رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناء.. المشروع الصهيونى وذكرى التحرير


نحتفل فى 25 أبريل بعيد تحرير سيناء، هذا التحرير الذى جاء كنتيجة طبيعية لانتصار حرب أكتوبر، وهو بالمناسبة النصر الوحيد للعرب فى القرن العشرين. ولكن فى غمرة فرحتنا بعودة سيناء، علينا ألا ننسى دروس التاريخ، وأن نسأل أنفسنا هل نجحت معاهدة السلام فى أن تغير من سيطرة الفكر الصهيونى على نظرة إسرائيل لسيناء؟



يحرص الفكر الصهيونى دائمًا على ادعاء الوجود اليهودى واستمراريته فى سيناء منذ العهد القديم. وتحرص الدراسات الصهيونية فى هذا الشأن على ذكر المعالم الجغرافية الواردة فى (قصة الخروج)، خروج بنى إسرائيل من مصر، فهناك دائمًا ذكر لـ«حمام فرعون» و«عيون موسى» و«جبل موسى» و«طور سيناء»، حيث نزلت الوصايا العشر وبالتالى تعتبر سيناء جزءًا من الأراضى المقدسة.

من هنا اكتسبت سيناء هذا الاسم الغريب فى المعنى والدلالة فى الأدبيات الإسرائيلية وهو: سيناء «فلسطين المصرية». وربما ينظر البعض إلى هذا المصطلح بحسن نية نظرًا للعلاقات الجغرافية والديموجرافية والتاريخية بين سيناء وفلسطين عبر العصور، لكن هذا المصطلح الغريب الذى نجده فى الأدبيات الصهيونية والذى انتقل للأسف إلى بعض الأدبيات العربية يتضمن معانى ودلالات غاية فى الخطورة.

إن تعبير (سيناء «فلسطين مصرية») هو تعبير صهيونى من الطراز الأول يهدف فى الحقيقة إلى ادماج سيناء فيما يعرف بفلسطين الكبرى، كما ينزع عن سيناء انتماءها المصرى الأصيل، وهو أيضًا مصطلح عنصرى، إذ يجعل سيناء أرضًا بلا هوية، وبلا شعب محدد المعالم، وبالتالى هى مناطق من المشروع استعمارها، متجاهلين بذلك تاريخ هذه المناطق والطبيعة الخاصة بسكانها، ولذلك استمرت الأطماع الصهيونية فى سيناء عبر فترات طويلة من الزمن. وكانت أهم هذه المشاريع مشروع «بول فريدمان» للاستيطان فى سيناء بين عامى 1891 و1892. وما يهمنا فى مشروع «بول فريدمان» هو هذا المصطلح الغريب الذى أطلقه على مشروع إقامة مستوطنة يهودية فى سيناء تحت اسم (أرض مديَّن)، وهو هنا يعيد إحياء هذا المصطلح التوراتى عن أرض مديَّن. كما طرح بول فريدمان أمرًا آخر فى غاية الخطورة، وهو فكرة إنشاء قناة جديدة تربط البحرين الأبيض والأحمر وتكون بديلة عن قناة السويس.

ومع انعقاد المؤتمر الصهيونى الأول فى مدينة بازل عام 1897 بدأ «هرتزل» فى طرح مشاريعه الاستيطانية من أجل إحياء أرض المعاد «إسرائيل». وربما لا يعلم الكثيرون أن سيناء كانت محط أهم مشاريع هرتزل الاستيطانية، ورحب اللورد كرومر «المعتمد البريطاني» فى مصر بهذه الفكرة، لأن مشروع استيطان سيناء سيمثل أكبر حماية لقناة السويس. حيث روَّج هرتزل لفكرة أن استيطان اليهود وتعميرهم سيناء سيكون بمثابة أكبر خط دفاعى عن القناة.

وأرسل هرتزل بعثة فنية استكشافية لإجراء ما يمكن أن نسميه «دراسة جدوى» حول هذا المشروع، وقدمت البعثة فى تقريرها جميع التفاصيل الحيوية حول الموارد الطبيعية وإمكانيات التنمية البشرية فى سيناء. لكن لحسن الحظ وقفت الحكومة المصرية فى القاهرة، والدولة العثمانية فى اسطانبول ضد هذا المشروع، الأمر الذى أدى إلى تراجع «هرتزل» عن الفكرة وتركيزه على فلسطين. لكن الحلم الصهيونى فى سيناء سوف يستمر رغم فشل مشروع هرتزل لإقامة مستوطنات فى سيناء. وعلى الرغم من تركز جهود الصهاينة منذ وعد بلفور على فلسطين، لم تنس إسرائيل قط أن سيناء هى (فلسطين المصرية).

وما أشبه الليلة بالبارحة، فمن حينٍ إلى آخر تتردد مشاريع صهيونية إسرائيلية نحو إعادة توطين أهل غزة فى سيناء تحت زعم أن سيناء امتداد طبيعى لسوريا الجنوبية أى (فلسطين الحالية) فى الفكر الصهيوني. كما يتم تصدير رسائل إلى العالم بإمكانية معالجة الكثافة السكانية العالية فى غزة بفتح سيناء (فلسطين المصرية) كمجال حيوى لأهل غزة.

إن التحدى الحقيقى الآن أمام مصر: هل تبقى سيناء تحت رحمة الادعاءات الإسرائيلية بأنها «فلسطين المصرية» وأنها منطقة عازلة بين إسرائيل ومصر، أو حتى تركها لبؤر الإرهاب لتصبح سيناء شوكة فى قلب مصر، أم تفعيل المشروع المصرى بتعمير سيناء وربطها بوادى النيل حمايةً للأمن القومي؟