رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"توين"صاحب السيرة الأكثر مبيعا طيلة قرنين

مارك توين
مارك توين

تحل اليوم الذكري السابعة بعد المائة٬ لرحيل الكاتب الأمريكي "مارك توين"٬ وبحسب وليم فوكنر: يعد مارك توين أبا للأدب الأمريكي .

ولد توين باسم"صامويل كليمنس" فلوريدا٬ ولاية مسيسبي عام ١٨٣٥ولم تكن عائلته ذات مورد مالي كاف٬ كما توفي والده وهو صغير ٬ فبدأ وأخوه"أوريون" عملا بسيطا في مطبعة٬ لتمضي الحياة٬ ثم شرع يكتب في الصحف وقتئذ مقطوعات ساخرة مضحكة لتحقيق حلمه في أن يصبح أديبا٬ وهو الحلم الذي لازمه من صغره.

اتخذ صامويل في البداية اسم "جوش" ثم توماس جيفرسون سنودجراس ثم كابتن آيزايا سيلرز٬ إلي أن أهتدي إلي مارك توين في ١٨٦٣ بعد وفاة أخيه٬ لربما يتجنب مصيره في خياله٬ بإضفاء نوع من التعمية عليه أمام تصاريف القدر.

بدأت حياته الأدبية عام ١٨٦٧، بنشر أول قصصه الساخره"حكايات طويلة" ثم أول كتبه وهو انطباعات عن رحلات قام بها عبر ولايات أمريكا بعنوان أبرياء في الخارج ١٨٩٦ .

وقع توين في غرام"أوليفيا ليفي" من صورة رآها لها مع أخيها٬ وكانت من عائلة ثرية متحررة٬ ورفضته في البداية لكن مع إصراره تزوجها عام ١٨٧٠ وعاشا فترة قصيرة في "بافلو" ثم أنتقل الزوجان بشكل دائم إلي هارفورد٬ حيث أنغمس في أبداعه الصحفي والأدبي٬ من ثم راح ينشر روايات وقصصا ورحلات ورسائل ويوميات٬ حتي ذاعت شهرته التي انفجرت بعد روايته" توم سوير" ١٨٦٧ ٬ مغامرات هوكليبري فن ١٨٨٤

توفي ابنهما الأول وعمره عام ونصف٬ كذلك توفيت ابنته"سوسي وكلارا" في أواخر حياته ودام الزواج ٣٤ سنة٬ وقد أثرت زوجته في حياته العملية بل وأثارت أدبه بما كان حولها من مثقفين وقيادات مجتمعية٬ حيث عرفته بمن يدعو إلي الإشتراكية٬ حقوق الإنسان٬ المساواة بين الرجل والمرأة٬ حق المرأة في التصويت٬ وغيرها من قيم التحرر في العالم٬ بمقياس زمنه وحتي بمن كانوا يدعون إلي الإلحاد.

انضم توين ١٨٩٨ إلي لجنة مناهضة الإستعمار"في معارضة منه لمحاولة الولايات المتحدة ضم الفلبين" وكتب قصته المؤسية "صلاة الحرب"١٩٠٥ ٬ مستلهما أفكاره ضد هذه الحرب٬ لكن المجلات رفضت نشرها٬ فقال: "يبدو أنها لن تنشر إلا بعد وفاتي" وبالفعل لم تنشر إلا عام ١٩٢٣ ثم أعيد نشرها من جديد إبان حملات المعارضة ضد حرب فيتنام في أمريكا.

رصد كثير من النقاد والمحللين بعضا من أفكاره"الراديكالية" حيث تبين من كلام سيرته التي أوصي بعدم نشرها إلا بعد وفاته وقد كان٬ أنه أيد الثورة الفرنسية بكل ما فيها من عنف وإقتتال وجرائم٬ كما أيد تلك الثورات التي قامت ضد الإصلاحيين في روسيا ١٩٠٥ وكان يري أنه ليس لها أن تنجح إلا إذا وفقت في قتل القيصر بأي وسيلة دامية٬ فالسلام لا يجدي مع أي ثورة.

أصيب بإكتئاب سوداوي عنيف٬ وراح في حالة من اليأس والحرمان والأسي٬ أثر فشل تجاري ذريع في مهنة النشر٬ووفاة إبنتيه وزوجته٬ فكتب سيرته إذ أحس بدنو الأجل٬ وقد ظلت هذه السيرة من أكثر الكتب مبيعا طيلة القرنين الـ١٩ و٢٠، لكنه نال الدكتوراة الفخرية من جامعة أكسفورد ١٩٠٧ وكرمه الرئيس الأمريكي"تيودور روزفلت" في البيت الأبيض ١٩٠٩. وربما كانت آلامه الأخيرة هي ما قادته للعودة إلي الإيمان والكنيسة من جديد.

قال توين ١٩٠٩ : لقد أتيت إلي الدنيا مع ذنب هالي الذي ضرب الأرض في ١٨٣٥ وهاهو أت العام القادم ٬ وأتوقع أن أمضي معه وستكون خيبة أمل حياتي الكبيرة٬ إن لم أذهب مع المذنب٬ وأسمعني العزيز القدير دون ريب: لقد جاءت هاتان الأزمتان معا ولم تذهبا إلا معا٬ وأصيب بأزمة قلبية توفي بها بعد يوم من قدوم مذنب هالي. وقد قلت أنا الفقير إلي الله يوما: في الموت بعض من إرداة.

قال عنه مواطنه الروائي" أرنست هيمنجواي: إن الأدب الأمريكي الحديث لم يبدأ إلا مع رواية" مغامرات هوكليبري فن" لمارك توين٬ وربما أفاد همنجواي نفسه من طريقة سرد توين ودقته اللغوية وحرصه علي الزوائد ونزع الشحم عن اللحم في النص.

زاره "توماس أديسون" قبل عام من وفاته ١٩٠٩وصور طرفا من حياته هناك٬ وهو الأثر المحيد المتبقي من توين علي مدار الزمن٬ كما إستفادت هيلين كيلر من آراء توين٬ في نيل حقوقها مع ما كانت تتمتع به من نقص كلي في وظائفها الجسمية.

ناهض في حياته مظاهر العبودية وكل أشكال العنف ضد العنصرية٬ وكان معارضا لتشريح الحيوانات وهي حية. وعلي رغم أن أعماله كانت مستنيرة ضد عبثية الكائن البشري٬ وساخرة من كل عنت ومظالم٬ إلا أنه يقول في "يوميات شيطان: للإنسان فضول مذهل وهو بأفضل حالاته ملاك بطلاء نيكل رخيص٬ وبأسوئها غير ناطق غير حالم٬ لكنه في الأول والأخير سخرية من الأقدار كما أوضح في سيرته التي نشرت بعد وفاته ١٩٢٤: من بين كل مخلوق خلق لا أري الإنسان إلا أكثرها بغضا !.