رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نجاد راجع!


ركب محمود أحمدى نجاد الناقة وشرخ!

وفى ركوب الرئيس الإيرانى السابق الناقة، أو فى استبعاده من خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، ما يدعو إلى الضحك ويستوجب التأمل، قبل أن نحمد الله كثيرًا لأنه عافانا مما ابتلى به آخرين، وكنّا قاب قوسين أو أدنى من ذلك الابتلاء أو تلك «البلوى»!



ولعل أكثر ما قد يدعو إلى الضحك، هو استدعاء تلك الصور التى أشار فيها نجاد بـ«علامة النصر»، أى رفع إصبعيه السبابة والوسطى، خلال وبعد لقائه «شيخ الأزهر» فى حضور ما توصف بـ«هيئة كبار العلماء»! ووقتها، كان المذكور فى القاهرة ممثلًا لوفد دولته فى قمة منظمة التعاون الإسلامى التى انعقدت فى الفترة من 6 إلى 7 فبراير 2013، ليكون أول رئيس إيرانى يزور مصر منذ سنة 1979 أى منذ ما توصف بـ«الثورة الإيرانية».

ويشاء السميع العليم أن يستدعى أحدهم الآن ذلك اللقاء وهو يحاول تفسير ما يراه هجومًا على الأزهر الشريف، بزعم كونه بداية لانفتاحه على إيران، الأمر الذى ينسفه تمامًا ذلك البيان الذى أصدرته المشيخة وقتها، والذى قد تعتقد وأنت تقرأه أنه مكتوب فى السعودية!

ما علينا، فما يعنينا الآن هو الضحك الذى تدعو إليه تلك الصور التى تم التقاطها خلال اللقاء وبعده. ولو أردت أن تضحك أكثر، تذكر أيضًا ذلك اللقاء الصورى الذى جمعه بمحمد مرسى. وهو لقاء صورى لأنه جمع بين دمية بدمية، ولو أرادوا أن يكون حقيقيًا لجاء المرشد الإيرانى والتقى المرشد الإخوانى، وتركا الصبيين، نجاد ومرسى، أو الأراجوزين (مثنىّ أراجوز)، يلعبان فى الحديقة، أى فى «الجنينة»!

وسواء اكتفيت بالضحك على الصور أو ضحكت أكثر بالضحك على اللقاء الصورى، فإن ركوب «نجاد» الناقة أو استبعاده، لا يستوجب أى دهشة، لأن هذا هو «سلو بلدهم» أو التطبيق النموذجى لـ«ولاية الفقية» أو لـ«حكم المرشد». وبالتالى، لم يدهشنى ما نقلته وكالة «تسنيم» الإيرانية عن لجنة الانتخابات الرئاسية بأن مجلس تشخيص مصلحة النظام (المجلس اسمه كده) وافق على ترشح 6 شخصيات فقط لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، ليس بينهم اسم نجاد، لأن المجلس، «مجلس تشخيص مصلحة النظام»، بعد أن قام بدراسة أهلية المرشحين، اكتشف عدم أهلية المذكور!

نجاد، دمية على شكل «صقر»، خرجت من عش المحافظين المتشددين، ومع أنه لم يكن من الوجوه السياسية البارزة قياسًا بمنافسيه فى انتخابات 2005، إلا أنه نال رضا المرشد الإيرانى ودعم وتأييد الحرس الثورى. وباستمرار الرضا والدعم، أعيد انتخابه فى 2009 متغلبًا بالتزوير على منافسه مير حسين موسوى، وكذا بقمع الاحتجاجات الشعبية والتنكيل بمعارضيه وأنصار منافسه الخاسر. فلما فقد الدعم والتأييد وحل الغضب محل الرضا، ركب الناقة وشرخ، بعد أن تم استخدامه طوال ثمانية أعوام فى تصفية حسابات الحرس الثورى مع بعض رجال الدين وفى فرض مزيد من السيطرة على السلطتين التشريعية والقضائية. قطعًا، تم استخدامه، ولم تكن الخلافات المعلنة بينه وبين المرشد على خامنئى إلا مجرد «غلوشة»، بدليل أن الأخير لم يستخدم حقه الدستورى فى إقالته، وتركه حتى أنهى فترته الرئاسية الثانية.

كان الأستاذ الجامعى، الحاصل على الدكتوراه فى الهندسة، قد انضم إلى الحرس الثورى خلال الحرب العراقية الإيرانية، وخدم فى جهاز المخابرات والأمن العام. ودعك، أى «سيبك»، من نفى مستشاره مجتبى هاشمى وزعمه بأنه كان أقرب ما يكون بمتطوع!

دعك من ذلك، ليس فقط لأنهم دائمًا «بيقولوا كده»، ولكن لأن الواقع أيضًا أكد المعلومة، بتزايد نفوذ الحرس الثورى أمنيًا وتمكّن ذراعه الاقتصادية، المعروفة اصطلاحًا بـ«خاتم الأنبياء»، من فرض سيطرتها على القطاعين التجارى والصناعى والاقتصاد الإيرانى إجمالًا. كما لم يكن هجومه على ما وصفها بـ«مافيا النفط» فى إيران إلا تمهيدًا أو تبريرًا لوضع النفط تحت سيطرة الحرس الثورى، الذى اختار مسعود مير كاظمى، أحد المنتمين إليه، وزيرًا للنفط! ومن بين قيادات الحرس الثورى، أيضًا، اختار أحمد وحيدى، وزيرًا للدفاع، الملاحق دوليًا والموضوع على قوائم الإنتربول! ومن قيادات الحرس اختار، كذلك، وزير داخليته الذى أدين بالحصول على درجة دكتوراه مزورة (أى مضروبة)!

ربما لم يدرك «نجاد» أن دوره انتهى. وربما أدرك وحاول أن يقنع نفسه بأن بإمكانه أن يتمرد على دور الدمية و«يلعب» مع نفسه، فظل يمهد منذ يونيو 2016 لقرار ترشحه، وحين تم فتح الباب، فى 12 أبريل، حمل أوراقه ودخل. غير أن حلم التمرد لم يدم أيامًا، أفاق بعدها على قرار «مجلس تشخيص مصلحة النظام» باستبعاده لعدم أهليته. ولا نعرف هل سيدلى بصوته هو ومؤيدوه وأتباعه، فى 19 مايو المقبل، أم نراه ونراهم يحملون لافتات مكتوبًا عليها «نجاد راجع»، كعادة المخابيل فى مثل تلك الحالة؟!

لا تثريب على الأتباع، المؤيدين أو المخابيل، لو قالوا «نجاد راجع»!

وربما انتظروا أن يعود معه «المهدى المنتظر» الذى ظل «راكب الناقة» طوال فترة حكمه يعلن عن اقتراب موعد عودته! وكان يؤكد فى أى مناسبة (أو بدون) أن أولى مهام إدارته هى إقامة مجتمع نموذجى مهيأ لاستقبال إمام الزمان الغائب. ويكفى أن تعرف أنه تناول الفكرة، فكرة اقتراب عودة المهدى المنتظر، فى خطاب له أمام الأمم المتحدة!

ولا تبقى غير الإشارة إلى أن تشابه بين أحداث وشخصيات «الفيلم» السابق وما كان (أو كاد) يجرى على أرض الواقع هنا، هو تشابه مقصود.