رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استهداف الكنائس فى مصر


خلال السنوات الماضية، تكررت حوادث استهداف الكنائس فى مصر، وكان آخرها التفجير الذى وقع فى كنيسة مار جرجس بمدينة طنطا شمالى القاهرة. وارتفعت وتيرة أعمال العنف فى مصر بشكل عام خلال السنوات الأربع الماضية، منذ إطاحة حكم الإخوان المسلمين بعد احتجاجات عليه فى يونيو 2013.

إن الاستهداف المجرم والجبان الذى طال كنيسة مار جرجس فى طنطا ومحيط الكنيسة المرقسية فى الإسكندرية، يشكل حلقات متصلة لزعزعة أمن مصر والأمة العربية، والتى تأتى ضمن مسلسل الإرهاب الموجه لنشر الفوضى فى مجتمعاتنا الوطنية وضرب وحدتها واستقرارها، ودفعها نحو فتن وانقسامات مجتمعية لا تخدم إلا الأعداء، وفى طليعتهم الكيان الصهيونى الذى يستخدم لهذه الغاية مجموعات مجرمة تعمل بإمرته تحت عناوين كاذبة لا تمت بصلة لأى قيم دينية وإنسانية هدفها الأول هو زعزعة أمن واستقرار مجتمعاتنا، من أجل تحويل دولنا إلى دول فاشلة وهشة يمكن اختراقها وتطويعها لإرادته وإرادة أسياده.

ولم تكن تلك الحادثة هى الأولى التى تستهدف الكنائس، فقد وقع قبلها العديد من الاعتداءات منذ عهد السادات حتى يومنا هذا. والملاحظ أن هناك نقلة نوعية فى تلك العمليات الإرهابية، إن التحديات فى مجال مكافحة الإرهاب فى مصر كبيرة ومعقدة للغاية، خاصة فى ظل الاستهداف الذى تعرض له الجهاز الأمنى المصرى عام 2011.. لذا فإننا أصبحنا أمام تطوير نوعى خطير من الجماعات الإرهابية، وهذا يتطلب مواجهة غير تقليدية من قوات الأمن، ويستدعى تطوير الخطط الأمنية القديمة، والتعامل مع التفكير الجديد لتلك الجماعات.. وأهم الهجمات التى استهدفت كنائس فى مصر خلال السنوات الماضية:

تفجير كنيسة القديسين: عشية احتفالات رأس السنة عام 2011 وقع تفجير كبير استهدف كنيسة القديسين، فى منطقة سيدى بشر بمدينة الإسكندرية، وقتل خلاله 23 شخصا وأصيب 97 حسب مصادر رسمية.

حادث كنيسة الوراق: أطلق مسلحون متشددون النار على حفل زفاف فى منطقة الوراق بالقاهرة، مما أدى إلى مقتل 3 أشخاص، وذلك فى شهر أكتوبر 2013.

تفجير الكنيسة البطرسية: فى ديسمبر الماضى فجر مهاجم انتحارى نفسه فى قاعة للصلاة بالكنيسة البطرسية الملحقة بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس فى القاهرة، موقعا 25 قتيلا أغلبهم من النساء والأطفال وعشرات المصابين.

تفجير كنيسة مار جرجس: فى يوم احتفال المسيحيين فى مصر بأحد السعف، استهدف تفجير كنيسة مار جرجس فى مدينة طنطا أثناء الصلاة، مما أدى إلى مقتل 25 شخصا على الأقل وإصابة العشرات.

كنيسة مار مرقس بمحطة الرمل بالإسكندرية: قتل 13 شخصا بينهم ضابط شرطة، وأصيب نحو 30 آخرين، فى انفجار وقع فى كنيسة مار مرقس بمحطة الرمل بالإسكندرية.

لكل ما سبق يمكننا القول إن المؤامرة شىء حاضر فى التاريخ البشرى عامة، وفى جميع النظم السياسية، والسؤال هو: ما حجم المؤامرة فى الحدث الحالى وإلى أى حد وصل تأثيرها؟. إن هناك مؤامرة تحاك ضد مصر يتم فيها استخدام مادة متفجرة قوية، يجب أن يتم التدريب على استخدامها من خلال جيش مدرب ومنظم وهو ما وجدناه بسيناء. من أين تحصل تلك الجيوش على المواد المتفجرة. بالتأكيد من دول أخرى داعمة لها تتآمر على سقوط مصر. كان المصلون متجهين إلى دار عبادة وصلاة فيما القتلة يهدفون إلى الفتنة والإساءة إلى حرمة الدين وتدمير المجتمع والأمة وأمن المواطنين وسلامتهم.

