رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مواجهة الإرهاب والإرهابيين


كشف حادث تفجير كنيستى طنطا والإسكندرية عن أشياء تأخرنا فيها جدا، أولها فرض حالة الطوارئ، فالقانون العادى غير صالح لمواجهة الأحداث غير العادية، فهذه الأحداث لا يردعها إلا الإجراء الاستثنائى.

أما الأمر الثانى فهو قرار إنشاء الرئيس للمجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب، وحسنا فعل الرئيس بإصداره رغم التأخر، ولعل تأخر الرئيس فى هذا الأمر كان بسبب تعويله على الأزهر الذى لم يفعل شيئا فى مواجهة الأفكار المؤسسة للإرهاب، ولن يفعل، والذى لم يأخذ أيضا أى خطوة فى تغيير الخطاب الدينى، ولن يفعل، وما ذلك إلا لأن الأزهر بحكم أشياء كثيرة أصبح جزءًا من المشكلة، كما أنه حدثت لرجاله فى الفترة الأخيرة حالة تضخم فى الذات فظنوا أنهم دولة موازية للدولة المصرية، فكان أن دخلوا معها فى تحديات كثيرة بلا مبرر، كما أن تغيير الخطاب الدينى ليناسب عصرنا لا يمكن أن يتم حصره فى الأزهر فقط إذ إنه مهمة المجتمع بأسره بكافة طوائفه ومؤسساته وأحزابه وطبقاته وجمعياته ونخبه ومثقفيه وفنانيه، ولذلك فإنه يجب أن يضم المجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب رموز الفكر والثقافة والعلم والتعليم والأدب والفن.

أراه مخطئا من ظن أن الخطاب الدينى هو شىء منفرد لا علاقة له بالخطاب الثقافى والحضارى للأمة، فالحقيقة أن الخطاب الدينى هو مفردة من مفردات الخطاب الحضارى لكل أمة من الأمم، وليس من شك أن جنوح خطابنا الدينى ناحية العنف والإرهاب لهو أكبر دليل على أن المجتمع يعيش فى حالة إحباط وشعور بالهوان، وقد نشأت حالات الإحباط والانهزام هذه عن عدم وجود مشروع قومى ينتمى إليه الشباب ويشعر بوجود هدف أسمى يرتبط به، ونظرا لغياب هذا المشروع ينشأ عن هذا الفراغ معظم أمراض الشباب من التعصب الذى هو نواة الفكر الإرهابى ورفض الآخر.

ومع عدم وجود مشروع قومى حضارى غاب الكثير من المنابع الثقافية التى كان يلجأ إليها الشباب لاستثمار طاقاتهم الإبداعية مثل قصور الثقافة ومراكز الشباب التى أصبحت الآن هياكل دون روح وأصبح الشباب معطلة طاقاته على المقاهى مما يعزز بدوره حالة الإحباط، وفى ذات الوقت سيطرت على أوجه الحياة الثقافية والفكرية جهات تحتاج بذاتها إلى إصلاح، فعلى مستوى الإعلام نجد أننا نعيش فى ظل حالة من التخبط الإعلامى، حيث لا رسالة إعلامية ولا رؤية تسعى للبناء، لذلك وفى ظل عشوائية إعلامية كان الاهتمام بأغرب الفتاوى بغض النظر عن مضمون الفتوى ومدى نفعها أو ضررها على المجتمع، فيكون هدف الإعلام فى معظم الوقت هو ملء ساعات البث بما يحقق نسبة مشاهدة دون الاهتمام بالمضمون على الأخص على الصعيد الدينى مما يسهل نشر أفكار دينية مغلوطة تثبت فى عقول الشباب دون دحضها أو التحقق منها وينفى عن وسائل الإعلام الجدية اللازمة لنشر الوعى المقابل والمواجه للإرهاب.

ومع هذا كله نبحث وسط الركام عن المؤسسات الدينية، وننظر حولنا نستنجد بالأزهر الشريف، أزهر محمد عبده وشلتوت وعبدالحليم محمود فلا نجد إلا مؤسسة الأزهر العلمية وقد أصابها الروتين والبيروقراطية، لا تعرف إلا الخطاب الدينى الذى استخرجته من ركام الكتب القديمة، تلك الكتب التى كانت تناسب العصور الأولى، حيث أنتجتها قرائح الأولين بما يتناسب مع ثقافتهم وعلوم عصرهم، ومع تبنى الأزهر لكل ما هو قديم وعدم إيمانه بالتجديد نجده وقد أصبح محدودا فى قدراته، لا يستطيع الوصول إلى الشباب.

