشهير فى باريس، حادث إطلاق نار مساء الخميس الماضى، أسفر عن مقتل شرطيين وإصابة ثالث، ومقتل منفذ الهجوم، وأعلن تنظيم «داعش» الإرهابى مسئوليته عن هذا الهجوم الإرهابى.

ومنذ عدة أشهر دهس سائق شاحنة سوقًا لعيد الميلاد فى ألمانيا مخلفًا وراءه 12 قتيلًا و48 جريحًا وهذه الاعتداءات تذكرنا بالاعتداء الذى وقع فى نيس بجنوب فرنسا حين دهست شاحنة صغيرة الحشد المتجمع هناك فى مساء العيد الوطنى الفرنسى، ففى ليلة مبهجة وبينما كان الشعب الفرنسى يحتفل بالعيد الوطنى، «يوم الباستيل»، تجمع فى مدينة «نيس» المئات ليلة 14 يوليو الماضى لمشاهدة عرض الألعاب النارية، وأثناء الاحتفال والابتهاج، علا العويل، وأصبحت الصيحات صرخات، وتحولت الابتسامات إلى دموع، والأفراح إلى أتراح، حيث دهست شاحنة تزن 25 طناً، حشدًا من الناس بقيادة التونسى الأصل محمد بوهلال، الذى يعيش فى فرنسا ويحمل جنسيتها، واعتدى بشاحنته على حشد من المحتفلين كان من بينهم سكان «نيس» وسائحون أجانب، وامتدت عملية الدهس على مسافة كيلو مترين، ونتج عنها إزهاق أرواح 84 شخصًا، وإصابة حوالى مائة شخص، وتبنى تنظيم الدولة الإسلامية الهجوم، وفى كلمة له عقب الاعتداء، قال الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند: إن فرنسا مستهدفة من الإرهاب وإنه سيتم تمديد حالة الطوارئ لـ3 أشهر.

وفى جنوب ألمانيا فى يوليو الماضى قام لاجئ أفغانى عمره 17 عامًا، وكان مسلحًا بفأس وسكين وقام بمهاجمة مسافرين فى قطار فى الولاية الواقعة فى جنوب ألمانيا، وأصاب أربعة بإصابات بالغة، وذكر هيرمان وزير الداخلية أن أول شاهد عيان على الهجوم ذكر أن الجانى صاح بعبارة «الله أكبر» خلال تنفيذ الاعتداء، وأنه تم العثور على راية لتنظيم داعش فى غرفة الفتى الأفغانى طالب اللجوء، وقد سبق أن أعلن تنظيم داعش مسئوليته عن الحادث الإرهابى الذى حدث ببلجيكا فى مارس الماضى.

ومايقوم به تنظيم داعش من قتل وذبح للأبرياء، يُعد جريمة نكراء فى حق الإنسانية، وعملًا إرهابيًا دنيئًا، وهنا لابد أن نسمى الأمور بمسمياتها الحقيقية بعيدًا عن تزييف الواقع لأنّ الشعوب التى تفشل فى تشخيص أمراضها بشجاعة، تموت عادةً نتيجة تناول الدواء الخطأ، فالطبيب الأمين فى عمله لا يقبل على نفسه أن يخدع مريضه المصاب بالسرطان ويقول له إنك مصاب بالإنفلونزا، وتكمن المشكلة الرئيسة التى تدفع هؤلاء السفاحين لارتكاب جرائمهم فى الأصولية الدينية التى تتبنى تفسير النصوص الدينية بحرفيتها منزوعة من سياقها التاريخى والحضارى، والأصوليون الدينيون يقومون بالتفسير دون اعتبار لأى علوم ومعارف إنسانية، وبتجاهل واضح لكل تقدم حضارى، وبتجاوز سافر لجميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ومن ثم يترتب على ذلك الترويج لبعض الأفكار التراثية البالية التى عفا عليها الزمن منذ زمن والتى تتطلب عقولًا ناقدة لدحضها ورفضها والتعامل معها فى ظل سياقها التاريخى والحضارى، أما أن يتم استدعاء مثل هذه الأفكار والأفعال الهدامة اليوم وبتجاهل واضح ومتعمد لكل تقدم أحرزته الإنسانية على مدار القرون الماضية، فهذا تدمير للحضارة الإنسانية، ومن ثم فإن مكافحة الإرهاب تستلزم مواجهة أمنية ومواجهة فكرية، كما أن محاربة الإرهاب تتطلب قصفًا فكريًا يتزامن مع القصف الجوى، واحتياجنا فى المرحلة الحالية لمثقفين أكفاء لا يقل أهمية عن احتياجنا لجنود بواسل.

هل هذا الارهاب الذى يطال دولًا أوروبية هو نتاج احترام هذه الدول للحريات وحقوق الإنسان؟، وهل هذا الثمن الفادح هو بسبب إيواء دول أوروبا للثعابين والعقارب من الإرهابيين والأصوليين الدينيين؟.. هذا ما سنتناوله فى المقال المقبل.