رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التى حلقت شعرها!


المقدمات، فى أى سياق طبيعى أو عادى، قد لا تقود إلى تلك النتيجة.

فتاة مريضة، لديها حلم بأن تكون ممثلة، وتعتقد أنها تمتلك ما يؤهلها لأن تكون «رقم واحد فى الكوميديا فى مصر» كما كتبت فى حسابها على «فيسبوك» الذى لن تجد به غير ما يدعو إلى الضيق ويستوجب «الشفقة» على تلك الفتاة المريضة، التى دفعها السياق غير الطبيعى وغير العادى، إلى تصوير فيديو تحلق فيه شعرها، بزعم اعتراضها على أوضاع سياسية!

ومع الضيق والشفقة، ستشعر بـ«القرف»، حين يستغل هذا الفيديو الباحثون دائمًا عن «جنازة» يشبعون فيها لطمًا، أو يشبعون بها بطونهم أكلًا. ومما يؤسف أن تجد الفتاة المريضة تفرح بهذا الاستغلال وتعتقد أنها حققت نجاحًا: فرحت بعرض الفيديو على قنوات «الشرق، مكملين وشبكة رصد».. وشكرت «شبكة رصد» مرتين: «أشكرك ربى لتانى مرة، النهاردة بيدج شبكة رصد توصل صوتى وبإذن الله صوتى هيوصل وهتبقى قضية رأى عام حتى لو التمن إنى هموت بعدها».

الفتاة ليست فى حالة طبيعية، وما يؤكد ذلك هو أنها كتبت «قد إيه أنا فرحانة إن صوتى بيوصل»، لأن حسابًا على «فيسبوك» باسم «د. محمد مرسى» عليه صورة «المرحوم»، قامت بمشاركة الفيديو مع تعليق: «مشهد الفتاة المصرية التى تحلق شعرها زيرو أمام الكاميرا احتجاجًا ع الأوضاع الاقتصادية والأمنية فى نصر وتدعو بحرقة ع السيسى يبكى الحجر». فهل لم يقل لها أحد إن محمد مرسى العياط فى السجن، حيث لا «واى فاى» ولا «فيسبوك»؟!

الحالة غير الطبيعية، تعود غالبًا، أو على الأرجح، إلى كونها مريضة. ولو تشككت فى كونها مصابة بالسرطان، كما كتبت فى أكثر من تدوينة، فلن ينتابك أى شك فى أنها مصابة بمرض نفسى، جعلها تكره كل ما حولها ومن حولها: أهلها، أصدقاؤها، زملاؤها، حياتها. ويكفى أن تتصفح سريعًا حسابها على «فيسبوك»، لتدرك أنها تكره الجميع، ولا تحب ولا تريد غير أن تحقق حلمها فى أن تكون ممثلة: «عندى يقين إنى هوصل وهنجح فى تحقيق حلمى ألا وهو التمثيل». وما بين التنصيص أنقله من تدوينة كتبتها فى 2 ديسمبر الماضى!

الحساب أنشأته فى 20 يونيو 2016 وكانت أولى تدويناتها «كتر الألم بيموت الإحساس». وغير الأخطاء الإملائية، وفوق عدم قدرتها على كتابة جملة مفيدة، ستلحظ قطعًا أنها لم تكن تبدى اهتمامًا بأى شأن أو موضوع سياسى ولو من بعيد. فقط اقتصر استخدامها الحساب على الشكوى وبث الهموم والتعبير عن الألم وإعلان الغضب والضيق ممن زعمت أنهم تخلوا عنها.

كتبت، مثلًا، فى 9 نوفمبر، 2016: «رسالة لكل اللى معايا فى مجال التمثيل.. أنا مش هطلب المساعدة من حد.. لكن قسم على قسم ربى يوم ما هوصل مش هرحم حد/ولا هيبقى فى ذرة تعاطف عندى لجنس مخلوووق/ ليه ياشوية كلاااااب بآجمعكم لما تعرفواا إن فى برامج لاكتشاف مواهب التمثيل مابتقولوش لغيركم؟؟!! زى آرب كاستنج وذا كوميدى وغيره وغيره.. ليه ياشوية حيواااناااات بتبخلواا على غيركوا بشوية معلومات؟؟!!».

هذا، عن زملائها «فى مجال التمثيل»، أما الأهل، أهلها، فأعلنت عن ضيقها وغضبها منهم فى تدوينة كتبتها فى 13 نوفمبر الماضى: «صبرت صبر أيوب ومافرحتش ولا مرة فى حياتى/ والسنة بالنسبالى تعااادل 50 سنة ومش ببالغ لإنكم مهما مريتوا من ظروف عمركوا ماهتعيشوا المآساه والمعاناه والوجع اللى أنا شفته فى حياتى/ وأول ناس هما أهلى سابونى أعانى فى الغربة لوحدى/ والحمدلله راضية بإللى ربنا كتبهولى».

قد تستوقف البعض عبارة «أعانى فى الغربة لوحدى»، وقد يحاولون بها إثبات أن الفيديو، الذى حلقت فيه شعرها، تم تصويره خارج البلاد. ولا يعنينى ذلك بقدر ما يعنينى تشخيص حالتها. إذ أنها مع هذا المرار كله، أو فوق كل هذا «الغُلب»، سواء كان حقيقيًا أم ادعاءً، تعرضت لـ«أزمة عاطفية» ربما أدّت إلى تفاقم أزمتها، الأمر الذى ستستنتجه بسهولة مما كتبته فى 15 أغسطس، 2016: «عاااااااااااااااااااادى جدااااا/ الحياه ما بتوقفش على حد/ يرووح كلب ييجى 10 وهفضل أنا زى ما أنااااااااااااااا».

والأهم من كل ما سبق، هو أن التدوينات، إجمالًا، تقول إننا أمام ضحية أو فريسة سهلة لكل من يريد استغلالها: جماعات إرهابية، أجهزة أمنية ومخابراتية.. أو نفسها الأمارة بالسوء على أقل تقدير! ضحية أو فريسة قد تندرج حالتها تحت ما يُعرف بـ«الاضطراب ثنائى القطبية» أو «الاضطراب الهوسى الاكتئابى» وهى الحالة التى يتأرجح فيها المريض بين الهوس والاكتئاب: نشوة مفاجئة أو غضب شديد، وتصرفات متهورة وارتفاع التقدير الذاتى، والانشغال بأمور لا صلة له بها، مع تصرفات حمقاء واكتئاب يلازمه شعور بانعدام القيمة والرغبة فى التخلص من الحياة.

فى غياب الأهل، لو كانوا فعلًا تخلوا عنها كما كتبت، تكون الكرة فى ملعب مؤسسات الرعاية الاجتماعية. وأرى أن دور الأجهزة الأمنية يجب أن يقتصر على البحث عنها وتسليمها إلى أى مؤسسة تتولى علاجها جسديًا ونفسيًا، بدلًا من تركها فريسة سهلة لنفسها الأمارة بالسوء أو لتنظيمات إرهابية أو أجهزة معادية ليس بعيدًا أو مستبعدًا أن تقنعها، فى المرة القادمة، بركوب القطار السريع إلى الجنة، وتفجير نفسها!

غير أن المشهد سيتعقد تمامًا، لو كانت صادقة حين كتبت أنها «فى الغربة»، وفى هذه الحالة لا نملك غير الدعاء بأن يتولاها الله برحمته.