إن هذه الجريمة هى استكمال للجريمة السابقة التى ارتكبتها عصابات تنظيم داعش الإرهابى ضد الجيش المصرى وجنوده.. وإن العمليتين الغادرتين فى كل من طنطا والإسكندرية جرس إنذار، بأن الإرهابيين والعناصر الموجهة والمأجورة بدأت عهدا جديدا ضد الوطن ولابد من انتفاضة أمنية وعسكرية، وتغيير كامل فى الإستراتيجية المصرية لمواجهة الإرهاب.

إن الإرهاب لن ينال من عزيمة مصر.. ولن ينجح فى إيقاف مسيرة البلاد التى انطلقت لبناء مستقبل مصر الواعد. إنها لن تثنى شعب مصر ولن تفت فى عزيمته على المضى قدمًا فى القضاء على الإرهاب الأسود، كما لن تنال من وحدته وترابطه.. ولا أريد أن أذهب بعيدا عن الدعوة لأهمية سلامة وقوة الداخل المصرى والملايين من ركيزته الأساسية الذين يمثلون الأرصدة والظهير الشعبى، وأنا أذكر وأجدد الدعوة التى لم أتوقف عن توجيهها للوزراء والمسئولين بعدم التوقف عن تقديم إجابات لعلامات استفهام كثيرة تملأ حياة المصريين، وتقديم معلومات وإيضاحات وتفسيرات حول القضايا المصيرية والأزمات التى تمس أمنهم الحيوى والاجتماعى والوطنى.. وضرورة اعتبار هذا التواصل فريضة وواجبا، خاصة بعد أن تكاثفت المخاطر والتحديات التى تتحدى قدرتهم على الصمود وأرصدة صبرهم التاريخية وكل يوم يتوالى الكشف عن حجم ما تعرضت له ثرواتهم البشرية والطبيعية من إهدار وتجريف وتبديد ونهب.. وأيضًا ما افتقدوه من حقوق أمن وحماية وعدالة.

إن الجماعات التكفيرية تحاول استنساخ بعض التجارب فى المنطقة العربية للوقيعة بين مكونات المجتمع المصرى، ويعتبر استهداف المسيحيين دليلا على هذه النوايا، فقد سبق أن نجحت هذه المحاولة فى العراق وسوريا، من خلال استغلال التنوع الطائفى هناك، بما أدى فى النهاية إلى الصدام المباشر مع النظام. لذلك فإن المواجهة بين الجماعات التكفيرية والنظام المصرى ستزداد فى الفترة القادمة. إن مسألة عودة الجهاديين أو التكفيريين من دمشق وطرابلس وبغداد أصبحت قضية رئيسية داخل مركز صناعة القرار لهذه الجماعات، وهم يرون فى مصر البديل بعد انحسارها فى الدول السابقة، معتبرا أن ملف الأقباط سيكون هو الذريعة لهم لإيجاد موطئ قدم فى مصر. ويبدو أن الأقباط فى مصر يدفعون ثمن دعم ثورة 30 يونيو التى أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين، حيث كان للأقباط دور فعال فى هذه الأحداث وهو ما التقطته التيارات الدينية المتطرفة واعتبرته أحد مظاهر الحرب الدينية، وكان من نتيجة ذلك تعرض عدة أماكن دينية للمسيحيين فى مصر للهجوم ووقوع عشرات القتلى والمصابين.. ورغم حرص القيادة السياسية فى مصر على توجيه رسائل سياسية مباشرة وغير مباشرة للأقباط فى مصر، فحواها أنهم جزء وشريك أساسى فى الدولة، إلا أن تكرار تلك الحوادث، يعطى انطباعًا بأن ملف الأقباط فى مصر مرشح لأن يكون ورقة التكفيريين فى الفترة القادمة للضغط على النظام فى الداخل فى سياق التضييق عليهم، ورسالة للخارج بأن تيارات الإسلام السياسى لن تسكت على الانسجام الحاصل بين النظام المصرى والخارج. وعلى هذا فإن الإرهاب هو عدوُّ الإنسانية وعدوُّ الإسلام ويقصد إسقاط الوطن وإشعال الفتن وضرب علاقة المسلمين بإخوانهم المسيحيين.