كل ما سبق من عوامل له تأثيراته المباشرة على إحداث تأثيرات موازية على الجانب النفسى، من الشعور بالتهميش وعدم الإحساس بالقيمة وفقر العلم والثقافة مما يولد رد فعل إما بالانعزال عند البعض، أو بالاتجاه إلى الأفكار المتطرفة والجماعات الإرهابية، وقد ثبت من خلال الاستقراء فى كل القضايا والجرائم الإرهابية أن خللا نفسيًا يسكن وراء محاولة الظهور بهذا المعتقد الإرهابى، وقد ناقشنا هذا الأمر مع العديد من الأطباء النفسيين فأجمعوا على أن عقدًا نفسية مختلفة تظهر فى أصحاب هذه الجرائم أو مرتكبيها مثل عقدة الشعور بالاضطهاد أو جنون العظمة أو كراهية الآخر وأشياء على هذا النحو... ولا يظن أحد أن خطورة الإرهاب تكمن فقط فى الدماء التى تسال، ولكنها تتعدى هذا كله وتصيب مفاهيم الأمة فى مقتل، فالخطاب الدينى لجماعات الإرهاب أصبح يشكل تهديدًا على الشرعية الوطنية والشعبية، وليست الشرعية النظامية فقط، بمعنى أن ظاهرة الإرهاب أصبحت تشكل خطرًا على مفهوم الوطنية ذاته بين الناس، فلم يعد المفهوم الوطنى هو المفهوم المستقر فى النفوس، بل أصبح مهدداً، وأصبحت الوطنية والانتماء للأرض والتراب مهددة من مفاهيم بديلة كالأممية والخلافة وإيمان الإسلاميين الجدد، فتظل عندهم تركيا مثلا هى خلافة الإسلام بغض النظر عن توجهها، مع تجاهل أن تركيا هى الحليف الأكبر لإسرائيل والداعم لها تمويلًا وتجارة، بل إنها تدعم إسرائيل «لوجستيا» من خلال المناورات المشتركة... وأصبح الماليزى أولى من المصرى فى رئاسة الدولة (مقولة مهدى عاكف المرشد العام السابق للإخوان المسلمين) بل إن الأمر قد تطور فأصبحت الجماعات الإرهابية يكفر بعضها بعضا وأصبحت تتقاتل من أجل احتكار الحديث باسم الإسلام، إلا أنهم بعد أن أسقط الشعب المصرى الإخوان من الحكم تجمعوا كلهم تحت راية واحدة لإسقاط مصر، وإسقاط نظامها الشرعى المنتخب بزعم أن الشرعية للإرهابى محمد مرسى... ومن خطورة الخطاب الدينى على مفهوم الوطنية إلى خطورة هذا الخطاب على العقيدة ذاتها، فأصبحت الفتاوى التى لا تعرف إلا التعسير فى الأمور الدينية تشكل خطورة على وسطية الإسلام واعتداله، والأخطر من ذلك هو أن طبقة الدعاة الجدد أصبحوا مجموعة من الحواريين لا يجوز أن نأخذ الدين إلا منهم، فنجد أن المنهج الوصائى الذى يمارسه من يطلقون على أنفسهم اسم الشيوخ أو من يستضيفهم الإعلام لإظهار ما يطلقون عليه اسم الدين إنما يرسى دعائم الفهم الثيوقراطى ووصاية رجال الدين حتى لو تم ذلك بحسن نية من بعض المشايخ أو العلماء، وقد اندس الفكر الإرهابى بين كثير من الذين فرضوا وصايتهم على المجتمع المصرى فأفضى إلى سخرية الأبرياء والشباب صغير السن من دين يدعو إلى مثل ما يدعو إليه هؤلاء، وقد انتهت بعض الجمعيات فى دراستها على الواقع المصرى إلى اكتشاف انتشار ظاهرة الإلحاد، وقد أرجعوا ذلك إلى ما يقوم الإرهاب بنشره من فتاوى زائفة عن معنى الجهاد، والجزية، والإماء، وضرب النساء، وزواج القاصرات، ورضاع الكبير، ومفاخذة الأطفال الرضع، وغير ذلك من المستغرب من الروايات.